التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/5 + 6 + 7

الإسكندرية في كتب الرحلات والجغرافية

كتاب الإشارات للهروي

قال الهروي" قيل: إنها كانت في المدينة، وإن المدينة كانت سبع محجات فأكلها البحر، ولم يبق منها غير محجة واحدة، وكانت من موضع يعرف بأبي صير إلى أبى قير، ويقال: إن قبر الإسكندر بالمنارة مع أرسطاطليس، والله أعلم بذلك. يقول مؤلف هذا الكتاب على بن أبى بكر الهروي: إنما ذكروا منارة الإسكندرية من العجائب لما كان بها المرآة التي ذكروا أن المراكب إذا أقلعت من مسيرة أيام تظهر صورها فيها فيستعدوا للقائها، وقيل: إنها كانت تحرق المراكب، وهذا يمكن عمله، فإن المرآة إذا سامت شعاع الشمس أحرقت لا سيما ويعضدها البحر، فإن شعاع الشمس من صقال المرآة وضوء الماء ولمعانه تحرق ولا شك فيه، قيل: كانت المرآة ستين ذراعا وطول المنارة ثلاثمائة ذراع، والله أعلم. وإنما المنارة اليوم ليست من العجائب إنما هي على هيئة مثال برج على ساحل البحر على هيئة المرقب، بل المنائر العجيبة بمدينة القسطنطينية، منها منارة موثوقة بالرصاص والحديد في الضرم، وهو الميدان، إذا هبت الرياح تميلها شرقا وغربا وقبلة وشمالا من أصل كرسيّها، ويدخل الناس الخزف والجوز تحتها فتطحنه ومنارة أيضا في هذا الموضع من النحاس قد قلبت قطعة واحدة إلا أنها لا يدخل إليها. ومنارة قريبة من البيمارستان قد ألبست النحاس جميعها، وعليها قبر قسطنطين، وعلى قبره صورة فرس من النحاس وعلى الفرس صورته، وهو راكب على الفرس وقوائم الفرس محكمة بالرصاص على الصخر ما عدا يده اليمنى فإنها سائبة فى الهواء كأنه سائر، وقسطنطين على ظهره ويده اليمنى مرتفعة في الجو، وقد فتح كفه وهو يشير نحو بلاد الإسلام، ويده اليسرى فيها كرة، وهذه المنارة تبين عن مسيرة بعض يوم للراكب فى البحر، وقد اختلفت أقاويل الناس فيها فمنهم من يقول: في يده طلسم يمنع العدو أن يقصد البلد» ومنهم من يقول: «بل على الكرة مكتوب: ملكت الدنيا حتى بقيت في يدى مثل هذه الكرة وخرجت منها هكذا لا أملك شيئا منارة في سوق استبرين من الرخام الأبيض ومن أرضها إلى رأسها صور منبتة نابتة من جسمها أعجب صنعة تكون، ودربزينها من النحاس قطعة واحدة، وبها طلسم إذا طلع الإنسان عليها يقع نظره على المدينة بأسرها. بالإسكندرية في المحجة موضع يقال له: القمرة، به عامود عليه صورة طير يدور مع الشمس، وبها عامود السواري مصقول صقال الفصوص والعمد حوله، ويقال: هذا هو الرواق الذي بنته اليونان، ولهذا يقال في كتبهم: " قال أصحاب الرواق: وهذا العامود ذرعته وقد شذ عنى الآن بل أظنه ستين ذراعا، والله أعلم، وأظن دائرة ثلاثين ذراعا، وتحته قاعدة مربعة من الحجر المانع قطعة واحدة، وبها الباب الأخضر يزار، وبها مسجد التوبة والرحمة والرباط بها عظيم، وبها دار الإسكندر، وبظاهرها كنيسة أسفل الأرض عمارة عجيبة، ومسجد النحات، عنده شهداء لا تعرف أسماؤهم، وبجلبانتها من الأولياء والصالحين خلق كثير، وبها السمك الرعاد، من أمسكه ترعد يده إلى أن يلقيه منها". (الإشارات للهروي/45).

رحلة بنيامين التطيلي

قال: إسكندرية هي (نو أمون) أو (أمون نو) الواردة في التوراة. شيّدها الإسكندر المقدوني وجعلها من أجمل المدن وأمنعها فأطلق عليها اسمه. وبظاهر المدينة مدرسة أرسطو أستاذ الإسكندر. كانت مؤلفة من عشرين قسما يقصدها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم لدرس فلسفة أرسطو. وبناؤها واسع جميل، معقود على أساطين من رخام. ومدينة إسكندرية مشيدة على طيقان معقودة، تحتها الكهوف والمغاور. وشوارعها مستقيمة لا يحد البصر آخرها لطولها. فالشارع الممتد من رشيد إلى باب البحر ينوف على الميل طولا. وفي مرساها رصيف يمتد في البحر إلى مسافة ميل أيضا. وفي إسكندرية برج مرتفع يدعى (المنارة)، ويسميه العرب منار الإسكندرية وقديما كان في أعلى البرج مرايا من زجاج، تراقب بوساطتها مراكب القرصان القادمة من أنحاء الروم وبلاد المغرب، من مسافة خمسين ميلا عن الشاطئ، فتتخذ الأهبة لمنازلتها. وبظاهر المدينة، على شاطئ البحر، يشاهد عمود كبير من رخام. عليه صور الطير والحيوان وكتابات ورموز قديمة، ليس بميسور أحد اكتناه طلاسمها، ويقال: إنها قبر ملك عاش قبل الطوفان، يبلغ طوله خمسة عشر شبرا بالطول وستة أشبار بالعرض". (رحلة بنيامين/358).

