الفزع من المصالحة في مصر وانتصار الثورة السورية!
خرجت الأذرع الإعلامية في مصر، من هول إلى هول، فلم تكد تبلع ريقها من الهول الأول، وتتوقف عن الصراخ، حتى وقع الهول الثاني. ومن الخوف من المصالحة مع الإخوان، إلى الخوف من انتصار الثورة في سوريا، ملأ الصراخ الفضائيات!
كانت الخطوة التي أقدم عليها النظام المصري، برفع أكثر من سبعمئة اسم من قوائم الإرهاب، مفاجأة، أفقدت الأبواق الإعلامية للسلطة اتزانها، فعم الصراخ في الأستوديوهات، تنديداً، وتخويفاً، وتحذيراً، وأعلنها عمرو أديب صريحة مجلجلة بأنه لن يسمح بعودة الإخوان، فإما هم أو الإخوان في هذا البلد.
وعلى النغمة ذاتها عزف إبراهيم عيسى في قناة (القاهرة والناس)، وكان عصبياً للغاية حتى خشيت أن «يطق له عرق» وهو يرقع بالصوت الحياني، إن الإخوان إرهابيون. فلا تعرف متى كانوا كذلك وقد كانوا حلفاءه فيما مضى، يشترون جريدته «الدستور» بأمر من مكتب الإرشاد، ويجعل لهم «كوتة» في هيئة التحرير بها!
أما أحمد موسى فقد كان يطمئن نفسه، بأن القرار برفع هذه الأسماء من قائمة الإرهابيين لا يعني المصالحة، وأن قرار الشعب في عدم المصالحة مع الإخوان، فالشعب يرفض التصالح. وما دام واثقاً من نفسه هكذا، فلماذا لا يدعو للاستفتاء على المصالحة؟ ولماذا لا تكون الانتخابات المصرية نزيهة والمنافسة مفتوحة وهو يسلم بموقف الشعب!
المن على النظام والسيسي ضاحكاً
ولم يتوقف الفزع على هذا الثلاثي، فقد أقام الجميع مأتماً وعويلاً بسبب هذه الخطوة المفاجأة، فماذا لو أتبعها الجنرال بخطوة أخرى بإخلاء سبيل عدد كهذا من المعتقلين؟ إنهم سيصابون بالصرع، وسيخرجون للشوارع ينظمون المرور!
وكأني، بالسيسي وهو ينتقل بين هذه القنوات فيرى الصراخ منبعثاً، فيقهقه لهذه الجلبة التي أحدثها، وهذا الرعب الذي بثه في الصدور، وفي مرات سابقة كانوا هم من يبتزونه، على النحو الذي حدث بعد عزل ممثل المالك لوسائل الإعلام في مصر، وهو العقيد أحمد شعبان، وظهر هذا التحدي من خلال الإشادة بالعقيد في منشورات بأسمائهم، وعند قراءة التعليقات من اعلاميين بأسمائهم، ستعلم بأنهم كانوا يذبحون القطة للقيادة السياسية، وكان المذيع وأشياء أخرى خالد أبو بكر هو الأكثر جرأة، وهو يمن على النظام يقول إن مقدمي برامج «التوك شو»، الذين كانوا أبطالاً في 30 يونيو/حزيران، أصبحوا عبئاً على الدولة بعدها، لدرجة أن واحداً منهم تم سجنه وعجزوا عن إدخال الأدوية له (يقصد خيري رمضان)، وقد تعرضوا لوقف برامجهم.. أو هكذا قال!
ولم يكن هذا هو التمرد الأول، فقد سبقته حركة تمرد كبرى، كانت تستهدف هز مركز الجنرال بأنهم قادرون على ذلك لو أرادوا، وكان هذا في الانتخابات الرئاسية الأولى في صيف 2014، عندما صاحوا جميعاً بشكل لافت أن الشعب المصري قاطع الانتخابات ولم يذهب للتصويت، وأن هناك عزوفاً كبيراً عن الانتخابات، وصراخ هنا وصراخ هنا، حدث المد ليوم ثالث، فقالوا إن الناس قد حضروا، فقد أرسلوا رسالتهم ووصلت لمن يعنيه الأمر!
العزوف صحيح، لكن أن يكون الإعلان من جانب إعلام السلطة فهذا هو اللافت، ولو كنت مكان السيسي لم أبرح مكاني حتى أعرف من يقف وراء هذه الرسالة الموحدة، التي بثت من البرامج كافة، وليس هذا هو الموضوع، فما يهمنا هو أنه تبين للجنرال أنه يملك القدرة على إثارة الرعب في قلوبهم، ويمتد الرعب إلى الإقليم، فيأتون إليه طوعاً أو كرهاً.
والجديد أن السيسي ظهر في المشهد هذه المرة، ولم يترك الأمر للجان العفو أو الحوار الوطني، فوصف المرفوعة أسماؤهم بأنهم أبناؤه، وهنا استشعرت الأذرع الإعلامية الخطر، هل أقول والإقليم أيضاً؟!
