«الجنائية الدولية» ومقارنة «حماس» بإسرائيل

هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول غربية، إضافة إلى إسرائيل طبعا، سعي كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لإصدار مذكرات اتهام لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بالتزامن مع سعي مشابه لاتهام قادة في حركة «حماس».

تكررت في هجمات إسرائيل وأمريكا والدول الغربية فكرة «عدم المقارنة بين حماس وإسرائيل» في تجاهل للسبب الرئيسي الذي تأسست المحكمة الجنائية الدولية، عام 2002، لأدائه وهو «محاكمة المتهمين بأخطر الجرائم، وضمان توصل الضحايا إلى العدالة، وإجراء محاكمات عادلة، واستكمال عمل المحاكم الوطنية».

قام نتنياهو، وهو المتهم الرئيسي عمليا، باستخدام الوسيلة الغوغائية نفسها في إنكار مسؤوليته معلنا رفضه «باشمئزاز المقارنة بين إسرائيل الديمقراطية ومرتكبي الجرائم الجماعية في حماس» وهو قول يفضحه، ويفضح مكرريه.

يقول منطق نتنياهو، وحلفائه، إنه إذا كان لديك «نظام ديمقراطي» فلا يجب أن يحاسبك العالم إذا استهدفت جماعة بشرية طُرد أغلب سكانها من أرضهم في فلسطين، وأن تحاصرها في بقعة جغرافية ضيقة، ثم تسلّط على أهاليها آلة القتل التي لا يعرف أحد متى ستتوقف، لتقتل قرابة 36 ألفا منهم، بينهم أكثر من 15 ألف طفل، وتصيب أكثر من 80 ألفا، وتمنع عنهم الطعام وتدمر مشافيهم وبناهم التحتية وتدفعهم للنزوح من مكان إلى مكان وتطارد حتى المؤسسات والمنظمات الدولية التي تحاول مساعدتهم.

في ردّه أمس الأحد، على هذه التصريحات، وضع كريم خان إصبعه على هذا الموضوع قائلا: «هل الدول القوية صادقة في قولها إن هناك هيئة قانونية، أو إن هذا النظام القائم على القواعد، هو عبارة عن هراء وأداة لـ«الناتو» ونحن في عالم ما بعد الحقبة الاستعمارية، من دون أي نيّات بتطبيق القانون بشكل متساو؟».

واضح أن قرار وضع أسماء قادة من «حماس» بالإضافة إلى اسمي نتنياهو وغالانت، كان نوعا من التحسّب من قبل خان لردود فعل «الدول القوية» (كما وصفها) وأن المحامي البريطاني الأصل قد تحسّب مجددا، في تصريحاته أمس، عبر تأكيد إنه لا يقول «إن إسرائيل بديمقراطيتها ومحكمتها العليا شبيهة بـ»حماس» بالتأكيد لا» ليوازن الأمر من جديد بالقول إن «لا أحد يملك رخصة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية».

قد يفيد، ما دام ميزان المقارنات قد نُصب، أن نستعيد النقاش المتلفز بين الأكاديمي والمفكر الأمريكي (اليهودي) نورمان فنكلشتاين، وآلان ديرشوفيتز، المحامي (اليهودي) المدافع عن إسرائيل (والذي اشتهر أيضا بعلاقته بالملياردير الأمريكي جيفري ايبستين الشهير بفضيحة الاعتداء على عدد كبير من الفتيات القصّر).

قال فنكلشتاين في المقابلة: «إذا أقفلت على مليونين من البشر، في معسكر اعتقال، لمدة 20 عاما، وكان نصفهم من الأطفال الذين ولدوا فيه، فلا تنصدم مما حدث في 7 أكتوبر» مضيفا: «قضيت 20 عاما في دراسة ما جرى لأهل غزة، وأنا أكثر حزما مما مضى، في عدم إدانة هؤلاء، حتى يتم الاعتراف بالحجم الهائل للقسوة والاستنزاف الهائل الذي لا يوصف بحقهم».

من النافل القول إن قرار «الجنائية الدولية» في ظل الجبروت الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وغربيا، هو قرار جريء ويضيف الكثير في مجال النضال الطويل لإحقاق العدالة للفلسطينيين، ولكن القول واجب أيضا إن المقارنة بين هجوم لحركة تمثّل جزءا من المنظومة العسكرية ـ السياسية ـ الاجتماعية للفلسطينيين، لا يمكن اقتطاعه من سياق الاحتلال الإسرائيلي، والقمع المتراكم على مدى أجيال، وهو أمر، يبدو أن العالم يفضل ألا يراه، وأن كريم خان، لا يستطيع احتسابه في قراراته.

وسوم: العدد 1081