الثورة ليست فوضى.. وليست انفلاتاً.. وليست خروجاً على المعايير الأخلاقية والمجتمعية

يوما بعد يوما تزداد محنة السوريين عمقا واتساعا..

وبينما ثار السوريون الأحرار الأبرار لكي يتخلصوا ويخلصوا شعبهم، من ظلم بشار الأسد وفساده، وظلم منظومته الأمنية وفسادها، ودفعوا في سبيل ذلك كل ما نعلم جميعا..

فإن ما آل إليه الوضع في سورية أجمع أشد وأنكى…

ففي الجغرافيا السورية حيث ما زال يسيطر بشار الأسد، انضم إليه في الفساد والإفساد والتسلط محتلون جدد منهم الروس والميليشيات الطائفية بكل نتنها وبؤسها الأخلاقي وانحطاطها القيمي..

وفي شمال شرق حيث يسيطر الأمريكي وتحالفه المريب، ما تزال تفجعنا الأخبار يوما بعد يوم عن تصرفات وسلوكيات بلا ضابط، ولا مسكة من قيم، يمارسها حلفاء الأمريكيين وحلفاء حلفائهم، وهم ما يزالون يحدثوننا عن ديمقراطية مريبة بينما ما يزالون ينشرون ويظهرون في الأرض الفساد..بكل ألوانه وأشكاله

ثم ما نزال يوما بعد يوم ونحن نتابع الأوضاع الأمنية والأخلاقية والسلوكية، في المنطقة التي نغتبط حين نسميها "المحرر" السوري، ثم لا نزال نشعر كلما صفعتنا الأخبار الواقعية عن انتشار الاقتتال البيني، القائم على البغي، والذي تغذيه غالبا عصبية، منتنة، أو عمليات استباحة متعددة الوجوه؛ فطورا تستباح الدماء، وأخرى يستباح من لا يرضينا أن نذكره، وثالثة تستباح الأموال، وأصبح حديث الفصائل التي هي في الأصل فصائل حبست نفسها للجهاد، وحديث المعابر، وحديث الحواجز، وحديث الأسواق؛ وما يجري على كل ذلك من بغي وعدوان وفساد وإفساد، حديث ريبة لا يمكن التماهي معه، أو التجاوز عنه، أو السكوت عليه..

وإذا كنا ما زلنا متعلقين بثورتنا المضيئة، فإننا ما زلنا مصرين أيضا على أن تبقى بكل فصائلها وقادتها ورجالها، متوضئة وضيئة..

إن غمس الرأس في الرمال على ما يحدث على أرض الواقع، باسم كل شهيد، وباسم كل معتقل، وباسم كل مشرد..سيكون عارا يجللنا إذا لم يتدراكه أولو الأحلام والنهى منا..

إن الجريمة النكر الذي وقعت صباح هذا اليوم/ الأحد/ ٣/ ١١/ ٢٠٢٤ باغتيال قاض فاضل على أحد المعابر، والقاضي في كل موطن، رمز العدل والحق، جريمة لا يجوز أن تمر، ولا يجوز أن تدبلج، ولا يجوز أن تلفلف..

والعدوان على مقام القاضي، ليس عدوانا على فرد عادي، والعدوان على أي مواطن عادي دمه وعرضه وماله، بل والاستئثار على أي مواطن في حق من حقوقه، كل ذلك إنما قامت الثورة لتصادرها، وتنفيها من حياة السوريين الأحرار..

لا شك أن التماهي مع هذه الجرائم المتكررة والمتكاثرة والمتمادية، إنما هو طريقة خبيثة للالتفاف على الثورة وجعل جماهيرها تنفك عنها، تحت ضغط واقع مريب وقبيح…

إن إشاعة الفساد والجريمة، في عالم الثورة وباسمها هو أقسى سلاح يحاربنا بها أعداء ثورتنا..

ومع أننا سئمنا من تكرار نشجب ونستنكر وندين، ولكن لا بد أن نقول نشجب ونستنكر وندين ونرفض … وننتظر من قيادة المجموعة التي ارتكبت الجريمة النكر موقفا يؤكد إيماننا بقول ربنا (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ).

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1101