خبراء أردنيون وعرب يبحثون أهم التحولات في العالم العربي خلال العشر سنوات المقبلة

بحث خبراء سياسيون وأكاديميون عرب يمثلون 9 دول عربية أهم وأخطر التحولات في العالم العربي خلال العشر سنوات القادمة، لا سيما بعد حرب الإبادة على غزة وتزايد تهديدات الأمن العربي من طرف إسرائيل واختراقات المنطقة، ودور النظام الدولي الجديد والنظام الإقليمي في رسم مستقبل العالم العربي، وأهم التحديات التي تواجه العالم العربي ومستقبل العمل العربي المشترك في جامعة الدول العربية والاتحاد المغاربي ومجلس التعاون الخليجي.

وأكد الخبراء في الندوة التي أقامها “مركز دراسات الشرق الأوسط” في العاصمة الأردنية عمان، تحت عنوان “اتجاهات التحولات في العالم العربي 2025-2035″، على ما تشكله معركة طوفان الأقصى من تحول في العالم العربي سيكون له ما بعده، وأهمية بحث الفرص والتحديات والمهددات والمخاطر، ومصادر التهديد، والديناميكيات والمحركات الممكنة والاستراتيجيات والسياسات اللازمة لاستثمار التحولات الإقليمية والدولية، والتحولات في داخل كل قطر عربي وفي الصراع العربي-الإسرائيلي، وذلك لصالح تحقيق تطلعات الأمة بمختلف جوانبها وأبعادها المحلية والعربية وعلى مستوى العالم مع نهاية العقد القادم في نهاية عام  2035.

رئيس “مركز دراسات الشرق الأوسط” جواد الحمد أشار خلال افتتاحه للندوة،إلى ما يمر بالعالم العربي من تحولات كبرى على صعيد كافة مكوناته من الحكومات والقوى السياسية والاجتماعية وبناه الداخلية بما في ذلك الحراك السياسي والانتخابات من جهة، والحروب الأهلية البينية وفي مواجهة المجموعات الإرهابية المصنوعة من جهة أخرى، وفي ظل انقسامات مجتمعية عمودية وأفقية في عدة دول عربية، إضافة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ولبنان التي كشفت عن عمق العجز والضعف وسوء التقدير لدى الكثير من النخب الحاكمة العربية في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية واستراتيجياته، وكذلك في قصور برنامج الدعم المفترض لصمود الشعب الفلسطيني المناضل ضد الاحتلال وفي ظل انقسام الحكومات العربية في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد الحمد أن عملية طوفان الأقصى منذ 7 أكتوبر 2023 فتحت الآفاق على تحولات مهمة فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا، نحو تحولات استراتيجية جوهرية في إعادة تركيب النظام الدولي، وفي إحداث ديناميكيات جديدة في العالم العربي وتشمل التحالفات الإقليمية والدولية بل والداخلية، والتحولات في مجالات الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، بل وإعادة التموضع النسبي للصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو مصدر الخطر الاستراتيجي على المصالح العليا للعرب قطريا وقوميا.

عملية طوفان الأقصى فتحت الآفاق على تحولات مهمة فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا

المفكر المصري فهمي هويدي أكد على ضرورة البدء من فهم الواقع العربي ورؤية جوانبه والتأسيس على ذلك لا سيما في ظل الأزمة الكبرى في العالم العربي، معتبراً أن عملية 7 أكتوبر أظهرت انكشاف للعالم بأسره العربي والغربي والأمريكي وبالأخص العالم العربي، وأظهر شباباً عربياً واعياً يمثلون الحاضر والمستقبل يمكن الرهان عليهم، مع ضرورة البحث في مستقبل العالم العربي في ظل ما يواجهه من حالة تشرذم وغيابه سياسياً والاختراق الإسرائيلي لمجتمعات عدد من الدول العربية في عدة مجالات بما في ذلك الجانب الثقافي.