المسالك والممالك للبكري

قال البكري" إنّ الإسكندر لمّا استقام ملكه في بلاده سار يختار أرضا صحيحة الهواء والتربة والماء، فأتى موضع الإسكندرية فأصاب أثر وعمد رخام منها عمود عظيم مكتوب عليه بالقلم المسند- وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد- أنا شدّاد بن عاد شددت بساعدي الواد وقطعت عظيم العماد من الجبال الأطواد وبنيت إرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد. وبنى سورها آزاجا وطبقات قد عمل لها مخاريق ومتنفّسات للضياء يسير فيه الفارس بفرسه وبيده رمح لا يضيق به حتّى يدور جميع تلك الآزاج. وكذلك أسواقها وشوارعها وسككها مقنطرة كلّها لا يصيب أهلها شيء من المطر. وكانت الإسكندرية تضيء في الليل بغير مصباح لشدّة بياض الرخام، وربّما علّق فيها شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياض الرخام أبصار الناس. وقد كان لها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة ألوانها بينها خنادق بين كلّ خندق وسور فصيل. اما منارة الاسكندرية فأمّا المنارة فذهب كثير من الناس أنّ الإسكندر بناها على حسب ما ذكرنا في المدينة، ومنهم من رأى أنّ دلوكه الملكة بنتها، وقال بعضهم إنّ العاشر من فراعنة مصر بناها، وهذه المنارة من دخلها تلف فيها إلّا أن يكون عالما بها لكثرة بيوتها وحجراتها وطبقاتها، قال البكري في منارة الاسكندرية مسجد في هذا الوقت يرابط فيه المطوّعة. وكان حول المنارة مغاوص تستخرج منها أنواع جوهر يتّخذ منه فصوص الخواتم منها الاسباذ جشم والكركهن والباقلمون، وهذا الباقلمون، حجر يتلوّن في المنظر ألوانا مختلفة كتلّون ريش الطاووس الهندية، فإنّها تتلوّن ألوانا لا تحصى ولا تشبه بلون من الألوان لما يترادف من تموّج الألوان في ريشها". (المسالك والممالك للبكري2/634). وتحدث عن القصر الأعظم بالإسكندرية اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بإزاء باب المدينة، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على النصف من ذلك أو نحوه، ولم يبق منه إلّا سواريه، فإنّها قائمة لم يسقط منها شيء، وعدد أساطين القصر أزيد من مائة أسطوانة غلظ كلّ أسطوانة نحو عشرة أشبار. بمدينة الإسكندرية كان الهيكل الأعظم الّذي اجتمع فيه ثلاثمائة أسقف وثمانية عشر أسقفا فأسّسوا القول بالتثليث وكفّروا من خالفهم، وذلك في زمن قيصر يولس. رأيت بالإسكندرية عند قصّاب ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. كان بالإسكندرية دار ملعب قد بنيت بضرب من الحكمة لا يرى أحد فيها شيئا دون صاحبه ووجه كلّ فيها تلقاء وجه صاحبه، إن عمل أحد منهم شيئا أو تكلّم أو نفث ونظر إليه جميعهم سماعا ونظرا متساويا قريبهم وبعيدهم. وكانوا يترامون فيها بالكرة، فإذا وقعت في كمّ أحد منهم فلا بدّ له من ولاية مصر". (المسالك والممالك للبكري2/641). وكان على الإسكندرية سور لا يعدل به في الحصانة والإتقان والمنع. فنذر عمرو لئن أظهره الله عليهم ليهدمنَّ سورها حتّى تكون مثل بيت الزانية يؤتى من كلّ مكان". (المسالك والممالك للبكري2/644).

د. الاستبصار في عجائب الأمصار للمراكشي

ذكر المراكشي" يقال إن أسقفا كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن، لما بلغه قدوم عمرو مع المسلمين إلى بلاد مصر كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو والطاعة له؛ فأطاعه كثير من القبط فاستعان بهم على من سواهم". (الاستبصار/79). وقال" كان أصل بنائها أن الإسكندر استقام له ملكه في بلاده، وكانت بلاده رومة وما إلى ذلك من بلاد الروم، وكان فيما يقال روميا، فيقال إنه خرج يختار أرضا صحيحة الهواء والتربة والماء يبنى بها مدينة يسكنها، فأتى موضع الإسكندرية فأصاب به أثر بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم مكتوب عليه بالقلم المسند، وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، سددت بساعدي الوادي وقطعت عظيم العماد من شوامخ الجبال والأوطاد، وبنيت إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد". (الاستبصار/92). ويضيف" اتخذ الإسكندر الطلسمات مصورة على أعمدة رخام على هيئة شجرة السرو، طول العمود منها 80 ذراعا، وهى باقية إلى هذه الغاية. يقال إنها على أعمدة نحاس قد خرقت الأرض فصورت، فيها أشكال وصور تمنع وتدفع. وبنى المنار على طرف اللسان الداخل في البحر من البر، وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل طوله في الهواء ألف ذراع، وجعل في أعلاه المرآة. وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم، فإن قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس شعاعها على تلك المراكب فأحرقتها.وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة تمنع وتدفع ولها خواص، فمنها تمثال قد أشار بسبابة يده اليمنى نحو الشمس حيث كانت من مشرق أو مغرب أو أفق فيدور معها، وتمثال يشير بيده نحو العدو إذا كان منه على مقدار ليلة، فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر يسمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين أو ثلاثة". (الاستبصار/94). وتحدث" القصر الأعظم الذي كان بالإسكندرية، لم يكن له على معمور الأرض نظير، هو اليوم خراب. ونحو الشمال منه أسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها 36 شبرا وهى من العلو بحيث لا يدرك أعلاها قاذف بحجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أن بناء كان عليها، وتحتها قاعدة من حجر أحمر مربع الشكل محكم عرض كل ضلع من أضلاعه 20 شبرا في ارتفاع 8 أشبار. والأسطوانة منزلة فى عامود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدت الرياح رأيتها تتحرك وربما جعلت تحتها الحجارة فتطحنها لشدة حركتها. وهذه الأسطوانة من إحدى أعاجيب الدنيا، ويقال إن الجن صنعتها لسليمان بن داود عم". (الاستبصار/99). ويضيف" كان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم، فكان كل جالس فيها إنما جلسوه تلقاء وجه صاحبه ولا يخفى على أحد منهم شيء من حال غيره، يتساوى قريبهم وبعيدهم في ذلك. وكان لهم يوم مهرجان يجتمعون فيه في هذا الملعب، ويحضره رؤساؤهم وأبناء ملوكهم وعامتهم، ويلعب فيه الصبيان والفتيان بالصوالج وبينهم كرة. فإن دخلت تلك الكرة كم رجل ممن حضر في ذلك اليوم فلابد له من ولاية مصر؛ كان هذا عيدهم معروف لا ينكره أحد". (الاستبصار/100).

كتاب السفرنامة لناصر خسرو

قال ناصر خسرو" تَقَع الْإسْكَنْدَريَّة على شاطئ بَحر الرّوم وشاطئ النّيل وتصدر مِنْهُمَا بالسفن فَاكِهَة كَثِيرَة لمصر وَفِي الْإسْكَنْدَريَّة مَنَارَة رَأَيْتهَا قَائِمَة وَأَنا هُنَاكَ وَقد كَانَ فَوْقهَا حراقة مرْآة محرقة فَكلما جَاءَت سفينة رُومِية من الْقُسْطَنْطِينِيَّة أصابتها نَار من هَذِه الحراقة فأحرقتها وَقد بذل الرّوم كثيرا من الْجد والجهد وَالْحِيلَة فبعثوا شخصا فَكسر الْمرْآة وَفِي عهد الْحَاكِم". (السفرنامة/84).

