آراء المربين المسلمين في العقاب والثواب !

قضايا تربوية : 

عالج المربون المسلمون موضوع العقاب ، وصدروا عن ذلك بدراسات هامة وابحاثا رائدة وأشهر هؤلاء القابسي وابن سينا والغزالي وابن خلدون وابن سحنون ! يقول القابسي : من حسن رعاية المعلم للأطفال أن يكون بهم رفيقا ! فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من ولي من أمتي شيئا فرق بهم فارفق به ) وقوله في حديث آخر ( إن الله يحب الرفق بالأمر كله وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) ويذهب ابن سينا إلى ضرورة البدء بتهذيب الطفل وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام ! قبل أن ترسخ فيه العادات المرذولة التي تصعب إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل !؟ أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب ، فينبغي مراعاة منتهى الحيطة والحذر ! فلا يؤخذ الولد أولا بالعنف !؟ وإنما بالتلطف ، ثم تمزج الرغبة بالرغبة ! وتارة يستخدم المعلم العبوس أو ما يستدعي التأنيب ، وتارة أخرى يكون المديح والتشجيع أجدى من التأنيب ، ولكن إذا أصبح من الضروري الالتجاء إلى الضرب فينبغي أن لا يتردد المربي بذلك على أن تكون الضربات الأولى موجعة حتى تحدث في نفس الطفل الأثر اللازم ، وتجعله ينظر إلى العقاب بعين الجد ولا يكون هذا إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل !ويميز الغزالي بين طرق تهذيب الأطفال تبعا لاختلاف أمزجتهم ! فهذا طفل يتميز بالحياء والحساسية ! فيستعان على تأديبه بحيائه ، وذاك أميل إلى الخلق الجميل والفعل المحمود فيلزم أن يكرم ويجازى عليه ويمدح بين الناس !

وقد تكلم ابن خلدون كلاما دقيقا في استعمال الشدة مع الطالب وقرر أنها مضرة به ؛ لأن إرهاق الجسد مضر بالمتعلم ، يذهب بنشاطه ويحمله على الكسل والكذب والتظاهر بغير ما في ضمير ه خوفا من العقاب وربما اعتاد هذا الموقف وألفه ؛ فتكسل نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الحميد ؛ لأنه تعود أن يكتسب الفضائل خوفا من العقوبة والشدة !؟ فإذا رفع عنه القهر يوما بعُد عن الفضيلة !؟ وربما سلك درب الرذيلة !

 وأما ابن سحنون فقد كان يلح بشدة على وجوب الابتعاد عن استعمال الضرب والشتم ، لما في ذلك من الفساد ! وفي هذا يقول لمؤدب ولده محمد حينما سلمه إياه يعلمه : ولا يؤدبه إلا بالمدح ولطف الكلام !وليس هو ممن يؤدب بالضرب والتعنيف ! 

وكما بحث المربون المسلمون موضوع العقاب تناولوا بالدراسة موضوع الثواب فنصحوا باستخدام صنوف التقدير مع الطفل لشحذ همته وتنشيط طاقته ! ومن ذلك المديح والتشجيع ومنحه المكافآت المالية ! فما يعطى للتلميذ نظير تفوقه في مسابقة يسمى (جائزة ) وما يعطى نظير تفوقه بلا مسابقة يسمى (مكافأة ) وقد انتشرت المكافآت المالية في المدارس وجعل القائمون على أمر التعليم لها حصيلة في أوقاتهم . وهذا يتفق مع الأسلوب القرآني في أن يسير الترغيب مع الترهيب جنبا إلى جنب لبلوغ الإنسان ما تصبو إليه التربية الإسلامية من السمو والكمال !

** المقالة مجتزأة من مقالة طويلة في مجلة منار الإسلام الإماراتية ١٩٧٨ ، بعنوان : المكتبات ونظام التعليم في الإسلام للأستاذ عدنان سعد الدين - رحمه الله -

وسوم: العدد 1093