في حين أكد نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور جواد العناني أن الحرب في غزة في أكتوبر كانت فحصا حامضيا لهذه الأمة، وضرورة البحث عن نقاط مضيئة عربياً سعياً لخلق تحول واضح مع ضرورة الاستثمار في العنصر الشبابي العربي، لافتاً إلى النقاشات الغربية التي كانت تتحدث عن تقسيم لعدة دول عربية، متسائلاً إن كان الواقع في العالم العربي سيبقى على حاله بعد حرب غزة.

كما أوضح العناني أن الحرب في غزة أظهرت وجود تفاوت وازدواجية في الألم العربي تفصل بين الشعوب والأنظمة الحاكمة، مشيراً إلى أنه ومنذ عام 1973 فإن الحروب في العالم العربي تقوم به منظمات وليس دول وباتت هذه الحروب تمتد لشهور طويلة، فيما بات العالم العربي يخضع لتأثير ثلاث دول غير عربية وهي إيران وتركيا والكيان الإسرائيلي فيما العالم العربي يعيش حالة شرذمة وانقسام.

ومن جانبه، تحدث أستاذ السياسة والعلاقات الدولية الدكتور يوسف الصوّاني، من ليبيا، حول التحولات المحتملة في المجالس الإقليمية العربية 2025-2035، معتبرا أن اتحاد المغرب العربي، الذي يضمّ كلاً من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، يمر بفترة حرجة من التحول التي تلقي ظلالا من الشك حول مستقبل بقائه كله.

اتحاد المغرب العربي يمر بفترة حرجة من التحول التي تلقي ظلالا من الشك حول مستقبل بقائه

وقدم الصوّاني في دراسته خلفية عن نشأة الاتحاد المغاربي والسياقات الخاصة بها والمؤثرة عليها، تبحث في العوامل التي ساهمت في ركود الاتحاد وتدرس آثارها على التكامل الإقليمي والعربي بوجه عام. وتسلّط الضوء على ما أدّت إليه تطورات وقضايا ومواقف معاصرة، مثل تطبيع المغرب علاقاتها مع إسرائيل ومفهوم الفوضى الخلاقة، من تفاقم تحديات اتحاد المغرب العربي.

وتناول الصوّاني في تحليله سيناريو الخطر، حيث هناك مغرب عربي كبير مجزّأ يمكن للقوى الكبرى استغلاله، مما قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار، والانهيار المحتمل للتعاون الإقليمي وبروز محاولات لإحلال بدائل عنه، وأفق ينذر باحتمالات الانزلاق في الصراع خاصة مع ما تشهده المنطقة من سباق تسلح بين القوتين المتنافستين في الاتحاد (المغرب والجزائر).

وتخلل الندوة،تقديم 15 ورقة بحثية، تناولت في ظلّ أجواء من النقاش البنّاء والتفكير المفتوح، بعد أن تداول الباحثون نظريات بناء المكانة والدور الدولي كإطار نظري، وفي ظل دراسة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري العربي والعلاقات العربية- العربية، وكذلك دراسة التحوّلات التي طرأت دولياً وإقليمياً وفي البيئة العربية، وبعد دراسة معمقة للفرص والتحديات التي تواجه العالم العربي، والإمكانات والقدرات التي يملكها، والخصوصية الحضارية العميقة للعالم العربي وارتباطها بالمشروع الحضاري العربي الإسلامي، كما قدمت في الندوة تصوّرات أولية للرؤية الحضارية الشاملة اللازمة لتعزيز مكانة ودور العالم العربي الدولي للفترة القادمة 2024- 2050.

واستناداً لهذه البحوث والمناقشات، توصلت الندوة إلى عدد من التوصيات أهمها: إبراز الحاجة الماسة لإحداث تحوّلات مهمة على المستويين القُطري والقومي العربي في البنى السياسية والاقتصادية لتحقيق القوة الجيوسياسية القادرة على دعم المكانة الدولية.