فضائل مصر المحروسة. ابو عمر بن يعقوب الكندي المصري

قال ابو عمر الكندي المصري عن عجائب مصر" من عجائب مصر" بها من الأبنية وآثار الحكمة: البرابي والهرمان، وليس على وجه الأرض بناء باليد حجراً فوق حجر أطول منهم. وبها منارة الإسكندرية، وبها عمود عين شمس". (فضائل مصر المحروسة/11). ونقل عن عبد الله بن عمرو" من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها". (المصدر السابق/9). ونقل عن ابي عمر الكندي المصري" ذكر أهل العلم والمعرفة والرواية أنه دخل مصر في فتحها ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة رجل ونيف. وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. منهم الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعقبة بن عامر وأبو ذر ومحمية بن جزء ونبيه بن صؤاب، ورافع بن مالك، وربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وسعد بن أبي وقاص وعمرو ابن علقمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وخارجة بن حذافة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحمد بن مسلمة، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب وروفع بن ثابت، وهبيب بن مغفل، وكعب بن ضنة، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم". (المصدر السابق/5).

تاج المفرق في تحلية علماء المشرق. لخالد بن عيسى البلوي الملقب ابو البقاء

زار ابو البقاء معالم الإسكندرية والتقى بمعظم علمائها وناقشهم في الكتب، ولكن لم يأت أحد منهم على ذكر مكتبة الاسكندرية ولا ابو البقاء نفسه. مما قاله" ذكر من عبد الله بن عمرو ابن العاص أنه قال عجائب الدنيا أربعة مرآة منار الإسكندرية كان الناس يجلسون تحتها فيرون من القسنطينة وبينهما عرض البحر، وفرس من نحاس بأرض الأندلس باسط يديه مقابل بكفييه أي، ليس خلفي مسلك فلا مسلك فلا يطأ أحد تلك الأرض إلا ابتلعته النمل، ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الرحم هطل منها الماء فشرب الناس واستقوا وصبوا في الحياض فان انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء إلى آخر، وشجرة من نحاس بأرض رومة عليها زرزور من نحاس سودانية فإذا كان أوان الزيتون صفرت تلك السودانية من النحاس فيعصر أهل رومة ما يكفيهم من الزيت لأدمهم وسرجهم في كنائسهم إلى عام قابل، هذا الذي ذكره عبد الله بن عمرو بن العاص خبر مشهور موجود في كتب الحكماء، والمرآة التي كانت بمنار الإسكندرية صح خبرها بالتواتر خاصة، وإنما عمل الروم في إفسادها خوفا منها، ولهذه المدينة من المدارس والمساجد ما لا يستوفيه وصف ذكر الهروي في بعض تآلفيه أن مدينة الإسكندرية احتوت على أثني عشر ألف مسجد، وذكر أبو الربيع بن سالم الكلاعي في كتاب الاكتفاء له قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فتح الإسكندرية، أما بعد فأني فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف منية بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة حلة للملوك، وعن أبى قبيل، ان عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها أثنى عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر) انتهى)، إلى غير ذلك من المعاهد والمفاخر والمشاهد والمآثر، وفيها تربة بعض الأنبياء عليهم السلام، وتربة بعض التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، استوفيت زيارة جميعهم وتردد إلى مبارك بقعيهم". (تاج المفرق/24)

نزهة المشتاق للشريف الادريسي

ذكر الادريسي" أما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسوار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة الاتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنيانا ولا أوثق منها عقدا أحجارها من صميم الكدان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك التئامها والبحر يصدم أحجارها من الجهة الشمالية وبين هذه المنارة وبين المدينة ميل في البحر وفي البر ثلاثة أميال وارتفاع هذه المنارة ثلاثمائة ذراع بالرشاشي وهو ثلاثة أشبار وذلك أن طولها كله مائة قامة منها ست وتسعون قامة إلى القبة التي في أعلاها وطول القبة أربع قامات ومن الأرض إلى الحزام الأوسط سبعون قامة سواء ومن الحزام الأوسط إلى أعلاها ست وعشرون قامة يدخل الضوء عليها من خارج إلى داخل بحيث يبصر الصاعد فيها حيث يضع قدميه حين يصعد فيها وهذه المنارة من عجائب بنيان الدنيا علوا ووثاقة والمنفعة فيها أنها علم توقد النار بها في وسطها بالليل والنهار في أوقات سفر المراكب فيرى أهل المراكب تلك النار بالليل والنهار فيعملون عليها وترى من بعد مجرى لأنها تظهر بالليل كالنجم وبالنهار يرى منها دخان وذلك أن مدينة الإسكندرية في قعر الجون متصلة بها أوطئة وصحار متصلة لا جبل بها ولا علامة يستدل بها عليها ولولا تلك النار لضلت أكثر المراكب عن القصد إليها وهذه النار تسمى فانوسا ويقال إن الذي بنى هذه المنارة هو الذي بنى الأهرام التي في حد مدينة الفسطاط من غربي النيل ويقال أيضا إنها من بنيان الإسكندر عند بنيان الإسكندرية والله أعلم بصحيح ذلك وبالإسكندرية المسلتان وهما جران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبرا وعليها كتابات بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر وعليها مكتوب أنا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش ولا موت ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم ربا إلا يعمر فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه المسلات أيضا في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضا إن سليمان بن داود حجران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبرا وعليها كتابات بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر وعليها مكتوب أنا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش ولا موت ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم ربا إلا يعمر فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه المسلات أيضا في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضا إن سليمان بن داود بناه وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن وصفته أنه مجلس مربع الطول في كل رأس منه ست عشرة سارية وفي الجانبين المتطاولين منه سبع وستون سارية وفي الركن الشمالي منه اسطوانة عظيمة ورأسها عليها وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط تربيع وجوهها ثمانون شبرا في عرض كل وجه عشرون شبرا في ارتفاع ثمانين شبرا ودور محيط هذه السارية أربعون شبرا وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قيم والرأس منقوش مخرم بأحكم صنعة وأتقن وضع ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية ولا من أهل مصر ما المراد بوضعها مفردة في مكانها وهي الآن مائلة ميلا كثيرا لكنها ثابتة آمنة من السقوط والإسكندرية من عمالة مصر وقاعدة من قواعدها". (نزهة المشتاق /321). واضاف " ولأهل الإسكندرية في بحرهم سمكة مخططة لذيذة الطعم تسمى العروس إذا أكلت مشوية أو مطبوخة رأى آكلها في نومه كأنه يؤتى إن لم يتناول عليها شيئا من الشراب أو يكثر من أكل العسل". ( المصدر السابق1/344).

