نظام الإرهاب في سوريا… أيّ من الإبادات ارتكب؟

لندن – “القدس العربي”: في حديث مع زميلة صحافية عراقية عن الفظاعات التي تتالى ظهورها صوتًا وصورة بعد سقوط بشار الأسد، (وكانت على كل حال ارتكابات معروفة للعالم)، سارعت إلى القول “بعد 23 عامًا من سقوط نظام صدام حسين، لا نزال عندنا نكتشف مقابر جماعية”.

وإحدى المقابر الجماعية المخيفة التي كُشف عنها في نظام البعث السوري المنهار قبل أيام، هي مقبرة القطيفة – وغيرها من المقابر الجماعية التي بدأ ظهورها يتوالى.

ومن القطيفة تحديدًا، قال السفير الأمريكي السابق لقضايا جرائم الحرب ستيفن راب الثلاثاء لرويترز إن الأدلة التي ظهرت كشفت عن “آلة الموت” التي أدارتها الدولة في عهد الأسد.

وقدّر راب أن ما يزيد على 100 ألف شخص تعرضوا للتعذيب والقتل منذ 2013. والأرقام التي يطرحها الباحثون السوريون قد تفوق ذلك بكثير.

والصادم ربما – في الغرب خصوصًا – فيما قاله راب، هو التالي: “لم نشهد شيئا كهذا تماما منذ عهد النازيين”.

وقد يكون ما قاله راب “صرخة” من أماكن الرعب التي أورثها بشار الأسد، وعائلته التي حكمت.

لقد فتح السّقوط المدوي، بابا كبيرًا لأسئلة عديدة بشأن طبيعة النظام الذي حكم سوريا لأكثر من نصف قرن، وشكّل الابنُ استمرارا لنظام الأب مع كل التركيبة العائلية الطائفية – والحزبية الأمنية والزبانية والاجتماعية الوظيفية التي أدارته.

لكن السؤال في هذا التقرير، ليس حول طبيعة هذا النظام، بقدر ما يحاول تقصّي جواب على: هل ما ارتكبه يمكن التحقيق فيه – أو في بعضه – في إطار اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية لعام 1948؟ وهل طرح هذا السؤال مشروع اليوم، من وجهتين حقوقية وسياسية؟

الأكيد أن النظام السوري مارس بطشه وجبروته بحق مختلف قطاعات وشرائح وطوائف الشعب السوري، وفي مقدمتها المعارضون العلويّون أيضَا (والرفاق البعثيون)، ومن خلال عقود من الإرهاب المشين (العابر للحدود). لكن جانبًا أساسيًا من حربه هذه، كان ضد مكوّن طائفي – سياسي أكثر من غيره (أو ضد جماعة سياسية طائفية في حال القانون رقم 49 لعام 1981) … وما تكشفه بعض وثائق الاستخبارات السورية اليوم، عن استهداف روّاد المساجد، وأصحاب اللحى، (وكله معروف كان)، هو أحد العناوين الفرعية لهذا الفصل الدّامي.

ومن غير المرجّح أن تكون منظمات حقوق الإنسان العالمية، التي سبق أن أصدرت تقارير مهمة بشأن الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري، أجرت تحقيقات ضمن هذا الإطار. وفي جواب على سؤال “القدس العربي” بشأن ما إذا كانت المنظمة أجرت تحقيقًا في جرائم نظام الأسد بالاستناد إلى اتفاقية مكافحة الإبادة لعام 1948، يقول أحمد بن شمسي، المتحدث باسم قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، إنه لم يحصل ذلك. أما “منظمة العفو الدولية”، فلم تجب على سؤال “القدس العربي” حتى وقت كتابة هذا التقرير، وهو سؤال يبقى مفتوحًا.

وعموما، الأسباب التي تدفع إلى عدم النظر في هذه الاتفاقية كأساس محتمل لأي تحقيقات في جرائم النظام – أو بعضها – تمليها طبيعة الاتفاقية نفسها التي تحدّد شروطًا واضحة لأعمال “الجينوسايد” (Genocide). ووجب التفريق بداية بين المعنيَين المختلفين لتعبير “الإبادة” في اللغة العربية مقابل اللغة الإنكليزية، أي Genocide وExtermination، وهما كلمتان بتفسيرين مختلفين.

الأساس القانوني الغائب؟

ويشرح الباحث في المعهد العربي في واشنطن، الدكتور رضوان زيادة، لـ”القدس العربي”، أن المانع القانوني الأكبر الذي يحول دون تطبيق الاتفاقية هو اعتبار أن النظام لم يستهدف فئة من دون غيرها بشكل خاص.

ويعرض مثالًا: “الحجج المضادة هي أنه يعيش مليونا سنّي في الساحل. فلماذا لم يقتلهم؟ هذا يضعف القاعدة القانونية”.

ويعتقد باحثون سوريون أن إحدى الإشكاليات تتعلق بتعريف جريمة الإبادة الجماعية، وأن هذا قد يكون قصورًا في الاتفاقية، التي تحدّد الإبادة الجماعية فقط بالتي تلحق بمجموعة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية إثنية عرقيّة أو دينية، وبصفتها هذه، في حين كان لدى نظام الأسد حلفاء ومأمورون من الطوائف المختلفة (العلمانية الأسدية).

