من الصحراء إلى تايوان: مفارقات صراع الجزائر ـ المغرب
أصدرت الصين والجزائر، خلال زيارة يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى بكين بدعوة من نظيره شي جين بينغ، بيانا أكد فيه الوفد الجزائري دعمه للموقف الصيني في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وشينجيانغ وهونغ كونغ والتيبت، ومعارضته لأي شكل من أشكال استقلال تايوان عن الصين، وكانت قد سبقتها زيارة أخرى لتبون إلى روسيا، في حزيران/يونيو الماضي، وقع فيها وثيقة «التعاون الاستراتيجي المعمق» مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
جاء ذلك في اليوم نفسه الذي أعلن فيه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في رسالة وجهها للملك المغربي محمد السادس، «الاعتراف بسيادة المغرب» على أراضي الصحراء الغربية، وأبلغه، حسب مجلة «لاكروا» الفرنسية، أن إسرائيل تفكر في «فتح قنصلية في مدينة الداخلة» الواقعة في الصحراء الغربية، كنوع من إعلان دعمها للرباط، وجاء ذلك بالتزامن مع رفع مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط إلى سفارة وتعيين ملحق عسكري، مع ترقب لموقف مماثل من المغرب بفتح سفارة في تل أبيب.
تشكل مسألة الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قضية على درجة من الحساسية والخطورة السياسية في المغرب، وأن اعتراف الولايات المتحدة بهذه السيادة مثّل تغييرا في موازين القوى الدولية. قدّم التطبيع المغربي مع إسرائيل في كانون أول/ديسمبر 2020، الوجه الآخر للصفقة التي رعتها واشنطن، وهو ما احتسب لصالح إسرائيل، ووسّع من حزمة دول «الاتفاق الإبراهيمي» العربية، وشكّل أيضا دعما شخصيا لأجندة بنيامين نتنياهو.
تمثل سياسة الجزائر الخارجية إعلانا عن خيار استراتيجي بالانخراط الكبير ضمن قطب الشرق، الذي تمثله روسيا والصين، ولا يمكن فصل هذه الاستراتيجية، في الواقع، عن الصراع الدائر بين الدولتين الجارتين الكبيرتين في المغرب العربي، كما لو أن هذا الخلاف بين البلدين، هو نزاع وجوديّ وليس خلافا سياسيا يمكن حلّه لصالح الشعبين، ويؤدي تفاقمه إلى مفارقات سياسية كبرى لا تستقيم مع المنطق والتاريخ والمصالح.
شكّل التطبيع المغربي مع إسرائيل دعما شخصيا لأجندة بنيامين نتنياهو، وظفه في تحسين إمكانيات بقاء حكومته اليمينية المتطرفة، المنهمكة في تدمير الأسس الوجودية والثقافية للشعب الفلسطيني، ويثير اعتراف نتنياهو وحكومته بسيادة المغرب إشكالية كبيرة للمغاربة أنفسهم، قبل الفلسطينيين، فصفقات السياسة يمكن أن تؤدي لكسر بعض المحظورات، والإذعان لبعض الضرورات، لكنّها لا يفترض أن تتناقض مع المصالح الكبرى للبلدين والشعبين.
اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية أقرب للعبء السياسي والأخلاقي منه للمكسب السياسي، كونه يضعف مصداقية المغرب فهو يأتي من دولة محتلة لأراض عربية ومسؤولة عن انتهاك القوانين الدولية وتقويض أسس حياة شعب عربي، ولذلك فإن الاستعانة بها في هذه القضية هو هدم لمعنى هذه القضية وإساءة لها.
بدوره فإن إعلان الرئيس تبون مساندة الصين في قضية تايوان، يناقض أيضا دعاوى الجزائر حول استقلالية الصحراء الغربية ودعمها لانفصالها عن المغرب، فإذا كان منطقيا في عرف السياسة الخارجية الصينية دعم بلد لإلحاق بلد مستقل بسلطته، فما الداعي إذن لرفض إلحاق المغرب للصحراء الغربية؟
وإذا كانت الجزائر تعمل على مصالحة الفصائل الفلسطينية المختلفة أيديولوجيا وسياسيا، فلماذا لا تعمل هي بهذه السياسة وتحاول التصالح مع المغرب القريب منها بدل تحويل الخلاف إلى سباق تسلّح يستنزف ميزانيتي البلدين، وسباق على الاستقطاب للقوى الدولية والتبعية لها؟
وإذا كانت الجزائر تعمل على مواجهة مواقف التطبيع المغربية بدعم الشعب الفلسطيني، وسلطته الوطنية، فلماذا تخدش هذا المبدأ السياسي الأخلاقي بالموافقة على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان ودعمها في موقفها ضد المسلمين الأويغور، الذين سُجن أكثر من مليون من أفرادهم، وقمعت هويتهم الدينية والثقافية؟
الإجابة الصدوقة على هذه الأسئلة ستعفي النخبتين الحاكمتين في المغرب والجزائر من الكثير من التناقضات التي تزيد، للأسف، من معاناة الجزائريين والمغاربة، وتأخذ بالبلدين في اتجاهين متعاكسين، يصبّان، في النهاية، في غير مصلحة الشعبين، المؤيدين، من دون شك لفلسطين، والمتعاطفين، بالتأكيد، مع قضايا الشعوب المظلومة في كل مكان.
وسوم: العدد 1041