لماذا لا يدين الغرب الانتخابات الصورية المزورة في البلاد الإفريقية كما يدين الانقلابات العسكرية فيها ؟؟؟
لا شك أن توالي الانقلابات العسكرية في مستعمرات فرنسا الإفريقية السابقة في فترة وجيزة من هذا العام، له دلالة لا يمكن السكوت أو القفز عليها ، ولا يمكن الجزم بأنها لا تختلف عن كونها تقليد إفريقي كان بعد رحيل المحتل الغربي، بل يجب التفكير في أسبابها الداخلية والخارجية .
أما الأسباب الداخلية، فهي سوء أحوال شعوب تلك البلدان التي هاجرت منها أعداد غفيرة فرارا من الجوع، والفقر، والعنف، والاستبداد ... وقد هلك منها الكثير في مياه البحر المتوسط جنوب أوروبا، وكانوا طعاما للحيتان، ومن نجا منهم، يعيشون حياة مذلة، وهم غير مرغوب فيهم، يعانون من الميز العنصري في دول أوروبا المتبجحة بالحضارة، والديمقراطية،والحرية ، وحقوق الإنسان والحيوان ، والبيئة ...
أما الأسباب الخارجية، فهي استنزاف محتل الأمس خيرات تلك البلدان، تماما كما كان حاله في فترة احتلالها بعدما كرّس فيها أنظمة طوع يده وإرادته، تذر الرماد في عيون شعوبها لصرفها عما ينهبه المحتل من خلال مسرحيات انتخابية هزلية بنسب مئوية وهمية مثيرة للسخرية، وذلك من أجل أن يظل وضع ما بعد رحيل جيش المحتل قائما، فتصل إليه مقدرات القارة الإفريقية دون الحاجة إلى ذلك الجيش وقد سدت مسده جيوش إفريقية، تأتمر بأمر القيادة الفرنسية وغيرها من القيادات الغربية ، وعلى رأسها عرّابون ينتخبون صوريا لفترات انتخابية متتالية ، ويسمي محتل الأمس نلك المسرحيات الانتخابية الهزلية مسارا ديمقراطيا وشرعية دستورية ، واستقرارا ،وأمنا، وسلاما ...
وما حدث بالأمس في دولة الغابون أسقط قناع فرنسا ، وحليفاتها، حيث اجتمع الجميع ليدين الانقلاب العسكري فيها ، وهم الذين لا يدينون المسرحيات الانتخابية الهزلية في الأقطار الإفريقية، طالما أوصلت إلى مراكز القرار من يخدمون مصالحهم ،ويبيحون لهم مقدرات الشعوب الإفريقية التي تصنع رفاهية شعوبهم على حساب فقر، وجوع، ومرض، واضطهاد الشعوب الإفريقية البائسة ، ففرنسا على سبيل المثال، وبئس المثال ،تمتص دماء الأفارقة بشكل رهيب ،وتستنزف خيراتهم ومقدراتهم، بل حتى سواعدهم وأرجلهم. أليس فريقها الكروي الذي تباهي بحصوله على كأس العالم في دورته الأخيرة، إنما حصلت عليه بعرق لاعبين معظمهم من أصول إفريقية، تموه على استغلالهم بأكذوبة منحهم جنسيتها التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تجعلهم في مستوى مواطنيها الأصليين ، وقد دل على ذلك ما تفعله بالمجنسين من أصول إفريقية وعربية حين يثورون ضد التمييز العنصري ضدهم . أما العقول والأطر العليا الإفريقية التي تستغلها ، فحدث ولا حرج .
ولقد علق بعض المعلقين على انقلاب الغابون ، وزعم بعضهم أنه يختلف عن الانقلابات الأخيرة السابقة ، والحقيقة أنها واحدة، لا اختلاف بينها باعتبار الاحتقان الموجود لدى شعوب البلدان التي وقعت فيها ، وهي معبرة كما كان ينبغي أن يحصل، وهو ما يكمن تسميته بربيع إفريقي، نرجو ألا يكون كالربيع العربي من حيث المصير. ولا يمكن بحال من الأحوال تجاهل خروج الشعوب التي وقعت فيها تلك الانقلابات متظاهرة ومهللة بها ، وهي لم تفعل ذلك حبا في تلك الانقلابات، بل تعبيرا عن الرغبة الملحة في الخلاص من الاستبداد ، والخروج من التخلف، والجوع، والمرض ، وتعبيرا عن الامتعاض من وجود معسكرات وقواعد لجيوش الاحتلال السابق ، ومن استنزاف خيراتها لصناعة رفاهية غيرها من الشعوب الأوروبية خصوصا، والغربية عموما . وعلى المجلس الأوروبي الذي اجتمع بالأمس ليدين الانقلاب في الغابون كما أدان غيره من قبل أن ينصت إلى أصوات الشعوب الإفريقية، فهي المشروعةحقا ، ولا شرعية مزعومة فوقها مما يسوق له ذرا للرماد في العيون .
والسؤال المطروح: هل الانقلابات التي حدثت مؤخرا في إفريقيا هي بحق ترجمة لإرادة الشعوب الإفريقية في الانعتاق، والتخلص من المسرحيات الانتخابية الهزلية أم أنها استمرار لااستبدال طغاة بغيرهم، يساومهم الغرب كما فعل بمن سبقهم ،حرصا على مصالحه قبل أن يضفي عليهم الشرعية المزعومة تماما كما أضفيت على متزعم الانقلاب الدموي في مصر ، وهو اليوم يجازى على ذلك، لأنه ضمن مصالح الغرب ،فغض هذا الأخير الطرف عن إجهازه على الشرعية، والديمقراطية، والانتخابات النزيهة التي أفرزت قيادة لم يرضها هذا الغرب الذي عليه أن يتخلى عن سياسة فرض الأمر الواقع بالوصاية، والتدخل في شؤون شعوب إفريقيا ، والشعوب العربية ، والتلويح باستعمال القوة لإخضاعها حين تثور ضد الاستبداد الضامن لمصالحه والتي لا حدود لها.
وسوم: العدد 1047