الموقف الجمعي : ومفهوم المظلة الجامعة !!

كل الناس مختلفون عندما يفكرون فيقدرون ثم يعبرون. حتى على مائدة واحدة عليها ثلاثة أشقاء وثلاثة أطباق؛ تختلف الأذواق في التقدير.

ليس الخطير أن نختلف، الخطير أن لا نحسن إدارة هذا الاختلاف، وأن نجعل أثره فينا، اختلافا ونزاعا وفشلا كبيرا...

كل الناس في الشعوب والمجتمعات حول العالم يختلفون في كثير من قضاياهم، ولكن الأرقى منهم هم الذين يستطيعون استيعاب خلافاتهم، وحسن إداراتها، على كل المستويات، من غير أن يكون هنا إكراه أو قهر أو نبذ أو اتهام.

وأخطر شيء في عالم الاختلاف أن لا يكون في فضائه "مرجع" عقلي أو إداري، يحول بينه وبين أن يتحول إلى فوضى واضطراب ونزاع، وإذا لم يكن له قنوات مشروعة للتعبير عن نفسه، حتى حين يحكم عليه أنه المرجوح، الذي يجب أن يصغي، دون أن يصادر حقه في التعبير بطريقة منتجة منظمة.

ونحن في فضائنا الثوري الوطني..

الأصل فينا نحن في الجمهور الثوري العريض، على ما بيننا من اختلاف وتباين في الانتماءات وفي الاعتقادات، وفي الرؤى؛ أننا نشكل رؤية سياسية مستقبلية أكثر انسجاما وتناسقا وتكامل، ممن هم ليسوا في فضائنا من سوريين وغيرهم.

أعتبر شخصيا من الخلل البين، أن تكون أي هوة بيني وبين أي طرف في الصف الثوري المعارض، ويخطر ببالي أن أتوقف عن استعمال، مصطلح المعارضة والمعارض، لأن الهوة التي تفصلني عن بعضهم، أو تفصلهم عني؛ هي أكبر من تلك التي.. على المستويات الاعتقادية والواقعية والبرامجية..وإتساءل من أوصلنا إلى هنا!!

نحن - المحتشدين تحت لواء الثورة كما يجب أن نكون- لسنا الأخوة الأعداء..

ونحن -كما يجب أن نكون- لسنا الشركاء المتشاكسين؛ وعندما يعرض أحدنا رأيا الأصل فيه أن يصوغه بلغة وأسلوب وطريقة يراعي فيها وجهات نظر كل الشركاء على الساحة الثورية الوطنية..حتى لا يبدو مستأثرا أو نابذا؛ أو كأنه يقدم نفسه لذلك الكريه الذي ثرنا جميعا عليه، لكراهته، وليس للون عينيه. لكراهته الإدارية في انتهاج الاستبداد، وإشاعة الفساد!!

والأصل فينا عندما يعرض أحدنا رأيا أو موقفا، أن نبذل جهدا لنفسره تفسيرا ننسجم معه، ونجعله سائغا أو مقبولا، أو ممكنا بإضافة شرط، أو إلحاقه ربما باستدراك..

مختلفون.. وكذا خلقنا الله، ولذلك خلقنا الله، ليبلو بعضنا ببعض، وينظرنا كيف نعمل!! أليس عجبا أن أعظم التحديات التي واجهها الناس في تاريخهم الطويل هي من نوع بلاء هابيل بإخيه قابيل، حسده، فغمطه (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ) وأظنه ما يزال يفعل في كل ساعة وكل حين!!

نفسية النابذ المتربص، لا تليق بفضاء وطني، وقدرنا أننا سنعيش معا، ونفسية قابيل لا تليق بأي اجتماع إنساني،

في الموقف الذي يقتضي منا أن نتكاتف -نضم الكتف إلى الكتف- ونتساعد- نشبك الساعد بالساعد- ؛ يجب أن نفعل، لكي ننجز ما لا يمكن لأي فريق منا منفردا أن ينجزه...

 الجادة العريضة، يمكن أن تحتمل الأحاديث باللهجات المختلفة، والسير بالمسارب المختلفة، ولا يضر أن يكون السير بسرعات مختلفة؛ أيضا، ما دمنا نسير جميعا في اتجاه واحد.

حالة التوفز النفسي على طريقة : قل حتى أرد قولك، لا تخدم مشروعا وطنيا، ولا رؤية سياسية، ولا حتى علاقة وطنية.

وجهة نظر أي واحد منا ليست دستورا نحتد على إقرار مادة منه. هي وجهات نظر كلنا نتفق على أننا في سورية المستقبل من حقها أن تجد المنبر الذي تشهر عليه.

أنت تقول وأنا أقول والثالث والرابع يقولان والخامس يسمع..

لا ضير أن تناقش الفكرة بالفكرة، والرأي بالرأي، ولكن الضير كل الضير أن يدعي بعض الناس ألوهية أو ربوبية علينا!!

التحليل السياسي على الخلفيات الايديولوجية أو الطائفية أو الحزبية؛ وإن وجدت رواجها الجمهوري، ووجدت من يحتشد أو يتجحفل خلفها، تجعلنا نغرق في التهويم في مدارات عبثية لا نهائية..

في العالم المنشود الذي نسعى جميعا إليه من حق جميع الناس أن يقولوا..

ومن واجب المتقدمين في العلم والحلم أن يقولوا لكل القائلين حسنا، وأن يهدوهم بلطفهم رشدا...

"واللطف رشوة من لا رشوة له" وما أثمنها!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1053