وقد عثروا في القائمة على اسم لمتشدد هو الشيخ وجدي غنيم، ومن يرفع اسمه من قوائم الإرهاب غداً يفرج عن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وقد يتقارب مع الجماعة، فقيل: يا داهية دقي!
«العقارب» من مصر إلى سوريا
هذه الأذرع الإعلامية بنت مصالحها على أن النظام في عداء مع الإخوان، وهو يحتاج لهم لذلك، وإذا انتهى خطر الجماعة، فسوف يتم تسريح كل هذه الفرقة، فلا حاجة إليها، وربما لا تكون هناك حاجة لهذا العدد الضخم من القنوات التلفزيونية!
لا سيما وأن كل هذه الترسانة هي لمواجهة برنامج أو ثلاثة برامج تبث من الخارج، فماذا لو تطور الموقف وانطلقت قناة «مكملين» من مدينة الإنتاج الإعلامي، وبرنامج محمد ناصر من القاهرة؟ إن النظام لن يكون يومئذ بحاجة إلى كل هذه القنوات وكل هذه البرامج!
هذا فضلا عن أن الإقليم يساند الجنرال لاستئصال الإخوان، ومع التلميح بالمصالحة، فلن يستطيع التوقف عن المساندة والاستمرار في دفع الثمن، وقد كانت صرخة عمرو أديب بالذات هي صرخة الإقليم!
لتكون الضربة الثانية من الإقليم الشمالي، فالثورة السورية تحركت لتحقق انتصارات هائلة بعد سنوات من الاستسلام، ولأن الظاهر من الفصائل أنهم إسلاميون، فكان الوجع مضاعفاً، وأعلن إبراهيم عيسى من قناة «القاهرة والناس» وليس من قناة «الحرة» إنها فصائل إرهابية وليست تنظيمات معارضة مسلحة، وطالب أحمد موسى بنصرة سوريا!
أما عمرو أديب وقد وصف الإخوان وهو يرفض المصالحة بـ «العقارب»، فقد وصف ما يجري في سوريا بأنه اشتباكات بين الجيش السوري و«العقارب»، وأن الناس تحتاج إلى أن تستمع إلى بشار!
المقطوع به لدى أصحاب الصراخ المنبعث من الأستوديوهات، أن ما يحدث في سوريا قد يغري بعودة الربيع العربي في البلاد التي هزم واستسلم فيها، ويبدو أداء الثورة السورية مبهراً، وفي وقت كان فيه القادة العرب، بل والرئيس التركي نفسه يتقربون إلى بشار الأسد بالنوافل، وهو يتمنع باعتباره انتصر رغم أنف الجميع!
لقد مثلت الثورة التونسية إلهاماً للثورة المصرية، فما المانع من أن تكون الثورة السورية ملهمة للثوار المصريين الذين استكانوا منذ أكثر من عشر سنوات!
وقد يكون ما يحدث في سوريا وغباء بشار الأسد درساً للجنرال المصري فيقدم خطوة للأمام فيما يرونه مصالحة؟!
في الحالتين فهي الخسارة الكبيرة لهذه الأذرع الإعلامية، والخطر الكبير على مصالحها التي استقرت في زمن المواجهة!
وإذا كان قد استقر في وجدان الجنرال، أن الثورة المصرية هي نتيجة لهامش الحريات في عهد مبارك في سنوات حكمه الأخيرة، لذا هو مع غلق الباب الذي يأتي منه الريح، لكن بشار الأسد بالغ في القمع، والتنكيل، واغلاق المجال العام، فلا إفراج عن معتقلين، ولا سماح بعودة السوريين، ولا تسامح مع رأي، ولو مكتوب على جدران دورة مياه داخلها، ومع ذلك اندلعت الثورة ساحقة ماحقة!
فماذا لو اندلعت الثورة المصرية؟ بل وماذا لو تخلى السيسي عن قناعته بعد المشهد السوري، وقطع الطريق على الثورة الآتية على قواعد النظامين الأردني والمغربي، والحالة المصرية لا تحتاج ولو لشراكة في الحكم أو تشكيل الحكومة من جانب المعارضة!
سألت صديقي السيساوي خفيف الظل: ألم تعملوا حساباً لثورة في مصر؟ فأجاب بما أضحكني: لو حدث أنتم تعودون لمصر، ونحن نأتي للدوحة! وقلت له: وكأن الدوحة كتب عليها استقبال الضحايا المصريين في كل مرة!
بيد أن صديقي هذا لم يستفد من النظام الحاكم، فالحمل خفيف، هو ومن يعول، لكن هناك مصالح مستقرة، وثروات طائلة، وعداء تأسس، لن يمكن الأذرع الإعلامية من الهروب السريع، أو حتى العودة إلى بيوتهم وخسارة كل هذه المكاسب الكبرى.
مساكين هؤلاء الناس!
وسوم: العدد 1106