خطة بريطانية لمواجهة موت القط «لاري».. فماذا عن غزة؟
«قتل بعض الفئران، وخمسة رؤساء وزراء» هكذا تتحدث صحف بريطانية عن القط الشهير «لاري» الذي تعاقب عليه خمسة رؤساء للحكومة البريطانية، خلال إقامته في مقر رئيس الوزراء البريطاني في داونينغ ستريت في العاصمة لندن، ليدرك هذا القط البالغ من العمر 17 عاما ولاية سادسة، كانت من نصيب كير ستارمر، الذي فاز في الانتخابات الأخيرة.
نشرت صحيفة تايمز البريطانية عن قيام كبار مسؤولي مقر رئيس الوزراء بوضع خطة مستقبلية للتعامل مع موت القط لاري. ومن ضمن إجراءات الخطة إعداد بيان صحافي ومواد رسومية وصور للقط التقطت له سابقا، بغرض نشرها بعد إعلان وفاته. كما وضع المسؤولون خطة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نقل خبر الوفاة المنتظرة إلى متابعي القط.
وليس القط لاري هو الوحيد من جنسه، الذي حظي بهذه الرحمة البريطانية، فالقطط تعيش في مقرات حكام بريطانيا منذ القرن الخامس عشر، وأصبح لها وضع رسمي ورواتب سنوية محددة.
لا يخلو يوم يمر على سكان قطاع غزة من رائحة الموت والدمار، إذ غدت الحياة في غزة عبارة عن طوابير من البشر كلٌّ ينتظر دوره في استقبال الموت، هؤلاء أيضا مشمولون بخطط بريطانية لمواجهة الموت، الذي يحيق بهم من كل جانب، إنها خطط التواطؤ والإسهام الفعال مع الكيان الصهيوني في حصد الرقاب.
هذه الرحمة الانتقائية لبريطانيا ليست جديدة، وهذا التناقض القيمي ليس أول أمرها، فهي التي منحت وعد بلفور للصهاينة لإقامة دولتهم المزعومة على أرض فلسطين، في نفس الوقت الذي كانت جيوشها تجتاح جنوب فلسطين ومنها إلى القدس واحتلال سائر فلسطين، سلبت الأرض من أهلها وأهدتها لغير أهلها.
الغرب متمسك بسياسة الكيل بمكيالين إلى الدرجة التي أصبح معها التجهيز لموت القط لاري أهم من حياة أكثر من مليوني إنسان في غزة
عندما نقول إن بريطانيا شريك الكيان الصهيوني في الحرب على قطاع غزة، فهذا ليس اتهاما نلقيه جزافا، بل نقول من باب «وشهد شاهد من أهلها» إن هناك من البريطانيين من يتهم حكومة بلاده بذلك، منهم مسؤول في الخارجية البريطانية هو مارك سميث، الذي قدم استقالته اعتراضا على مبيعات الأسلحة البريطانية للكيان الإسرائيلي.
زارا سلطانة، عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال، اتهمت حكومتها بالتواطؤ مع الاحتلال، وكتبت على موقع إكس: «قتل أكثر من 40 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال في الهجوم الإسرائيلي الإبادي على غزة، أكثر من 90 ألف جريح وأكثر من 10 آلاف مدفونون تحت الأنقاض.. أدعو الحكومة البريطانية إلى إنهاء تواطؤها وتعليق جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل على الفور».
إضافة إلى منظمات وشخصيات بريطانية أخرى تطالب الحكومة البريطانية بوقف تسليم الكيان الإسرائيلي آلات الدمار، التي يبيد بها الشعب الفلسطيني في غزة.
مشاركة بريطانيا للكيان الإسرائيلي في الحرب على غزة لم تقتصر على بيع الأسلحة، إذ قدمت الدعم الاستخباراتي للجيش الإسرائيلي، فنفذت الطائرات البريطانية 50 طلعة استطلاعية فوق سماء غزة منذ بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي لتقديم معلومات استخباراتية إلى الجيش الإسرائيلي، وفقا لصحيفة «دكلاسيفايد يو كيه».
صحف أمريكية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال، نشرت أن فرقا لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية من أمريكا وبريطانيا، ظلت موجودة في إسرائيل طوال الحرب، وقدمت معلومات استخبارية عن الأسرى المحتجزين، قبل عملية إنقاذ أربعة من الأسرى في غزة.
وسائل الإعلام البريطانية مثلت أحد مظاهر التواطؤ البريطاني مع جيش الاحتلال في الحرب على غزة، عندما ضربت بالتزامها المهني والأخلاقي عرض الحائط، وراحت تتبنى الروايات الإسرائيلية، وتقوم بتغييب الروايات الفلسطينية، وتعمل على تسطيح الجرائم، التي تنفذ ضد سكان القطاع، وتعاملت وتتعامل مع السابع من أكتوبر بوصفه أداة تبريرية للعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
الباحث البريطاني فيصل حنيف، أشرف على إعداد تحليل بحثي صادر عن المركز البريطاني للرقابة على الإعلام، رصد فيه المخالفات المهنية الممنهجة في التغطية الإعلامية البريطانية للحرب على غزة، كاشفا عن أنماط من التحيز للرواية الإسرائيلية ترقى إلى حد التبني الأعمى، وهذه النتيجة التي وصل إليها جاءت بعد النظر في أكثر من 25 ألف مقال من 28 صحيفة وموقع إخباري في بريطانيا، وأكثر من 176 ألف مقطع مصور من 13 قناة تلفزيونية.
قبل اجتياح رفح، حذر بايدن من تعليق إمداد بلاده للكيان الإسرائيلي بالأسلحة حال الاجتياح، وبالطبع كان تحذيرا صوريا، وهو ما تأكد من خلال استمرار الدعم الأمريكي للكيان وإمداده بالسلاح، لكن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، كان أكثر وضوحا وصراحة، عندما استبعد أن تحذو بلاده حذو الولايات المتحدة في التحذير من تعليق الإمدادات، حال الاجتياح، معللا ذلك بصغر حجم الصادرات البريطانية مقارنة بصادرات الولايات المتحدة.
الدعم البريطاني للاحتلال في حربه على القطاع، يؤكد على حقيقة أن بريطانيا، التي زرعت الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، لم تزل قائمة على رعايته ورفده بمادة بقائه وتمدده، ما تغير فقط هو أن أمريكا تسلمت منها الراية، وأصبحت الممول والشريك والراعي الأول للكيان، لتأتي بريطانيا خلفها، نتيجة طبيعية لقفزة القوة التي قطعتها أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
هذا الدعم البريطاني للكيان في حربه على غزة، دليل آخر على الإفلاس الأخلاقي والقيمي للغرب، الذي يبتلع كل الشعارات، التي ترنم بها عن العدل والسلام وحقوق الإنسان ونبذ العنصرية، ويظهر أنه لم يزل متمسكا بسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، إلى الدرجة التي أصبح معها التجهيز لموت القط لاري أهم من حياة أكثر من مليوني إنسان في غزة، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 1092