عاصفة الفراغ السياسي الفلسطيني التي يقترب هبوبها

تتراكض أطراف كثيرة في المنطقة والعالم على وقع اقتراب هبوب عاصفة الفراغ السياسي الفلسطيني بعد الرئيس عباس الذي تتواتر الأنباء في شأن ضعف صحته الوثيق الصلة بسنه البالغة 87 عاما . الأطراف المنشغلة بالفراغ المتوقع هي إسرائيل والأردن ومصر وبلاد الحرمين  وأميركا وبعض الدول الأوربية . وللفلسطينيين انشغالهم الكبير به ، وهذا الانشغال شعبي وطني ، وحزبي يخص حركة فتح التي تتصارع قياداتها سرا وفي شيء من العلن أحيانا حول أحقية كل عنصر من عناصرها بخلافة أبي مازن ، وتظهر هنا أسماء حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية ، ومحمود العالول نائب أبي مازن في رئاسة حركة فتح ، والأسير مروان البرغوثي . ولكل دولة  من تفضله   من هذه الأسماء ، وقد تتفق أكثر من  دولة على اسم معين ، ولا نقاش في أن الغلبة في الختام ستكون للاسم الذي تريده إسرائيل ، وستباركه الأطراف العربية التي لا تملك أي قدرة على معارضة الإرادة الإسرائيلية ، بل هي لا تريد معارضتها أصلا ،  وما يهمها   ألا يحدث بعد أبي مازن ما يزعجها ذاتيا . الأردن يخشى أي قلاقل في الضفة الغربية تمتد تأثيراتها سريعا إليه ، ومصر تخشى تفاعل غزة مع ما قد يحدث في الضفة تفاعلا يجلب مشكلات مع إسرائيل تمسها مباشرة ، ومن هنا يأتي تحذير المخابرات المصرية إلى حماس والجهاد باجتناب العمل للتأثير في مجريات الأحداث هناك ، والرياض ، التي هي عادة قليلة الاهتمام بالشأن الفلسطيني الداخلي قياسا بالأردن ومصر ، تحب هذه المرة أن تنشط فيه نشاطا يناغم توسع نشاطها الإقليمي الأخير بالانفتاح على إيران وسوريا .  والشعب الفلسطيني يشغله الفراغ السياسي المنتظر وطنيا ، ولا يريد أي كسب لإسرائيل فيه باختيار الشخصية التي تريدها لتواصل معها التنسيق الأمني ، وتترك يدها حرة في الاستيطان والتهويد ، وتكتفي بالشكوى منه ، ومناشدة العالم بردعها  . ويفضل كثيرون من الفلسطينيين الأسير مروان البرغوثي ،  65 عاما ، للحلول محل عباس ، وتواترت مؤخرا تقارير عن مساعٍ أوروبية وأميركية لإعادته إلى المشهد السياسي ربما بالتنسيق مع إسرائيل ، ويظهر هذا في زيارة مسئولين أوروبيين وأميركيين له ، وفي التخفيف من إجراءات ظروف سجنه إلا أن موافقة إسرائيل عليه تستلزم إطلاق سراحه من خمسة مؤبدات حكمت عليه بها في الانتفاضة الأولى ، في 2002 ،  بتهمة القتل والشروع فيه ، ولا تنسى له أنه الذي اسس كتائب الأقصى التي نفذت عمليات  كثيرة في تلك الانتفاضة ضد جيشها ومستوطنيها . وقد توافق على إطلاقه بثمن رهيب لن ينخفض عن تعهده تعهدا لا نقض فيه  بالالتزام بكل ما تلتزم به السلطة في المجال الأمني ، وهو أمر يصعب عليه شخصيا ووطنيا وأخلاقيا . والحقيقة الساطعة المأساوية أن الفراغ السياسي الفلسطيني المتوقع قريبا ليس مفاجئا . إنه نهاية محتومة لمسيرة عباس السياسية . ولي الرئاسة بعد انتخابه في 15 يناير    2005 ، وانتهت تلك الولاية في 9 يناير 2009 ، ولم يوافق على أي انتخابات رئاسية بعدها ، واحتفظ بمنصبه من ذلك التاريخ ، أي أكثر من 14 سنة . وألغى المجلس التشريعي ، ولم يوافق على أي انتخابات تشريعية ، وكان آخرها في يناير 2006 حين فازت بها حماس . لا وجود لحياة سياسية فلسطينية أصلا . كيف توجد هذه الحياة بين  مخالب قبضة إسرائيل وعدوانها واستيطانها وتشريعها أنه لا حق في تقرير المصير في فلسطين إلا لليهود ؟! كل حديث عن حياة سياسية فلسطينية هو وهم ومجاز ليس للواقع الماثل أي صلة بهما  . والسلطة الفلسطينية التي استولدها اتفاق أوسلو ما كان لاستيلادها سوى هدفين : إزاحة عبء فلسطينيي الضفة وغزة المعيشي عن كاهل إسرائيل ، ومعاونتها في توفير الأمن لجيشها ومستوطنيها للتفرغ لتهويد الأرض الفلسطينية في جو ذلك الأمن . البدايات  الخاطئة لا تسير إلا نحو نهايات خاطئة ، ودفع الفلسطينيون منذ اتفاق أوسلو أثمانا رهيبة من دمائهم وأرضهم للمقدمة الخاطئة التي ارتجلها ذلك الاتفاق الذي وصفه شيمون بيريز بأعظم إنجاز للصهيونية بعد إقامة إسرائيل ، ووصفه كثيرون آخرون بأسوأ اتفاق وقعته حركة وطنية . وما يسمى اليوم فراغا سياسيا فلسطينيا يفتح الباب على مآسٍ فلسطينية جديدة لن يخفف منها ما تقاسيه إسرائيل من تمزق ذاتي ، ووهن عزم ، وخمود روح ، وتبدل في رياح التوجهات العالمية بما لا يوافق مسار سفينتها الشريرة .     

وسوم: العدد 1036