التهمة الكيدية

في حرق مكتبة الإسكندرية/6

الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري

قال الحميري" مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح، وذلك أن الإسكندر لما استقام له الملك في بلاده وهي رومة وما والاها من بلاد الروم وكان رومياً فيما يقال خرج يختار أرضاً صحيحة الهواء والتربة والماء ليبني فيها مدينة يسكنها فأتى موضع الإسكندرية فأصاب فيها أثر بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم عليه مكتوب بالقلم المسند وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، شددت بساعدي الواد..... الخ. بنى أسوارها من أنواع الرخام الأبيض والملون وكذلك جميع قصورها ودورها فكانت تضيء بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام وربما علق على أسوارها وقصورها شقق الحرير الأخضر لاختطاف بياضها أبصار الناس، وبنى الاسكندر عليها سبعة أسوار أمام كل سور خندق وسور فصيل، فيقال إنها كانت أعظم مدينة بنيت في معمور الأرض وأغربها بنياناً. وبنى المنار الذي ليس على قرار الأرض مثله على طرف اللسان الداخل في البحر من البر وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل طوله في الهواء ألف ذراع وجعل في أعلاه المرآة، وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط عجيبة غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم فإن قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس شعاعها على تلك المراكب فأحرقها وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة تمنع وتدفع ولها خواص، منها تمثال مشير بيده نحو العدو فإذا صار منه على مقدار ليلة فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر سمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين وثلاثة، وتمثال آخر كلما مضى من الليل أو من النهار ساعة سمع له صوت طرب بخلاف الصوت الذي كان منه قبل ذلك، فمن الناس من يرى أن هذه المنارة من بناء الإسكندر ومنهم من يرى أن دلوكه الملكة بنتها ومنهم من يرى أن جيرون الملك بناها، وقيل إن الذي بنى الأهرام بمصر بناها، كان حول المنار مغايص يستخرج منها أنواع الأحجار، يتخذ منها فصوص الخواتم، وكان حول المنارة من تلك الجواهر كثير، فيقال إن الإسكندر غرق ذلك حول المنار ليوجد هناك إذا طلب فيكون ذلك الموضع أبقى لها ويرى الناس على مر الدهر عظم ملكه وما قدر عليه من وجود ما عز عند غيره، وقيل إنها كانت آلات شراب الإسكندر فلما مات كسرتها أمه ورمتها في تلك المواضع غيرة أن لا تصير لأحد بعده. والقصر الأعظم الذي بالإسكندرية الذي لا نظير له في معمور الأرض اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بإزاء باب الموسم، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على النصف من ذلك، ولم يبق منه إلا بعض سواريه. ورئي بالإسكندرية قصاب عنده ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. وكان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم وأخذ آرائهم". ( الروض المعطار1/54) ,أضاف الحميري" منارة الإسكندرية، وضعه الله تعالى على يد من سخره لذلك آية للمتوسمين وهداية للمسافرين، ولولاه ما اهتدوا في البحر إلى بر الإسكندرية، ويظهر على أزيد من سبعين ميلاً، ومبناه في نهاية من الوثاقة طولاً وعرضاً، قيس أحد جوانبه الأربع فوجد نيفاً على خمسين باعاً، ويذكر أن طوله أزيد من مائة وخمسين قامة، وداخله مرأى هائل، اتساع معارج ودواخل، وكثرة مساكن، حتى أن المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضل، وفي أعلاه مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصلاة فيه". (المصدر السابق/550). ويقال" إن أسقفاً كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن لما بلغه قدوم عمرو بالمسلمين إلى بلاد مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي عمرو بالطاعة له، فأطاعه كثير من القبط، فاستعان بهم على من سواهم". (المصدر السابق/553).

حدود العالم من الشرق الى المغرب. كاتب مجهول

قال الكاتب المجهول" الاسكندرية مدينة متصلة ببحر الروم من جهة وبحيرة تنيس من جهة، وفيها منارة يقال إن ارتفاعها مئتا ذراع، مرتكزة على صخرة وسط الماء، وهي تتحرك كلما هبّ النسيم بحيث لا يمكن رؤية ذلك". ( حدود العالم/78).

الاسكندرية في كتاب صورة الأرض لإبن حوقل

قال ابن حوقل" من مشاهير مدن مصر وعجيب آثارها الإسكندريّة وهى مدينة على نحر بحر الروم رسومها بيّنة وآثار أهلها ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة وتعرف عن تمكّن فى البلاد وسموّ ونصرة وتفصح عن عظة وعبرة كبيرة الحجارة جليلة العمارة وبها من العمد العظام وأنواع الأحجار الرخام الذي لا تقلّ القطعة منه إلّا بألوف ناس قد علقت بين السماء والأرض على فوق المائة ذراع ممّا يكون الحجر منها فوق رؤوس أساطين دائر الأسطوانة منها ما بين الخمس عشرة ذراعا الى عشرين ذراعا والحجر فوقه في عشر أذرع في سمك عشر أذرع بغرائب الألوان وبدائع الأصباغ،. فلو سئلت عن أهلها لرأيتها ... مخبّرة من حالهم بالعظائم ولها طرقات مفروشة بأنواع الرخام والحجر الملوّن وفى بيعها عمد لصفاء صقاله وحسن ألوانه يبين كالزمرّد الأخضر وكالجزع الأصفر منه والأحمر وجلّ أبنيتها بالعمد المسمّر ومنه شيء على قضبان نحاس قد دبّر بأنواع أخلاط لئلّا يغيّره الزمان وتحت الأسطوانة منه الثلاثة سرطانات نحاس وأربعة والاسطوانة في الهواء عليها ضروب الصور المعروفة والمجهولة، وفيها المنارة المشهورة المبنيّة بالحجارة المركّبة المضبّبة بالرصاص وليس بجميع الأرض لمنارتها نظير يدانيها أو يقاربها في أشكالها ومبانيها وعجائبها ومعانيها تشتمل على آية بيّنة ويستدلّ بها على مملكة كانت قاهرة لملك عظيم ذي حال جسيم وسلطان عقيم، وهى المنارة المشهورة في جمهور الأرض أخبارها التي جميع العامّة والخاصّة من أهل الدراية مجمعون على أنّ مؤسّسها اخترعها لرصد الفلك وأدرك ما أدركه من علم الهيئة بها وفيها وجميع ما أخبر به من حال الفلك فإنّما حصل له ولمن خلفه بانكشاف فضائها وسعة سمائها وقلّة أبخرة صحرائها لأنّ لكلّ ارض سرابا على مقدارها وليس لها سراب، وسمكها كان يزيد على ثلاثمائة ذراع فوقعت منه قبّة عظيمة كانت رأس المنارة لطول العهد لا كما يدّعى المحاليّون في حماقات ورقاعات مصنّفة أنّها بنيت لمرآة كانت فيها يرى سائر ما يدخل الى بحر الروم من درمون حمّال الى شلندى مستعدّ للقتال ويزعم قوم أنّ بانيها وبانى الهرمين ملك واحد ويروى آخرون غير ذلك". ( صورة الأرض/151).

