العدو الصهيوني والخسارة المكعبة

كناطح الصخرة، ولا ينطح الصخرة إلا التيس ومن هو من فصيلته، وما يزال نتنياهو وشركاؤه في المنطقة وحول العالم يحاولون...

الانتصار الفلسطيني على تيوس بني صهيون تحقق منذ الأسبوع الأول من شهر تشرين أول، 2023، غداة تفجر بركان الطوفان..ومن يومها كان بإمكان، العقلاء لو كانوا..، أن يمتصوا الصدمة، وأن يقروا بالهزيمة ، وأن يتجهوا إلى لملمة الجرح، وأن يعيدوا التفكير فيما آل إليه أمرهم من جديد...

ولكن الغرور والتبجح والعناد، وفقدان الإحساس الإنساني بكارثية الحرب على الصديق قبل العدو، كل أولئك جعل من أصحاب القرار في الطرف الصهيوني يتخبطون كما الغريق في المستنقعات الموحلة، بطينها العفن اللزج وبلولبيتها المتسفلة,,,

كان يمكن للقادة الصهاينة، أن يتلقوا اللكمة الأولى كما يتلقاها أي ملاكم محترف، يسبقه خصمه، إلى لكمة موجعة، يمتص الصدمة، يستعيد وعيه، ثم يستعيد قواه، ثم يعيد التفسير في أمره من جديد، وبروية وهدوء وبعد نظر، واستشراف للمستقبل، واستحضار لحقيقة عقلية إنسانية تاريخية تقول لكل من حاول غزو بلاد الناس: "لا تصدق ما لا يكون أن يكون" و "أن الخروج من المعارك بأقل الخسائر هو ربح"

كان يمكن للصدمة التي دوشت قادة بني صهيون أن تمر كما العيار الذي مرّ بجانب أذن ترمب، فأدماها ولكنه لم يمنع ترامب أن يخرج من تحت الأجساد التي تكدست فوقه لحمايته رافعا أصبعيه...

كان يمكن لقادة الكيان، أن يمرروا الضربة الأولى على الطريقة نفسها,,,

ولكنهم على طريقة من ينطح الصخرة أبوا...

كانوا سيبلعون أو يبتلعون بصعوبة أكبر، اللكمة الأولى، التي تعرضت لها جبهة "شمشون" ولكن شمشون على ما يبدو، ما يزال محتفظا بتصميمه على هدم كل شيء.

من خسارة تكتيكية محدودة على مستوى محلي، كان بإمكان القادة الصهاينة أن يحتووها ويوظفوها على أكثر من وجه في بيئة إقليمية وعالمية قابلة- مع الأسف- أبى الحران الصهيوني إلا أن يذهب في أمر الخسارة والهزيمة بعيدا...

من حلبة الملاكمة المحلية المحدودة أبى الصهيوني إلا أن يذهب بالمعركة لتكون عالمية تحت سمع العالم وبصره.. كان الصهيوني معولا على حالة تاريخية منذ الحرب العالمية الثانية، تجعله شاهد الملك المصدق في كل ما يدعي.. ولكنه فوجئ والحق يقال، إن دعاواه وادعاءاته قد وضعت في كثير من دول العالم على المحك، فانكشفت وانفضح، وسقطت تراكمية الأكاذيب أو الأساطير.. فعلى المستوى السياسي لا يريد قادة العدو أن يعيدوا حساب خسائرهم في مواقف الدول والحكومات حتى تلك التي كانت من المؤسسة أو الداعمة لأرخبيل أساطيرهم أو أكاذيبهم...

ثم على المستوى الثالث في أحرف مكعب الهزيمة الصهيونية المتمادية والمسبطرة والذاهبة في لولبيتها سفلا، كان هذا الانكشاف المخيف على المستوى الإنساني، لدى سواد عام من شعوب الأرض، حيث اكتشفت ليلى ذات الرداء الأحمر، أن هذا الكيان المسربل بثوب الجدة الوقور هو الذئب بعينه...

هزيمة ميدانية واقعية عملية في أول حرب تفرض على هذه العصابات، أو تضطر هذه العصابات أن تخوضها على مدى الأشهر التسعة حتى الآن، وهم قد تعودوا على حرب الأيام التسعة، أو على حد قول موشي دايان، يوما الحرب قبل الظهر، ولبعد الظهر شأن آخر، كذا كان يتحدث عن حربه مع حافظ الأسد..

وهزيمة سياسية على مستوى دول العالم، والعلاقات الدولية، وانعكاس الصورة المصنعة ...ما يزال الثور الهائج لا يملك القدرة على التفكير في تداعياتها المستقبلية..

ثم هزيمة إنسانية على مستوى الضمير العالمي والإنساني، وحجم الصدمة التي تعرض لها ضمير البشر، وهو يعاين اقترافات ما كان يسوق له أنه الديمقراطية الوحيدة فيما يسمونه الشرق الأوسط...

إن الكيان الصهيوني الذي أعطي الحق ابتداء منذ تأسيسه تقريبا في صناعة قيادات أعدائه، قيادات من تمر، ليتدرب عليها كلما حلا له الأمر، يفاجأ اليوم أن هذه الشعوب الولادة قد أعدت له، وهو يعلم أن لديها المزيد...

الخسارة المكعبة للعدو الصهيوني، لن تنسينا ولا يمكن أن تنسينا الأثمان الغالية التي دفعناها وما زلنا ندفعها، من دماء أهلينا، وخوف أطفالنا وآلام أمهاتنا، ولكن متى كان ثمن النصر قريبا أو زهيدا...

كل ما قررته أعلاه عن الهزيمة المكعبة للصهيوني، وعن النصر الموهوم الذي يحلم قادة العدو أنهم يلعقون عسله يقال بحرفيته عن الانتصارات الموهومة للمستبدين الصغار..

بالمعايير عينها نعيد السؤال أي انتصار حققه بشار الأسد على الشعب السوري، بل أي هزيمة مسبعة الوجوه آب بها، وهو يطأطئ الرأس حتى لنتنياهو المهزوم...

في الأخبار بالأمس أن دورية صهيونية اقتحمت الحدود السورية، وتوغلت في العمق الوطني، واعتقلت مواطنا سوريا من داره...

وبغاة بشار الأسد ما زالوا ينشدون أناشيد النصر, ويقول عضو مجلس الشعب: إن حادثة اغتيال ترامب كانت لإشغال العالم عن أخبار انتخابات مجلسه العتيد...

من نتنياهو إلى بشار الأسد: أليس الصبح بقريب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1088