هكذا أصبح الشعب الإسرائيلي أكثر نازية من ألمانيا

 إسرائيل هُزمت وتُهزم وسترفرف الهزيمة إلى جانب الشمعدان والعلم أبداً، لا لأنها لم تفكك حماس مع دخولنا الشهر التاسع لهذه الحرب الملعونة، بل لأن زعماء وقادة وجنود إسرائيل قتلوا وأصابوا عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين وزرعوا الدمار غير المسبوق في قطاع غزة، ولأن سلاح الجو ألقى بشكل متعمد قنابل على بيوت مليئة بالأطفال والنساء والشيوخ. ولأن إسرائيل تؤمن بأنه لا طريقة أخرى، ولأن عائلات كاملة أبيدت.

 دولة اليهود هزمت لأن سياسييها وموظفيها يقومون بتجويع وتعطيش 2.3 مليون شخص، ولأن الأمراض الجلدية والالتهابات المعدية في الأمعاء انتشرت في القطاع. الديمقراطية الوحيدة في الغابة هزمت؛ لأن جيشها عاد وطرد، وبعد ذلك يجمع مئات آلاف الفلسطينيين في منطقة آخذة في الضيق، وأطلقوا عليها منطقة إنسانية آمنة، وعندها يقصفهم، ولأن آلاف المعوقين والأطفال الذين ليس لهم مرافقون بالغون، باتوا محشورين ويعانون بصورة مضاعفة في هذه المنطقة الإنسانية المقصوفة.

 لأن أكوام القمامة آخذة في التراكم، والطريقة الوحيدة للتخلص منها هي إحراقها بطريقة غير صحيحة والتسبب بالتسمم، ولأن مياه المجاري تتدفق في الشوارع وأسراب الذباب تحجب الرؤية، ولأنه مع انتهاء الحرب سيعود الناس إلى الأنقاض المملوءة ببقايا الذخيرة التي لم تنفجر، ولأن الأرض ستبقى ملوثة بمواد سامة خطيرة. ولأن آلافا، إذا لم يكن أكثر، سيصابون بأمراض مزمنة تؤدي إلى الشلل والوفاة بسبب نفس الملوثات والسموم، ولأن كثيراً من الطواقم الطبية الشجاعة والمخلصة في القطاع من أطباء وممرضين وسيارات إسعاف وطواقم طبية، وحتى من يؤيدون حماس ومن يحصلون على الرواتب، قتلوا في عمليات القصف. ولأن الأطفال والطلاب سيفقدون سنوات دراسية ثمينة، ولأن الكتب والأرشيفات العامة والشخصية احترقت، ولأن كتابات يد لقصص وأبحاث فقدت ولوحات أصلية لفناني غزة دفنت وأتلفت، ولأننا لا نعرف ما الذي ستحدثه الأضرار النفسية لهؤلاء الملايين.

 الهزيمة الأبدية هي في الواقع الحقيقة التي أوقعتها الدولة التي تعتبر نفسها وريثة ضحايا إبادة الشعب التي أوقعتها ألمانيا النازية وتسببت بجهنم هذه لتسعة أشهر وما زال الحبل على الجرار. الفشل البنيوي ليس من مجرد حقيقة أن هذا التعريف ألصق باسم إسرائيل في دعوى قدمتها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية، بل الفشل يكمن في تصميم غالبية المواطنين في إسرائيل على عدم سماع جرس التحذير الموجود في هذه الدعوى. فقد استمروا في تأييد الحرب حتى بعد تقديم الدعوى في نهاية كانون الأول، وهكذا سمحوا للتحذير بالتحول إلى رؤية ما سيحدث والتشكيك في أن يمحى بأدلة وشهادات متراكمة أخرى.

 السقوط ليس لعالمية إسرائيل التي أوجدتها كتائب من رجال القانون الذين وجدوا التوازن في كل قنبلة تقتل الأطفال. هم الذين يقدمون الدرع الواقي للقادة، في الواقع الشعار المتكرر “إسرائيل تحترم القانون الدولي وتحرص على عدم المس بالمدنيين”، كلما صدر أمر بطرد السكان وتجميعهم في منطقة صغيرة. قوافل النازحين سيراً على الأقدام أو على عربات أو شاحنات، تتفجر من كثرة ركابها وبسبب الفرشات وكراسي العجلات التي يجلس عليها كبار السن والمعوقين، هي شهادة الرسوب لجهاز التعليم وكليات الحقوق والتاريخ في إسرائيل. الهزيمة هي للغة العبرية: الطرد هو “إخلاء”. الاقتحام العسكري القاتل هو “عملية”. قصف أحياء كاملة وتسوية بالأرض هي “عمل جيد لجنودنا”.

 الوحدة الإسرائيلية هي سبب آخر ودليل على الهزيمة، هي أيضاً صفتها المميزة: غالبية الجمهور اليهودي – الإسرائيلي، بما في ذلك معارضو معسكر نتنياهو، كانت أسيرة لسحر الحرب الشاملة كرد على المذبحة في 7 تشرين الأول. دون تعلم الدروس من الحروب السابقة بشكل عام، وضد الفلسطينيين بشكل خاص. نعم. مذابح حماس فظيعة، ومعاناة المخطوفين وعائلاتهم تفوق الكلمات. نعم، تحويل القطاع إلى مخزن كبير للسلاح والذخيرة الجاهزة للتشغيل، مع محاكاة ونسخ النموذج الإسرائيلي أمور تثير الغضب، ولكن معظم الجمهور اليهودي سمح لغريزة الثأر. عدم الرغبة في الاستماع لتجنب الأخطاء هو في جينات الهزيمة. قادتنا الذين يعرفون كل شيء لم يستمعوا للمراقبات، لكنهم بالأساس لم يستمعوا للفلسطينيين خلال عشرات السنين، الذين حذروا من تعذر استمرارية هذا الوضع. تم دفن بذور الهزيمة أيضاً في مجرد إنكار المتظاهرين ضد الانقلاب النظامي للحقيقة الرئيسية التي تقول بأنه لا احتمالية لقيام دولة ديمقراطية بدون إنهاء الاحتلال، وأن من قاموا بالانقلاب هم الذين يطمحون إلى “هزيمة الفلسطينيين”. بعون الله. الفشل كتب حينئذ، في الأيام الأولى حيث إن كل من تجرأ على المطالبة بالانتباه لهذه العلاقة وصف بأنه خائن أو مؤيد لحماس. الخونة يخرجون الوطنيين الحقيقيين، لكن الهزيمة هزيمتنا جميعاً.

وسوم: العدد 1082