الإسكندرية في كتاب العمري (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)

قال العمري" الاسكندرية مدينة قديمة جليلة عظيمة وكانت في القديم أكبر مما هي الآن وأعظم في كثرة الأهل والبنيان، بناها الاسكندر ذو القرنين على شاطئ البحر الرومي، وكان بها على ما يقال سرير ملكه ومستقر أمة وجميع بنايتها بالحجر والكلس، مبيضة البيوت باطنا وظاهرا، كأنها الحمامة البيضاء، ذات شوارع مشرعة الأرجاء، كل خط بذاته كأنها رقعة الشطرنج، يستدير بها أسوار متمنعة، وبروج محصنة، عليها الستائر المسترة، والمجانيق المنصوبة، وبها عسكر مستخدم لحفظها، وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها مرسوم بنيابة السلطنة سوى الإسكندرية لا يزال أهلها على يقظة من أمور البحر، ومخالسة العدو، وبها الديار الجليلة، والجوامع والمساجد، والربط والخوانق، والمشاهد والفنادق، والرباع والأسواق الممتدة، ومعامل البز والقماش والطرز الفائق المثل، إليها تهوى ركاب التجار برا وبحرا من كل فج عميق ومكان سحيق، وليس في الدنيا نظير شربها، وطرازها المعمول بها والمحمول إلى أقطار الأرض شرقا وغربا، منها من الحفير المنسوج بالذهب والفضة والمقصب بالقصب، وطرد الوحش المنوع، والجر والمنقوش، والمنزج والمدفون والديبقى والمساذج، والمفرح والمقاطع، والممرش والشرب الخام والمقصور وبدلات المقانع وأنواع المقصبات والملون بالذهب والفضة والملاءات والغوط من كل ما لا شبيه لرقمه ولا نظير لحسنه، يباع في كل يوم فيها بآلاف مؤلفة من الذهب الأحمر، ولا ينفذ متاعها، ولا يقل موجودها وبالإسكندرية معاملة الدرهم السّواد حقيقة مقصورا عليها لا يخرج من سواها ولا يتعدى حاضرة أسوارها، وهو فيها كل درهمين سوداوين بدرهم واحد من نقد الدرهم المصري، يوجد بها الدراهم السود حقيقة اسم على مسمى". ( مسالك الابصار3 /491). ويضيف والاسكندرية لها بحر خليج من النيل تصل فيه المراكب من مصر إليها، ومنها إلى مصر، وفي أوان زيادة النيل يمتلئ هذا الخليج ، ويمد إلى صهاريج داخل المدينة معدة لاختزان الماء بها لشرب أهلها، نافذة من بعض الدور إلى بعض يمكن النازل إلى صهريج منها الصعود من أي دار اختار، وتحت الصهاريج الآبار النبع بالماء المملوح، فهي طبقات ثلاثة، طبقة الآبار عليها طبقة الصهاريج عليها طبقة البناء ولا يعتني أهل الاسكندرية ببناء الطبقات على أعالي أبنيتهم لقوة الأمطار بها، وتجويف قرارها. وعلى الاسكندرية البساتين الأنيقة والغيطان الفساح وفيها لجلة أهلها القصور الناهدة والجواسق الشاهقة، محصنة جميعها بأحكام البناء، وعلو الجدر خشية من طرّاق الفرنج ودعّار العرب. وبها من الفواكه المنتجة الثمار وهي تفوق مصر بحسن ثمراتها، ورخص الفواكه بها، وليس للإسكندرية من ازدراع القمح والشعير والحبوب إلا ما قل، وغالب أقواتها محمول من أرياف مصر. ثم ملك الاسكندر فزاد في بنائها، وأطال في منارتها وجعل فيها مرآة كان يرى منها مراكب العدو عن بعد، فإذا صارت بإزائها، وصدمها شعاعها أحرقها كما تحرق المهاة في الشمس ما قابلها من الخرق، وإن لم تتصل بها، فسميت الاسكندرية من حينئذ، وكان اسمها قبل ذلك وقوده، وبذلك يعرفها القبط في كتبهم القديمة". (المصدر السابق3/492). وتحدث العمري عن قصة حول هدم المرآة بعد غواية ملكها بوجود كنوز تحتها، وتحدث عن المنارة ومساحتها فقال" فقد أصبحت كلها أثرا بعد عين، سقطت أعلامها، ومحيت آثارها، ولم يبق من المنارة، إلا دون العشرين ذراعا، وأمر السلطان لها بالبناء، ولم يصرف إليها وجه الاعتناء وليس الناطور الآن إلا في منارة استحدثت على كوم عال داخل السور يعرف بكوم معلى لا له أساس ثابت ولا جدار معلى. وأما عمود الصواري فباق على حاله والطلل باق على هائل ولا طائل، وهو من الاسكندرية على مسافة ونصف يوم من غربها البر الأقفر المتصل ببرقه إلى الغرب الأقصى" ( المصدر السابق3/496).

م. الاسكندرية في رحلة ابن بطوطة

قال ابن بطوطة" لمدينة الإسكندرية أربعة أبواب باب السدرة وإليه يشرع طريق المغرب وباب رشيد وباب البحر والباب الأخضر وليس يفتح إلا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند ومرسى الكفار بسرادق ببلاد الأتراك ومرسى الزيتون ببلاد الصين. ان منار الإسكندرية: قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما وصفته أنه بناء مربع ذاهب في الهواء وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه فإذا أزيلت لم يكن له سبيل وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار وداخل المنار بيوت كثيرة وعرض الممر بداخله تسعة أشبار وعرض الحائط عشرة أشبار وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبرا وهو على تل مرتفع ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الاسكندرية وقصدت المنار عند عودي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه فعاقه الموت من إتمامه. عمود السواري الهائل: من غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه. قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره، فاجتمع الغفير لمشاهدته، وطال العجب منه، وخفي على الناس وجه واحتياله وأظنه كان خائفاً، أو طالب حاجة، فانتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به. وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها1 خيطاً طويلاً، وعقد بطرف الخيط حبلاً وثيقاً، فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه، ووقعت من الجهة الموازية للرامي، فصار خيطاً معترضاً على أعلى العمود، فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط، فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض، وعلق به صاعداً من الجهة الأخرى، واستقر بأعلاه وجذب الحبل، واستصحب من احتمله، فلم يهتد الناس لحيلته، وعجبوا من شأنه". (رحلة ابن بطوطة1/13).

الاسكندرية في كتاب مراصد الاطلاع لصفي الدين البغدادي

تحدث عموما عن المدن التي بناها الإسكندر ولم يتطرق الى معالمها الحضارية بقوله" بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلّها باسمه، ثم تغيّرت أساميها بعده: واحدة بـ (أورنقوس). والتي تدعى المحصّنة. وأخرى ببلاد الهند. وأخرى في (جالينقوس). وأخرى في (بلاد السقوباسبيس). وأخرى على شاطئ النهر الأعظم. وأخرى بأرض بابل. وأخرى ببلاد (الصغد) وهى سمرقند. والتي تدعى مرعيلوس. وهى مرو. والتي في مجارى الأنهار بالهند. والتي سميّت كوش، وهى بلخ. والإسكندرية العظمى ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة مدينة. والإسكندرية: قرية بين حلب وحماة. والإسكندرية: قرية على دجلة بإزاء الجامدة، بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، والإسكندرية: قرية بين مكة والمدينة. والمشهورة بهذا الاسم الإسكندرية العظمى في بلاد مصر". (مراصد الاطلاع 1/76).

