في التوقيع عن الله
أنا ما ذهبتُ إلى صفحته بل بعضكم أرسلها إليّ ، وكثيرا ما أقول لنفسي: مالي وللناس!!
أرسل إليّ بعضهم، فيديو لعالم جميل، مظنون فيه الخير، ومعهود عنه التروي في الحكم..
يجيب عن سؤال: هل تجوز المظاهرات لو منعها ولي الأمر؟؟
فيفتي: المظاهرات لا تجوز ولو سمح بها ولي الأمر!!
يضيف: لما يكتنفها من فساد!!
ويعيد: لا تجوز ولو سمح بها ولي الأمر، لأن ولي الأمر ليس هو المشرع، بل الله هو المشرع!!
وعدت إلى مصادر الشريعة من كتاب وسنة فما وجدت نصا يحرم خروج الناس في تجمع لانكار منكر والتنديد به!!
فإن كان ما قاله الشيخ اجتهادا منه، واستنباطا، من صورة قائمة في ذهنه، فيكون استنباطه ظرفيا، حسبما عهده عن المظاهرات في دارته، فلو قال رأيي أو اجتهادي في أمر المظاهرات، لكان أتقى لله فيه.. فأما أن يعتبر الإنسان نفسه - وهو مهما بلغ يبقى بشرا ممن يأكلون الطعام، الموقعَ عن الله، الناطقَ باسم الله، فمن حسن ظني في صاحب هذه الفتوى أقول: سبحان الله، وأعلم أنه لا يريد هذا، ولكن العبارات تنزلق على ألسنتنا أحيانا..
حسب فتوى الشيخ فهذه الألوف من الحشود حول العالم، التي ما تزال تخرج منددة بالحروب الظالمة، وبالجرائم الكبرى، وبالانتهاكات لحقوق الآدميين، فتحاصر أكابر المجرمين، وتؤثر في قرارهم، هي عمل محرم، وارتكاب لمعصية، واكتساب لإثم، يجب على المشارك فيها أن يستغفر الله منها، يخشى عقابها لا أن يرجو ثوابها!!
أعلم أن في الفضاء الكوني العام مظاهرات أيضا تخرج دعما للظلم والظالمين، وتأييدا للفحش والمتفحشين، ولكن يظل مدار حديثنا حول المظاهرات التي تأمر بالمعروف وتحض عليه، وتنكر المنكر جماعيا في أبرز وأبهى وأفعل صور الإنكار…
ربما المرجو من أهل العلم والفضل فينا أن يتأنوا على الناس قليلا..
فحين يحدثوننا عن الحلال والحرام عندهم فيه من الله برهان من كتاب أو سنة صريحة صحيحة ماضية، فمن حق أن ينسبوا ذلك إلى الله جل الله وإلى دين الله وكتابه ورسوله..
وعندما يحدثوننا عن أمر من أمور دنيانا التي أسند إلينا رسولنا أمر علمها أن يشاركونا الرأي فيكون رأي أحدهم مثل رأينا أحدنا.. ولهم علينا أن نزيدهم حبة!!
المظاهرات السلمية طريقة من طرائق التعبير، عن رأي الجماعات والتجمعات، تأييدا أو إنكارا..
طريقة جماعية قد يسيرها مسيروها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون الأبلغ في الأمر والنهي، والأصدق في التعبير والأقرب إلى التأثير..
عن المظاهرات الخيرة أتحدث!! فأي وجه لادعاء حرمة مثل هذا، ثم نسبة هذه الحرمة إلى الله جل الله!!
وأستأنس بواقعتين من السيرة النبوية الشريفة وأكرر مجرد استئناس.
في يوم الحديبية وبعد عقد الصلح، وشعور جمهور المسلمين وهم المتحفزون لدخول مكة، مع تأكد قدرتهم على ذلك، ويأمرهم رسول الله بأن يذبحوا ويحلقوا ويتحللوا.. استعدادا للعودة..
ويكون الوجوم سيد الموقف، هل يمكن أن نقول لقد كانت مظاهرة صامتة مؤدبة حيية، فعل عظيم، من قائد عظيم؛ لم تحط بأفقه عقول الجنود الاخيار!! تعرفون بقية القصة، وكيف أشارت ام المؤمنين!! ثم ما كان من شأن سادتنا الأنصار بعد حنين!!
كانت مظاهرة الأنصار جماعية صامتة مؤدبة متوجسة أيضا؛ مع بعض النجوى الحبيسة، ويرفع حال الأنصار إلى مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد من ساداتهم سعد بن عبادة!!
يقول له سيدنا رسول الله بعد أن نقل سعد توجسات الأنصار، وأنت ماذا تقول يا سعد؟؟
يجيبه سعد رضي الله عنه: وهل أنا إلا رجل من قومي؟؟
ويستجيب سيدنا رسول الله لتوجسات الأنصار ، بلقائه الحميم معهم، وبندائه الأكثر حميمية:
- يا معشر الأنصار أتغضبون أن يعود الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله إلى رحالكم!!
- لولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار
- اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.
- ويضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار موعدا على الحوض…
في اللغة العربية إذا أرادوا المبالغة في الوصف أنثوه فقالوا في العالم العلامة، وفي الفهيم الفهامة، وفي الباحث البحاثة، وأخشى أننا إذا بالغنا في وصف بعض من يظنون أنهم يحتكرون الصواب، أن نقول فيمن يحتكر الصواب فيظن انه المصيب "المصيبة"
مجرد رأي وذكري لروايات السيرة الشريفة مجرد استئناس، فلستُ من أهل الاستنباط ولا من الموقعين عن الله "جل الله"
وكنت قد وقفت على أقوال لعلماء استشكلوا عنوان ابن القيم "أعلام الموقعين" على جودة ما في كتابه، ثم رحت التمسها على الشبكة فلا أجدها بعد أن خلفت مكتبتي الأولى في حلب منذ نصف قرن.
دائما المكتبة الأولى تذكرني ببيت أبي تمام، حيث كان لاقتناء كل كتابة حكاية!!
علماء الهند والباكستان منهم فيما أنا على يقين منه، لم يرفضوا فقط عنوان "أعلام الموقعين" بل استبدلوا به أيضا، وتداولوا من بعد الكتاب
هذا والله أعلم
وسوم: العدد 1076