وأوصت الندوة بتفعيل العمل العربي المشترك، والتحوّل من الانكفاء على المصلحة القُطرية لكل دولة عربية نحو وضع المصالح القُطرية ضمن المصالح العربية المشتركة لاستيعاب الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والحضارية الإنسانية، مع ما يتطلبه ذلك من برامج وآليات تجسّد هذه الأفكار على أرض الواقع، ولتشكل هذه الحالة قوة لكل دولة كما هي لمجموع الدول العربية.

كما أوصى المشاركون بتبني رؤية عربية جديدة ومتطورة في التعامل مع هذه التحوّلات الإقليمية والدولية الجارية بعمق واستثمار، بالإضافة إلى بلورة رؤية نهضوية عربية إنسانية حضارية تتواصل مع دول وشعوب الإقليم لما هو مشترك وإنساني، مع احترام الخصوصيات والسيادة وعدم التدخّل والمساواة في الحقوق وحق تقرير المصير، والتعامل مع كل من تركيا وإيران كحليفين رئيسيين في بناء نظام أمن إقليمي مشترك خاصة وأنهما شركاء مع العرب في منظومة التعاون الإسلامي، وبما ينهي تدخلات الدولتين في العالم العربي، ويحولهما إلى مصدر قوة بدلاً من الاستنزاف الجاري اليوم معهما، وتوفير الجهود لصالح التنمية والأمن المشترك.

وإضافة إلى ذلك، إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب باعتبارها عنصر الإجماع بين الشعوب والأنظمة الرسمية، وأن إسرائيل تُعتبر مصدر التهديد الرئيسي لأمن واستقرار المنطقة، وما يتطلبه ذلك من تعديلات تشريعية وقانونية وسياسية وعسكرية، خصوصاً بعد معركة “طوفان الأقصى”، بوصفها رافعة وديناميكية لاستراتيجية ناجحة نحو مكانة ودور دولي.

إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب باعتبارها عنصر الإجماع بين الشعوب والأنظمة

وأوصى المشاركون بالبناء على نتائج معركة “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي، واتخاذ استراتيجية جديدة لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة على أرضه، وتحقيق عودة اللاجئين وممارسة حقه بتقرير المصير.

بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للسياسة العربية الفاعلة تجاه القارة الأفريقية عبر الدول العربية والإسلامية الأفريقية، وبناء شراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية وأمنية تخدم المصالح العليا للعالم العربي، ومواجهة التغلغل الإسرائيلي والصهيوني المعادي للعرب في أفريقيا، وتعزيز الروابط معها على أساس المصالح المشتركة والرؤية الحضارية العربية الشاملة.

وأكد المشاركون أن لدى العالم العربي الإمكانيات والقدرات الاستراتيجية التي تؤهله لمكانة ودور دولي فاعلَيْن، وأوصوا باستجماع القدرات والإمكانات التي تملكها الأمة العربية، وذلك في إطار الخصوصية الحضارية للعالم العربي، والدائرة الحضارية الإسلامية، والتي باستجماعهما يمكن التأسيس لنهضة عربية شاملة وقادرة على استعادة المكانة والدور الدوليين.

كما أكدوا على بلورة رؤية واضحة تعطي للفعل الحضاري سياقات منهجية، وبمأسسة مفهوم الأمن القومي العربي عبر تفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراعات البينية العربية، ودعم بناء مشروع نهضوي عربي موحد.

وأوصى المشاركون بالاستفادة من مخرجات هذه الندوة لصياغة رؤية حضارية شاملة عالمية لتحقيق المكانة والدور الدولي خلال الفترة 2024-2050، وتراعي احترام الخصوصيات الثقافية للآخر، وأن تتشكل فرق العمل والندوات لمناقشة مسوّدة الرؤية الأولية التي توصلت إليها هذه الندوة، والتي سيتم بلورتها ونشرها خلال الشهرين القادمين.

وسوم: العدد 1096