الإرهاب العربي الإسلامي
لم يعد خافيا على أحد أنّ القوانين والأعراف ولوائح حقوق الإنسان وغيرها من المصطلحات الرّنّانة هي الّتي يضعها القويّ، ويطبّقها بما يخدم مصالحه، وقد ثبت ذلك مرارا وتكرارا بعدما برزت الولايات المتّحدة الأمريكيّة كقوّة عظمى بعد الحرب الكونيّة الثّانية، وتجلّى ذلك بشكل واضح بعد انهيار الاتّحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الاشتراكية في بداية تسعينات القرن الفارط. وانفراد أمريكا بالسّيطرة على العالم، بل إنّها جعلت من نفسها شرطيّ العالم، وتتمحور نظريّتها في التّحكم بالعالم حول:" ما لا يمكن تحقيقه بالقوّة يمكن تحقيقه بقوّة أكبر"، لذا فهي تغزو وتدمّر وتقتل وتحتلّ دون أيّ رادع أخلاقيّ، وقد نجحت في ذلك في مواقع مختلفة في العالم، وفشلت في أماكن أخرى. ومن يعارض السّياسة الأمريكيّة فهو إرهابيّ سواء كان هذا دولا أو أحزابا وجماعات، وحتى الأفراد أو حتّى لو كان معتقدات دينيّة. ويلاحظ أنّ أمريكا وحلفاءها قد حصروا الإرهاب في العرب والمسلمين، بعد أن سلّطت أمريكا على معظم الدّول والشّعوب العربيّة والإسلاميّة حكّاما تابعين لها، يأتمرون بأوامرها وينفّذون ما تريد دون نقاش، فهم "كنوزها الاستراتيجيّة" كما وصفهم الرّئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرس أثناء ما سمّي " الرّبيع العربيّ" الّذي انطلق عام 2010، وثورة الشّعب المصري على نظام الرّئيس المخلوع حسني مبارك.
وبما أنّ أمريكا حصرت الإرهاب في العرب والمسلمين، فإنّ أيّ ثورة شعبيّة للتّحرّر من الديكتاتوريّات والأنظمة العميلة هي ثورة إرهابيّة، وأيّ محاولة للتحرّر من الاحتلال الأجنبيّ في العالمين العربيّ والإسلاميّ هي حركات إرهابيّة! فمثلا احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة أمر مشروع، ومقاومته إرهاب، بينما احتلال روسيا لأراض أوكرانيّة هو خرق للقانون الدّولي، لهذا فأمريكا وحلفاؤها سارعوا ولا يزالون يزوّدون أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة لتحرير أراضيهم.
والإسلام كدين وعقيدة كان أتباعه -حسب وصف أمريكا لهم-يشكّلون "السّور الواقي من خطر الشّيوعيّة" قبل انهيار الاتّحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة، وشكّلوا تنظيم القاعدة وبدعم وتمويل من دول الخليج الذي كان عربيّا لمحاربة السّوفييت عندما احتلوا أفغانستان عام 1978، واعتبروها تنظيما تحرّريّا! وعندما انقلبت القاعدة عليهم صارت تنظيما إرهابيّا! وبعد انهيار الاتّحاد السّوفييتي والدّول التي كانت تدور في فلكه بدأت حملة إعلاميّة هائلة لشيطنة الإسلام والمسلمين. وما يخدم مصالح أمريكا وحلفائها أمر مشروع، ومن يخالفها فهو إرهابيّ محاربته واجبة، فإيران الشّاه كانت صديقة لأمريكا، وبعد الثّورة عليه صارت ايران دولة إرهابيّة وداعمة للإرهاب، وإدارة الرّئيس الأمريكي السّابق ترامب ألغت الاتّفاق النّووي الذي وقعته أمريكا في عهد الرّئيس أوباما مع إيران، واعتُبرت ايران دولة ارهابيّة لا تحترم الاتّفاقات الدّوليّة، وقبل ذلك جرى تدمير العراق واحتلاله وهدم دولته، وقتل وتشريد شعبه بناء على أكذوبة امتلاكه وتصنيعه لأسلحة الدّمار الشّامل، وكذلك جرى اسقاط نظام القذّافي في ليبيا، وإدخال ليبيا في حروب أهليّة لا تزال مستمرّة حتّى يومنا هذا، وجرى تمويل الإرهاب لتدمير سوريّة والعراق، ومحاصرة سوريّة ولبنان وإيران وغيرها.
ووصلت الغطرسة إلى درجة اعتبار أيّ جريمة جنائيّة يرتكبها عربيّ أو مسلم عملا إرهابيّا، بينما إذا ارتكب مثيلتها غير عربيّ وغير مسلم وبناء على فكر عنصريّ فإنّ مرتكبها يوصف بالجنون! وبالتّالي "ليس على المجنون حرج"!
وأمريكا التي ترفع شعارات مثل حقوق الإنسان، وحقوق الطّفل والمرأة واحترام القوانين والأعراف الدّوليّة، واتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، لا تتجاهل هذه القوانين عندما تتعلّق بالعالمين العربيّ والإسلاميّ فحسب، بل إنّها تشنّ حروبها على من يدعو إليها، وتصف حروبها هذه بأنّها " حرب أصحاب النّور على الظّلاميّين"، ومن دعوا ولا يزالون يدعون باستعمال الأسلحة النّوويّة لتدمير قطاع غزّة وقتل مليونين ونصف المليون إنسان فيه ليسوا إرهابيّين، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وقتل الأطفال والنّساء ليس إرهابا، بل هي حروب عادلة! وقطع الماء والغذاء والدّواء عن ملايين البشر ليس إرهابا! ومن يدعون إلى التّطهير العرقي ليسوا إرهابيّين ما داموا غير عرب وغير مسلمين! والحديث يطول.
وسوم: العدد 1068