في حالات أخرى شهدت سوريا تحقيقات في إطار الإبادة الجماعية.

ففي تقرير بعنوان “جاؤوا ليُدَمِروا: جرائم داعش ضد الأيزيديين” خلصت لجنة التحقيق الدولية المعنية بالجمهورية العربية السورية في حزيران/يونيو عام 2016، إلى أن “ما يسمّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ترتكب الإبادة الجماعية ضد الأيزيديين”. وصدرت أحكام في بعض الدول الأوروبية كذلك بحق أعضاء في “داعش” أدينوا بارتكاب هذه الجريمة.

إلا أن حالة “داعش” مختلفة عن حالة النظام السوري، لأن التنظيم الجهادي الإرهابي استهدف جماعات بعينها، وبنيّة معلنة هي تصفية وجود الجماعة بذاتها، في حين أن نظام الأسدين استهدف كلّ الذين لم يخضعوا له، وبيئاتهم الحاضنة العاصية (مجزرة حماة 1982).

ويرى باحثون في الشأن السوري، أن إشكاليات تطرح نفسها وتحتاج إلى تقصّ أكبر.

ويذكّر رضوان زيادة، بالعوامل التي تحدث عنها في كتابه “تدمير سوريا.. كيف نجحت استراتيجية الأسد أو نحرق البلد”، ومن بينها “الاستخدام المكثّف لسلاح الجو، واستخدام ما يسمى الجرائم ذات البعد الطائفي على خطوط التماس الطائفية في سوريا كمثال حمص، وحماة، أو ريف دمشق” وهي “الجرائم ذات الأساس العرقي أو الطائفي. التي تسبب الرعب للسكان فيهربون”.

وفي هكذا حديث، ربطٌ مع عمليات تطهير عرقي محتملة قام بها نظام الأسد في مناسبات عديدة، والدراسات متوفرة في ذلك ويتحدث بعضها عن نيّة التهجير المسبقة المتوفرة لدى النظام.

التهجير المنظم

وينقل موقع “ميدل إيست آي” في أيلول/سبتمبر عام 2016 عن تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أن “49 من أصل 56 مجزرة طائفية أو عرقية موثقة بين عامي 2011 و2015 ارتُكبت من قبل القوات الموالية للنظام”. وصدر هذا التقرير بعد أسبوع من استسلام منطقة داريا في ريف دمشق إلى قوات النظام، بعد حصار وتجويع وقصف استخدم فيه سلاح الجو على مدى أربع سنوات، وأدى إلى انخفاض عدد سكانها من أكثر من ربع مليون إلى 4.000 فقط حسب تقرير الموقع.

كما يشار في هذا السياق، إلى اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2015 الذي قضى بإجلاء المقاتلين والمدنيين من المناطق المحاصرة في الزبداني و”القريتين المؤيدتين النظام” الفوعة وكفريا، مفضيًا إلى تبادل السكان، وعدّه معارضون تطهيرًا عرقيًا أو طائفيًا. وسيضع النظام فيما بعد تشريعات تعرقل عودة السوريين، كالقانون رقم 10 لعام 2018.

ويتيح هذا القانون للحكومة تحديد مناطق إعادة التطوير، ويطلب من مالكي العقارات إثبات ملكيتهم خلال فترة زمنية محدودة.

وفي مثال على تطبيقه، ستشير “هيومن رايتس ووتش” في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018 إلى إنفاذ محافظة دمشق هذا القانون في منطقة التضامن، في دمشق، فتنقل عن النشطاء “أن السكان لن يُسمح لهم بالعودة إلى المنازل التي تعتبر غير قابلة للسكن”. وعمليا سعى النظام لمصادرة أملاك النازحين والغائبين والتصرف بها.

ويمثّل التطهير أحد الأسس التي يستند إليها الباحثون في اعتبار أن استهداف نظام الأسد لمعارضيه كان يجري أيضاً على أساس طائفي (أو “جغرافي طائفي”).

وعمل إعلام النظام منذ بداية التظاهرات في سوريا، على شيطنة “مناطق المعارضة” وشيطنة الثوار، ونزع الإنسانية عنهم من خلال ضحّ هائل من التوصيفات، فهم: الإرهابيون والتكفيريون والمتطرفون وعملاء إسرائيل وأمريكا والخليج وغير ذلك. وبالموازاة، كانت سرديّات أكثر شعبية تنتشر عند المليشيات الحليفة للنظام، تتخذ طابعًا طائفيًا – دينيًا بتصوير الصراع كاستمرار للنضالات التاريخية المذهبية.

“القدس العربي” تحدثت حول عدد من هذه الأمور مع توماس بييريه، الباحث الأول في “معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي” (IREMAM) وهو وحدة مختلطة بين “جامعة آكس – مارسيليا” و”المركز الوطني للبحث العلمي” (CNRS).