الاسكندرية في رحلة ابن جبير

ذكر ابن جبير عن الإسكندرية وآثارها " فأول ذلك حسن وضع البلد واتساع مبانيه حتى أنا ما شاهدنا بلدا اوسع مسالك منه ولا أعلى مبنى ولا أعتق ولا أحفل منه وأسواقه في نهاية من الاحتفال أيضا2. ومن العجب في وضعه أن بناءه تحت الأرض كبنائها فوقها وأعتق وامتن لأن الماء من النيل يخترق جميع ديارها وأزقتها تحت الأرض فتتصل الآبار بعضها ببعض ويمد بعضها بعضا. وعاينا فيها أيضا من سواري الرخام وألواح هـ كثرة وعلوا واتساعا وحسنا ما لا يتخيل بالوهم حتى أنك تلقى في بعض الممرات بها سواري يغص الجو بها صعودا لا يدري ما معناها ولا لما كان أصل وضعها وذكر لنا إنه كان عليها في القديم مبان للفلاسفة خاصة ولأهل الرئاسة في ذلك الزمان والله أعلم ويشبه أن يكون ذلك للرصد. ومن أعظم ما شاهدناه من عجائبها المنار الذي قد وضعه الله عز وجل على يدي من سخر لذلك آية للمتوسمين وهداية للمسافرين لولاه ما اهتدوا في البحر إلى بر الإسكندرية يظهر على أزيد من سبعين ميلا وبمناه في غاية العتاقة والوثاقة طولا وعرضا يزاحم الجو سموا وارتفاعا يقصر عنه الوصف وينحسر دونه الطرف الخبر عنه يضيق والمشاهدة له تتسع. ذرعنا أحد جوانبه الأربعة فألفينا فيه نيفا وخمسين باعا ويذكر أن في طوله أزيد من مائة وخمسين قامة. وأما داخله فمرآي هائل اتساع معارج ومداخل وكثرة مساكن حتى إن المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضل. وبالجملة لا يحصلها القول والله لا يخليه من دعوة الإسلام ويبقيه. وفي أعلاه مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصلاة فيه طلعنا إليه يوم الخميس الخامس لذي الحجة المؤرخ وصلينا في المسجد المبارك المذكور. وشاهدنا من شأن مبناه عجبا لا يستوفيه وصف واصف". (رحلة ابن جبير/14). وأضاف " ومن الغريب أيضا في أحوال هذا البلد تصرف الناس فيه بالليل كتصرفهم بالنهار في جميع أحوالهم وهو أكثر بلاد الله مساجد حتى إن تقدير الناس لها يطفف3 فمنهم المكثر والمقلل فالمكثر ينتهى في تقديره إلى اثني عشر ألف مسجد والمقلل ما دون ذلك لا ينضبط فمنهم من يقول ثمانية الاف ومنهم من يقول غير ذلك. وبالجملة فهي كثيرة جدا تكون منها الأربعة والخمسة في موضع وربما كانت مركبة4 وكلها بأئمة مرتبين من قبل السلطان فمنهم من له فوق ذلك ومنهم من له دونه وهذه منقبة كبيرة من مناقب السلطان. إلى غير ذلك مما يطول ذكره من المآثر التي يضيق عنها الحصر". (المصدر السابق/17).

الاسكندرية في كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب لابن الوردي

ذكر ابن الوردي" أما الإسكندرية فهي آخر مدن الغرب، وهي على ضفة البحر الشامي وبها الآبار العجيبة والروم الهائلة التي تشهد لبانيها بالملك والقدرة والحكمة. وهي حصينة الأسوار عامرة الديار كثيرة الأشجار غزيرة الثمار؛ وبها الرمان والرطب والفاكهة والعنب، وهي من الكثرة في الغاية، ومن الرخص في النهاية، وبها يعمل من الثياب الفاخرة كل عجيب، ومن الأعمال الباهرة كل غريب، ليس في معمور الأرض مثلها؛ ولا في أقصى الدنيا كشكلها، يحمل منها إلى سائر الأقاليم في الزمن الحادث والقديم، وهي مزدحم الرجال ومحط الرحال ومقصد التجار من سائر القفار والبحار، والنيل يدخل إليها من كل جانب، من تحت أقبية إلى معمروها، ويدور بها وينقسم في دورها بصنعة عجيبة وحكمة غريبة، يتصل بعضها ببعض أحسن اتصال لأن عمارتها تشبه رقعة الشطرنج في المثال. وإحدى عجائب الدنيا فيها وهي المنارة التي لم ير مثلها في الجهات والأقطار، وبين المنارة والنيل ميل واحد وارتفاعه مائة ذراع بالشاشي لا بالساعدي، جملته مائتا قامة إلى القبة. ويقال إنه كان في أعلاها مرآة ترى فيها المراكب من مسيرة شهرة، وكان بالمرآة أعمال وحركات لحرق المراكب في البحر، إذا كان عدواً، بقوة شعاعها. فأرسل صاحب الروم يخدع صاحب مصر ويقول: إن الإسكندر قد كنز بأعلى المنارة كنزاً عظيماً من الجواهر واليواقيت واللعب والأحجار التي لا قيمة لها خوفاً عليها، فإن صدقت فبادر إلى استخراجه، وإن شككت فأنا أرسل لك مركباً موسوقاً من ذهب وفضة وقماش وأمتعة، ولا يقوم، ومكني من استخراجه ولك من الكنز ما تشاء. فانخدع لذلك وظنه حقاً فهدم القبة فلم يجد شيئاً مما ذكر، وفسد طلسم المرآة؛ ونقل أن هذه المنارة كانت وسط المدينة؛ وأن المدينة كانت سبع قصبات متوالية وإنما أكلها البحر ولم يبق منها إلا قصبة واحدة وهي المدينة الآن، وصارت المنارة في البحر لغلبة الماء على قصبة المنارة. ويقال إن مساجدها حصرت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد". (خريدة العجائب/82). وأضاف" ذكر الطبري في تاريخه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما افتتحها أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: قد افتتحت لك مدينة فيها أثنا عشر ألف حانوت تبيع البقل. وكان يوقد في أعلى هذه المنارة ليلاً ونهاراً لاهتداء المراكب القاصدة إليها. ويقولون: إن الذي بنى المنارة هو الذي بنى الأهرام. وبهذه المدينة المثلثان وهما حجران مربعان وأعلاهما ضيق حاد، طول كل واحد منها خمس قامات وعرض قواعدهما في الجهات الأربع كل جهة أربعون شبراً، عليها خط بالسرياني، حكي أنهما منحوتان من جبل برسم الذي هو غربي ديار مصر، والكتابة التي عليهما: أنا يعمر بن شداد، بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش، ولا موت ذريع، ولا شيب ظاهر، وإذا الحجارة كالطين وإذا الناس لا يعرفون لهم رباً، وأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها، وأردت أن أعمل فيها شيئاً من الآثار المعجزة والعجائب الباهرة فأرسلت مولاي البتوت بن مرة العادي ومقدام بن عمرو بن أبي رغان الثمودي خليفة إلى جبل بريم الأحمر، فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع من أضلاع البتوت، فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له، وهما هذان. وأقامهما إلى القطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة، وهذه المثلثة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية والمثلثة الأخرى ببعض المدينة. ويقال إن المجلس الذي بجنوب المدينة المنسوب إلى سليمان بن داود عليهما السلام، بناه يعمر بن شداد المذكور، وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن، وهو سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وهو مجلس مربع في كل رأس منه ست عشرة سارية، وفي الجانبين المتطاولين سبع وستون سارية، وفي الركن الشمالي أسطوانة عظيمة ورأسها عليها، وفي أسفلها قاعدة من الرخام مربعة، جرمها ثمانون شبراً، وطولها من القاعدة إلى الرأس تسع قامات، ورأسها منقوش مخروم بأحكم صنعة، وهي مائلة من تقادم الدهور ميلاً كثيراً، لكنها ثابتة، وبها عمود يقال عمود القمر، عليه صورة طير يدور مع الشمس". (المصدر السابق/85).

