الهجرة أزمة تحاكي حرب إسرائيل

قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في أحد تصاريحه، بأن «الهجرة العكسية» ستكون نهاية إسرائيل، مضيفًا إن «إسرائيل تعيش بعد عملية طوفان الأقصى لحظة حرجة هي الأكثر خطرًا على وجودها منذ احتلالها لفلسطين وإقامة كيانها المزعوم، حتى استشراف لحظة زوالها قد باتت واضحة من خلال الخط البياني الانحداري في اتجاه زوالها».

أصاب خامنئي فيما قاله، لاسيما وإن توظيف القوة العسكرية المستمرة سيشعر الإسرائيليون بالتهديد، ويدفعهم للهجرة وترك المنطقة من دون الزجّ بإيران إلى حرب مباشرة. إذ منذ تأسيس هذا الكيان والاعتراف به عام 1948 بقرار مجلس الأمن تحت رقم (181) والإسرائيلي يعمل على تأمين الهجرة لشتات اليهود إلى فلسطين عبر تقديم الأمان لهم في بلدهم الجديد. لهذا كان هناك سعي دؤوب لبناء «جيش دفاعي» يحقّق الأمن للمستوطنين في مختلف أرض فلسطين، عبر تكريس قاعدة «التفوق العسكري الإسرائيلي» على كافة جيوش المنطقة.

لم يستطع الاتحاد السوفييتي زمن القطبين أن يكسر القاعدة رغم تشكيله حلفًا مع بعض الدول العربية على رأسها جمهورية مصر العربية زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أنّ إسرائيل ظلّت تمتلك القوة الأبرز في المنطقة تحت شعار «الجيش الذي لا يهزم». لكن ما حدث بعد السابع من تشرين الأول الماضي، كسر المحظور وجعل المستوطنين يعيشون قلق الوجود ما أدّى إلى تراجع الثقة بالجيش، إذ شهدت ولم تزل مطارات إسرائيل حركةً عكسيةً ناشطةً إلى خارج الكيان.

تشير التقارير الرسمية التي تنشرها مراكز الإحصاءات في تل أبيب أن قرابة نصف مليون ممّن تركوا البلاد قبل عملية الطوفان لم يعودوا إلى الآن فيما غادر 375 ألفا بعد الحرب. هذا وسجّلت الهجرة العكسية ارتفاعًا ملحوظًا مع اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية ضدّ محاولات حكومة بنيامين نتنياهو التي حاولت الانقلاب على السلطة القضائية خلال عام 2023. والملفت أن هذه الهجرة في وتيرة تصاعدية مع الاحتجاجات الحالية الداعية نتنياهو للقبول بأي تسوية لأجل تحرير الرهائن مع حركة حماس.

يعتبر بعض المتابعين أن انسحاب إسرائيل من القطاع الآن يعدّ خسارة وانهزامًا، ولكن بقاءها أيضًا خسارة، إذ إنه سيتيح المجال لإيران بالاستمرار في استنزافها، مع تعدّد جبهات القتال مع حركة حماس وحزب الله في لبنان والفصائل المسلّحة في الضفة الغربية. لهذا يبقى الحلّ الوحيد أمام حكومة نتنياهو المتشدّدة أن تنهي الحرب بأي تسوية تقدمها واشنطن. هذا ما يفسّر أن الإصرار من قبل إدارة الرئيس جو بايدن على إنهاء الحرب والتوصّل إلى حلول يراد منها إنقاذ إسرائيل من حركة الهجرة الاستنزافية، ومن جهة ثانية يحفظ ماء وجهها.

توظيف القوة العسكرية المستمرة سيشعر الإسرائيليون بالتهديد، ويدفعهم للهجرة وترك المنطقة من دون الزجّ بإيران إلى حرب مباشرة

لا يتوقّف الاهتمام الأمريكي على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بل إن جولات المبعوث الأمريكي الخاص أموس هوكشتين إلى لبنان تهدف هي أيضًا لمنع تدحرج الحرب على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. إن ضبط إيقاع الحرب على أساس «قواعد الاشتباك» بين حزب الله وإسرائيل قد يكون هو الحلّ المؤقت كي يسمح للحركة الدبلوماسية التي يقوم بها مسؤولو الدول الغربية، وآخرها الدعوة التي أطلقها مفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، لكلا الطرفين المتحاربين إلى العمل على نزع فتيل التوترات على الحدود وذلك على أساس تطبيق القرار رقم 1701.

