(الصندوق الأسود) لحرب إسرائيل على (الجنائية الدولية)
كشف كريم خان، المدعي العام للجنائية الدولية، خلال مقابلة مع صحيفة بريطانية، الأحد الماضي، مفاجأة بإعلانه عن مكالمة ـ فضيحة تلقاها من أحد القادة الأوروبيين قال له فيها إن «هذه المحكمة (أي الجنائية الدولية) أنشئت من أجل أفريقيا وللبلطجية مثل بوتين» (والمضمون الواضح في هذه الجملة هو: «نحن لم ننشئ المحكمة لتتم محاسبتنا – نحن القادة الغربيين – على الفظائع التي نرتكبها أو لمحاسبة إسرائيل حليفتنا».
غير أن تلك المفاجأة لم تكن، على ما يبدو، سوى رأس جبل الجليد من الأسرار المتجمعة في «الصندوق الأسود» للحروب الاستخبارية والدبلوماسية القذرة التي لم تتوقف إسرائيل عن شنها، بشكل مواز للجرائم الحربية والجرائم ضد الإنسانية المستمرة ضد الفلسطينيين، ففي التحقيق الاستقصائي الذي قامت به صحيفة «الغارديان» البريطانية (بالاشتراك مع مجلة +972 الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وموقع «لوكال كول» العبري) تكشّفت وقائع مذهلة جديدة تشير إلى حقبة طويلة تتشابك فيها أعمال التجسس والتنصت والابتزاز السياسي والجنسي والترهيب الشخصي وأنواع الضغط ضد مسؤولي المحكمة الكبار وقضاتها وحتى أقاربهم، ويشرف عليها قادة إسرائيليون كبار، مثل بنيامين نتنياهو، ورئيس المخابرات الخارجية السابق يوسي كوهين (والحالي على الأغلب) وكذلك وكالات الأمن الداخلي والاستخبارات العسكرية ووحدة التنصت الالكتروني، وشاركت في تجميع وتحليل المعلومات وزارات العدل والخارجية والشؤون الخارجية، وساهم في تلك الجهود، حسب المعلومات، فرق احترافية من الجواسيس والمتعاونين والسفراء، وحتى قادة غربيون وأفارقة!
أظهر التحقيق أن أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتبرت التعامل مع المحكمة الدولية «معركة» وأنها وضعت مسؤولي المحكمة الكبار، مثل خان والمدعية العامة السابقة فاتو بن سودة، منذ عشر سنوات على الأقل، تحت المراقبة، وأن فرقها المتخصصة قامت باعتراض مكالماتهم ورسائلهم الالكترونية وسرقت وثائق ومعلومات، وتم استخدام كل ذلك للضغط على مسؤولي المحكمة، وبشكل كبير على بن سودة، التي كانت أول مدع عام يفتح تحقيقا حول ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية عام 2021، وكان الاستعداد لها قد استغرق قرابة العقد.
في تفسير لاستسهال تنصّت الإسرائيليين على هذه المسؤولة القانونية الكبيرة على المستوى العالمي، وردت في التحقيق عبارة تصوّر نظرة القادة الإسرائيليين إليها باعتبار كونها محامية من غامبيا، وهي بالتالي «افريقية سوداء، فمن سيهتم؟» وهي، في الحقيقة، النظرة نفسها التي صدرت عن القائد الأوروبي الذي تحدث لكريم عن أن المحكمة أنشئت «لأفريقيا وبلطجية مثل بوتين» فقط!
يفسّر التحقيق، أخيرا، كيف كان اختراق إسرائيل لاتصالات بن سودة بفريقها الفلسطيني وبمنظمات حقوقية فلسطينية، مثل «الحق» وعدد آخر من المؤسسات، هو السبب في بدء تلقي تلك المنظمات تهديدات إسرائيلية ثم فتح تحقيقات بحقها وصولا إلى تصنيفها «منظمات إرهابية» وملاحقتها، رغم أن المخابرات الأمريكية نفسها، والدول الأوروبية، فندت تلك الاتهامات.
تجمّدت، حسب التحقيق، حرب الإرهاب الإسرائيلية على «الجنائية الدولية» وعلى بن سودة شخصيا بعد إعلانها وقف التحقيق الأولي وعن وجود أدلة عن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل، ولكن ذلك لم يمنع إسرائيل من ممارسة أشكال الإبادة والتطهير العرقي وقطع المياه ومنع الغذاء والمساعدات، وإعلان ذلك في تصريحات صريحة للمسؤولين الإسرائيليين حول غزة مثل «نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك» وأمنياتهم بالإبادة الشاملة للفلسطينيين بالنووي، والتغني بالحصار والتجويع (وهو ما جاراه عديد من القادة الغربيين!) ويبدو أن ذلك انفجر أخيرا في وجوههم، سواء عبر عمل خان على إصدار مذكرات الاتهام بحق نتنياهو ووزير دفاعه، أو بقرارات «العدل الدولية» أو بالاتساع الهائل لموجة إدانة إسرائيل في مجتمعات الأرض، وبين شعوب العالم قاطبة.
وسوم: العدد 1081