التهمة الكيدية

في حرق مكتبة الإسكندرية/7

الاسكندرية في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي

ذكر ياقوت الحموي عن الاسكندرية بعد ان استعرض نشأتها" لأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصري قال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولها وهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال:أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال. قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّة الإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها،

فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنج وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة.

وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها( دلوكة بنت ريّا)، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها (قلبطرة،) وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله.

قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّص الرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟ فلا سبيل للناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره. وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية". (معجم البلدان1/186ـ 187).

الاسكندرية في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني (توفي عام 682 هـ)

ذكر القزويني" هي المدينة المشهورة بمصر، على ساحل البحر. اختلف أهل السير في بانيها: فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول، وهو ذو القرنين (اشك بن سلوكوس الرومي)، الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها، وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه، وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً عليها: ليس ورائي مذهب. ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي، شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطليس، وبين الأول والثاني دهر طويل.

قيل: إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية، وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية، ذبح ذبائح كثيرة للقرابين، ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمر هذه المدينة هل يتم أم لا؟ فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق، ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم، ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل، وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر. فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام، فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها، فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع، يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد، فإذا هم مترقبون طار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء. قيل ذلك للإسكندر فقال: أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها، ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها. فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا، فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها، فأصبحوا وقد خربت. فأمر الإسكندر باتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن، فاندفع عنها أذيتهم. قال المسعودي" الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا، كل عمود طوله ثمانون ذراعاً، عليها صور وأشكال وكتابة، فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح. وكان عليها سبعة أسوار، وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات، قال المفسرون: كانت هي المراد من قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً. وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة. وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة. بها مجلس سليمان، عليه السلام؛ قال الغرناطي: إنه خارج الإسكندرية، بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها، كل عمود على قاعدة من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك، والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني، طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع، وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع، وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد، وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية، طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً، إني شبرتها بشبري. ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية، فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة، وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع، وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت، فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة، وكانوا بخلاف أهل زماننا. ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة، والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس، وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء، فإذا استوت لا يمكن أخذها، وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه، وكانت الإسكندرية مجمع الحكماء، وبها كان معاريجهم مثل الدرج، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء، فإن موضعه كان على الدرجة السفلى. ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت، وفوق ذلك منارة مثمنة، وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة، طول الأولى تسعون ذراعاً، والمثمنة مثل ذلك، وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً، وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكل ينظر إليها كل لحظة، فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر، يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه. وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء، فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب في الإسلام، وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام. فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له: يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية. فسأله الوليد عن مكانه فقال: تحت منارة الإسكندرية، فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة. فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة، فضجت الناس من أهل الإسكندرية. فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركب نحو الروم وتمت حيلته. والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة، بينها وبين البر نحو شوط فرس، ولا طريق إليها إلا في البحر المالح، وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه. وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة، فترتقي إلى طبقة عالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة، وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات، وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان. وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال: إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت. فقالوا: انظرنا حتى نتفكر. فقال: أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال. فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها من النخر والقدم، فقالوا: جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيدها إلى ما كانت. فسكت. بها عين مشهورة بعين الإسكندرية، فيها نوع من الصدف يوجد في كل وقت لا يخلو منه في شيء من الأوقات، يطبخ وتشرب مرقته تبريء من الجذام. والله الموفق". (آثار البلاد وأخبار العباد/ 143ـ147).

نقد الرواة والروايات السابقة

كما نوهنا اعتمد المؤرخون العرب ومن بعدهم الغربيون في دعوى حرق المسلمين مكتبة الاسكندرية على الرواة المذكورين في أدناه، وسوف نناقش وضع الكاتب ومدى صحة الرواية لكل منهم على حدة لتسنى لنا معرفة ميوله واتجاهاته، ونستشف من خلالها مدى مصداقيته، على أقل تقدير بما يتعلق بالكتاب الذي تضمن حادثة حرق مكتبة الإسكندرية.

ولأن المصدر الرئيس للحادثة ورد في رحلة، فلا بد من الإشارة إلى أنه في أدب الرحلات توجد مناهج معتمدة في العمل أهمها:

أ. منهج المشاهدة والرؤية العينية للرحالة فيما يتعلق بمشاهداته لأحداث ووقائع عاصرها في الأمصار التي زارها ولقاءاته مع الناس وتدوينها وفق التسلسل الزمني لزياراته المدن كرحلة ابن بطوطة، او حسب التوزيع الإقليمي او الجغرافي للأقاليم السبعة كالمسالك والممالك لابن خرداذبة، او وفقا لحروف الهجاء كمراصد الاطلاع لصفي الدين البغدادي، او حسب التضاريس الأرضية كمسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين العمري.