كشف إعلام عبري السبت 14 أيلول الجاري أن نتنياهو قرّر توسيع العملية العسكرية على الجبهة الشمالية مع لبنان. حسابات نتنياهو في فتح جبهة الشمال، لا تلتقي مع حسابات الدول المتابعة التي تضغط بطريقة مخالفة لطموح نتنياهو، فهي لن تسمح لإسرائيل بتوسيع دائرة الحرب على هذه الجبهة.

ضغط الحكومات الغربية لمنع توسع دائرة الحرب لا يقف عند حدود المخاوف من ارتكاب إسرائيل مجازر جديدة بحقّ اللبنانيين، إذ إن نموذج غزة واضح، حيث ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 41 ألف شهيد ولم تسع هذه الحكومات إلى وقف العدوان الإسرائيلي، لا بل لم تزل تقدّم الدعم المطلق لإسرائيل؛ هذا ما يطرح التساؤل حول الحرص الغربي على الإصرار لمنع توسيع دائرة الحرب على الجبهة الجنوبية في لبنان.

تعاني الدول الغربية تحديدًا الأوروبية، من «تخمة» في أعداد المهاجرين. فهي اليوم حريصة كل الحرص على عدم تكرار سيناريو ما حصل معها في الأزمة السورية عندما فتحت حدودها لاستقبال الآلاف منهم. هذا ما دفع بصعود اليمين المتطرف الذي حقّق انتصارات كبيرة في الانتخابات على مستوى الدول الأوروبية، وما يكلّف هذه الحكومات اليوم القيام بسياسات تعمد على إعادة المهاجرين إلى بلدانهم؛ إذ أكّدت الحكومة السويدية، على سبيل المثال، الخميس 12 أيلول الجاري أنها ولأول مرة بتاريخها، تصدر قرارًا بمنح 350 ألف «كرون» سويدي، ما يعادل 34 ألف دولار، لكل مهاجر يوافق على العودة الطوعية إلى بلده ويتنازل عن إقامته وجنسيته التي سبق وحصل عليها.

لا تزال فكرة الهجرة إلى أوروبا تثير قلق المعنيين لاسيما بعدما ملأت الجماهير الأوكرانية هذه الدول بعد الحرب القائمة مع روسيا. لهذا باتت تلك الدول تشعر بالحاجة إلى إعادة ترحيل قسم كبير من المهاجرين، بعدما أثار البعض منهم الشغب في عدد من الدول. هذا التخوّف دفع بالدول الغربية لوضع مظلة أمنية فوق لبنان خوفًا من تدفق آلاف المهاجرين إليها.

أدركت الولايات المتحدة أن استمرار الحرب الإسرائيلية على أكثر من جبهة لن يسمح لإسرائيل بتحقيق مكاسب إضافية لها بعد كل هذا الدمار الهائل، ووسط مواقف لدول جوار فلسطين على رأسها الأردن ومصر والتأكيد على الرفض التام لعملية «الترانسفير» للشعب الفلسطيني إلى أراضيهما.

الحالة هذه ستبقى تحت السيطرة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، إلا إذا شهدت إحدى الجبهات المشتعلة انزلاقة قد تؤدي إلى حرب كبرى رغم أن هذه الحرب لا يريدها الأمريكي كما الإيراني، عندها ستختلف المشهدية خصوصًا وإن الإيراني سيزجّ حتمًا في الحرب الكبرى وسيوقف عداد الهجرات على الجبهتين؛ إلا أنّ السؤال يبقى هل سيتدخل الروسي والصيني عسكريًا لحماية حليفهما الإيراني في حال حصول الحرب؟

وسوم: العدد 1096