الحكم في مساجد الضرار

قد أختصر الكلام كثيرا إذا قلت: الحكم في مساجد الضرار هدمها. وإشعال النار فيها. والأخذ على أيدي القائمين عليها، والمصلين فيها.

ولكن بيتا من الشعر قاله جرير في هجاء الأخطل، ما زلت أتعلم منه الكثير..

كان الأخطل الشاعر التغلبي النصراني، الشاعرَ الأثير عند بني أمية، ولاسيما عند عبد الملك بن مروان منهم..وقد مدحهم ومدحه بروائع الشعر العربي.

ومع ذلك ففي لحظة تاريخية من لحظات نشوة الشعراء، يقول جرير مخاطبا الأخطل يُدلُّ عليه طائفيا- كما نقول في هذا العصر- يقول جرير مخاطبا الأخطل التغلبي النصراني، وأعتذر فهذا تفسير تاريخي لا يُظن أنني منغمس فيه:

هذا ابن عمي في دمشق خليفةً

لو شـــــئتُ ســـــاقكم إليّ قطينـــــا

ويزعمون أن عبد الملك حين بلغه هذا البيت، قال عن جرير:

قاتله الله جعلني شرطيا عنده!! يشير إلى قوله "لو شئتُ" فيجعل نفسه صاحب المشيئة ويجعل الخليفة منفذا لمشيئته!!

ومع أن عبد الملك الخليفة المسلم، الذي كان يُلقب بحمامة المسجد النبوي، عندما كان مقيما في المدينة، لم يبال بقول جرير، ولم يسق تغلب خدما عنده كما زعم..

إلا أنني ما أزال ألمح عقل جرير القاصر المحدود يتراءى في مرايا الكثيرين من المقررين عن أهل الإسلام حتى في عصرنا، حيث لا خلافة ولا خليفة ولا دمشق ولا بغداد ولا القاهرة..!!

يبنون على مثل قول جرير، ويتناسون قول شوقي في استفهامه الانكاري: هل في المصلى أو المحراب مروان؟؟

وكأني بهذا الكلام أرد على نفسي في قولي: وحكم مساجد الضرار أن تهدم، ونحن نتابع في كل صباح ومساء تهديم بيوت كان الحق أن يُقام فيها، وأن تزهر شموعها وقناديلها.

في عصر أصبحت فيه الكلمة والصولجان والشاشات لأبي عامر الراهب أو الفاسق..

يجدر بنا أن نفكر سياسيا بطريقة أخرى غير التهديم والتحريق وكل ذلك مما أصبح ذلك الراهب أو الفاسق هو الأقدر عليه.

وأول ما سأقول في قراع صخرة الإسلام الراسية والوعول وقرونها، أننا يجب أن نحفظ جيدا قول الأعشى:

كناطـــــح صخـــــرة يومـــــا ليوهنهــا

فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل!!

وقول الآخر:

يا ناطـــــح الجبــــــــــل العالــــــــــي ليوهنــــــــــه

أشفق على القرن لا تشفق على الجبل

وهذه الثقة تورث اليقين ولليقين برد يجده صاحبه في صدره، فيكتسب ريثا وحكمة وطمأنينة في كل تصرفاته..

من هذا الموقف، ومن واقع أننا يجب أن ننسى أن لنا ابنَ عم قائما على الأمر في قصر دمشق أو بغداد أو القاهرة..

وأن الصراع في هذا العصر أصبح فكريا منظما دقيقا؛ حلمت على غير طريقة جرير أن يبادر الأزهر الشريف، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن في حكمهما من الذائدين عن الحياض، الحاملين لراية المرجعية، إلى تشكيل لجان علمية ضابطة منضبطة، على نحو ما يكون في مناقشة الرسائل العلمية؛ تجعل من مهمتها الأساسية أن تتلقى بروح علمية موضوعية، وأن تناقش بروح علمية موضوعية كل ما يصدر عن القوالات والقوالين عن شمال وعن يمين؛ فيُرد حق إلى نصابه، ويلقى شعاع الحق على الباطل فإذا هو زاهق، والويل لأصحابه مما يصفون. كل ذلك مما يشتهر أثره، ويعم خطره، وإلا فمزدوجة "الألف مبخر والفساء ستظل حاضرة في العقول والقلوب"

صحيح أن العوام يلجمون الزنديق ويطفئون الحريق، ولكن العلماء المبصرين المبّصرين، يجلون الشبهات بنور البينات.

ولعلنا لو وفقنا الله لمثل هذا، نقلب مقلاة الشر على قاليها، ونفيد علما وفهما وتمكينا..فنتلو (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

إن قيل حقا نقول هذا نفهمه، وما بني على الوهم أو المين رددناه..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1080