ب: منهج الرواية والنقل عن الرحالة الذين سبقوه في رحلته الى نفس الأماكن، وهذا ما تجده من خلال تكرار الحوادث والأحاديث كما في كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار لأبي عبد الله محمد الحميري الذي لم يقم بأية رحلة للأمصار التي تحدث عنها في كتابه وإنما نقلا عن غيره. وهناك من ينقل ويشير الى المصدر والسند، وهناك من ينقل الرواية دون الإشارة الى المصدر او السند. على سبيل المثال: قال الادريسي" جزيرة القمر (من اعمال الهند) وبينهما مجرى سبعة أيام وهي جزيرة طويلة وملكها يسكن منها مدينة ملاي ويقول أهل هذه الجزيرة إن طولها مارّا مع المشرق أربعة أشهر أولها في الدبيحات وآخرها يعارض جزائر الصين في جهة الجنوب وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه وجميع أوامره إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي وفي يمين كل واحد منهم سوار ذهب واسم السوار عندهم بلغة الهند اللكنكو ويسمون هؤلاء المخنثين التنبابة وهم يتزوجون الرجال عوضا من النساء ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم". ( نزهة المشتاق /71). وقال الحميري" ملاي: مدينة من جزيرة القمر من جزر الهند، وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي، وفي يمنى كل واحد منهم سوار ذهب، وهؤلاء المخنثون يتزوجون الرجال في عوض النساء، ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم". ( الروض المعطار1/546).

ج. النقل عن الآخرين من الزوار والتجار واهل البلد من خلال سماع ما يذكروه من أحداث واحاديث قديمة او حديثة بالنسبة لزمانهم، قال العمري عن الهند قبل تأليف كتابه " كنت أسمع الأخبار الطائحة والكتب المصنفة، ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها، لبعدها منا، وتنائي ديارها عنا". ( مسالك الابصار 3/39). وعادة يتخذ الرحالة احد المواقف التالية التي تتجسد بوضوح في مشاهداته:ـ

اولا. الأخذ بالرواية كاملة، والثقة بمن تحدث بها سواء كان الرحالة على صلة وثيقة به او مجرد معرفة وقتية بالراوي دون ان يقارنها بغيرها من الروايات او يتحقق من صحتها من الناس.

ثانيا. رفض الرواية تماما بعد عرضها، لأنها تتنافى مع الواقع والمنطق والعقل السليم، كما ورد في تصويبات ابن حوقل لكثير من المشاهدات والأحداث في كتابه صورة الأرض.

ثالثا. التأكد من الخبر عن طريق التجربة الذاتية، وهذا ما فعله ابن حوقل والعمري بعد أن باشرا في تدوين مشاهداتهما، فقد ذكر العمري" فلما شرعت في تأليفي هذا الكتاب، تتبعت ثقاة الرواة، ووجدت أكثر مما كنت أسمع وأجل مما كنت أظن وعادة كنت أسأل الرجل عن بلاده، ثم أسأل الآخر والآخر لأقف على الحق، فما اتفقت عليه أقوالهم، وتقاربت فيه أثبته، وما اختلفت فيه أقوالهم أو اضطربت تركته، ثم أنزل الرجل المسؤول مدة أناسيه فيها عما قال، ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت، فإن ثبت على قوله الأول، أثبت مقاله، وإن تزلزل أذهبت في الريح أقواله، كل هذا لأتروى في الرواية، وأتوثق في التصحيح". ( مسالك الابصار3/31). وهنا لابد من التأكيد مرة أخرى على ناسخ الكتاب ومدى نزاهته وكفاءته وأمانته في نقل الكتاب دون تحريف النصوص زيادة أو نقصانا أو نشويها وفقا لميوله الشخصية أو للحصول على امتيازات ما، على سبيل المثال كان ناسخ كتاب مسالك الابصار للعمري، شيعيا لذا فهو يضيف من عنده صفة "عليه السلام" عقب أي ذكر لأي من أئمة الشيعة حصرا دون غيرهم، وهذا لا يمكن أن يكون من المؤلف فهو عمري، وينتسب إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ولا يُعقل ان لا يترضى عليهم عند ذكر اسمائهم.

تقي الدين المقريزي

يعتبر المقريزي شيخ المؤرخين المصريين وتتلمذ على يدية الكثير، وعُرف عنه التدقيق في الروايات التأريخية، والتحقق منها، والإشارة الى التفاصيل الدقيقة. لكن من المؤسف ان يقع المقريزي في الفخ الشعوبي بهذه السهولة، فقد نقل عن البغدادي الرواية بلا سند وتحقيق، رواها كما هي على علتها دون أن ينقدها كمؤرخ له ثقله ومكانته الكبيرة ويتبين مدى صحتها، سيما إنه مواطن مصري ويفترض أن يكون على دراية تامة بتأريخ أمته، لا يأخذ الأمور المهمة على عماها دون تحقيق وتحليل. وقد نقل عن المقريزي المؤرخ (لانجل) في كتابه فتوح الإسكندرية دون أن يشير الى حريق المكتبة. ويلاحظ ان المقريزي لم يعاصر الفتح الإسلامي لمصر وإنما نقل الأحداث عن غيره. جاء في كتابه (المواعظ والآثار) الآتي حول عمود السواري بالإسكندرية" وفيه خزانة كتب أحرقها عمرو بن العاص بإشارة من عمر بن الخطاب رضى الله عنه". لاحظ أنها نفس العبارة بالضبط استقاها من البغدادي على علاتها، وبخلاف ما اتبعه في معظم رواياته التأريخية. وهذا أمر يدعو للأسف لأنه مصري وأعرف من غيره ـ أو يفترض به هكذا ـ بحوادث بلاده.

د. حاجي خليفة وهو عثماني موسوعي حجة في الفهرسة والتصنيف وأشهر كتبه (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) التي جمع فيها حوالي (18000) عنوانا للكتب، معظمها اطلع عليها بنفسه كما إدعى. والرجل يعد ثقة في الفهرسة ومعرفة الكتب، وليس كمؤرخ. وقد نقل رواية البغدادي دون سند، ويلاحظ ان عاش في زمن بعيد جدا عن الأحداث. لذا فأن روايته لا يؤخذ بها لأنه نقلها على عماها. الحقيقة ان كتابه رغم أهميته فيه الكثير من الأخطاء والتناقضات، لأنه يأخذ الرواية عن الناسخ والكثير من النساخ لا يلتزمون بضبط النسخ لأسباب عفوية أو مقصودة، لذا نجد اختلاف النسخ للكتاب الواحد، ويعتمد المحققون على عدة نسخ لضبط تحقيقهم. مثلا قال حاجي عند ذكر الإمتاع والمؤانسة" إن التوحيدي توفي سنة 380 وقال حين ذكر عنه في المقابسات" المتوفى بعد سنة أربعمائة تقريباً "، فأين الحقيقة ؟ وهناك أخطاء كثيرة في كتابه لسنا بصددها.

وسوم: العدد 1096