كليشيه “الاستهداف السياسي”

ويقول بييريه: “كما تعلم، الكليشيه الذي يقول إن النظام السوري كان يستهدفك إذا كنت معارضًا، ولأنك من مجموعة معينة من السكان، لا يتناسب مع الواقع. فنحن ندرك أنه في بعض المدن، وخاصة في المناطق المحيطة بدمشق وحمص والساحل، هناك العديد من الحالات التي قُتل فيها الناس على أساس طائفي بحت، بمعنى أنهم كانوا من مدينة معينة، ثم قُتلوا”.

لكنه يستدرك “بالطبع لا يمكنك القول إن النظام كان يستهدف السنّة بشكل عام (…). كان هناك العديد من الجنود السنّة والكثير من الوزراء السنّة والعديد من كبار الموظفين المدنيين”.

ويقول إن عددًا من الأحداث التي حصلت حول دمشق، كما في معضمية الشام، وداريا، أو طرطوس، شهدت نوعا من التطهير العرقي بهدف إخضاع مناطق معينة تُعتبر حاسمة لأسباب عسكرية.

وينوّه بييريه بأن النظام عمد إلى اعتقال بعض العلويين وقتل بعضهم، “لكن ذلك كان دائمًا بناءً على آرائهم الفردية وأفعالهم”، مشيرًا إلى اختفاء الدكتور عبد العزيز الخيّر المعارض السوري الكبير، الذي يتحدّر من بلدة الأسد نفسه، و”لكن ذلك كان بناءً على ما فعله وقاله وفكّره. تم التحقيق في قضيته، ثم قرروا أنه يجب أن يختفي، لكنهم لم يدخلوا إلى قرية علويّة ويصفّوا 20 شخصًا على الجدار ويقتلوهم. لم يفعلوا ذلك، كان هذا مخصصًا للسّنة”.

ويخلص بييريه إلى أن حالة العنف الطائفي، “لا أعرف إذا كان يمكن تسميته إبادة جماعية، ولكن، كما تعلم، حجم ذلك، والنمط المتبع في العنف، يجعلني أتفكّر”.

مجزرة الكيميائي

إلا أن الدكتور رضوان زيادة، يرى في حديثه مع “القدس العربي” أنه يمكن التحقيق في الاتهام بـ “الجينوسايد” في حالة معينة على الأقل، وهو استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية عام 2013.

ويضيف شارحا أسبابًا رئيسة لذلك، الأول أن تقريرَي الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يتحدثان عن أن النظام استخدم هذا السلاح لإلحاق أكبر إيذاء ممكن بالمدنيين في المنطقة.

“استخدم كمية مكثّفة جدًا من غاز السارين لم تُستخدم أبدًا من قبل. والأمر الثاني أنه لما أطلق هذه الأسلحة، فعلها في وقت الصباح، في الساعة الرابعة صباحًا. فهو يعرف تمامًا أنّ الكل نائم، وبالتالي الهدف هو إلحاق الضرر الإيذاء الأكبر.

والعامل الثالث أن الناس عندما سمعت أنه يوجد قصف صاروخي، اتجهت إلى الطوابق السفلية، لعدم معرفتها بطبيعة الحال أن المستخدم هو سلاح كيميائي”.

ويعتقد زيادة بتوفّر عوامل معنوية ومادية، لفعل “الجينوسايد”، و”العوامل المادية مثبتة، لكن العوامل المعنوية، يجب إثباتها، أي إثبات نيّة النظام في ارتكاب “الجينوسايد”.

ويرى أنه مع هذه “الإرفاقية” التي تُثبت نية النظام، نظام الأسد باستهداف المدنيين، يمكن الاتجاه نحو غرفة خاصة على مثال ما جرى في البوسنة والهرسك.

ومن الواضح أن إثبات النية فيما يتعلق بارتكاب “الجينوسايد” من قبل نظام الأسد يشكل أحد الموانع القانونية.

ونسأل زيادة، عن مثال مجزرة قرية البيضا (أيار/مايو 2013)، وكذلك تصريحات “معراج أورال” (أو علي كيالي كما يسمي نفسه)، قائد ما يسمى المقاومة السورية المؤيدة للأسد (الجبهة الشعبية لتحرير لواء الإسكندرون) التي دعا فيها إلى تطهير بانياس، وقال في فيديو على الانترنت (2013) “أنا أعني ما أعنيه والبدء بالتطهير (…) المقاومة السورية عنوانها التطهير والتحرير”.

ويفرّق زيادة في تعليقه على ذلك بين “خطاب الحرب”، و”الأساس القانوني للاتهام”. ويقول “نعم، خطاب الحرب هذا موجود للأسف، وكان موجودًا عند بعض فصائل المعارضة للأسف”، وهو “موجود عند معراج أورال وغيره”.

ويشير إلى صعوبة “إثبات العلاقة المباشرة بين خطاب هذا الشخص وما نُفذ على أرض الواقع”.

لكن زيادة يستدرك قائلًا “نعم، قد تتغير الأمور الآن مع سيطرة المعارضة عسكريًا، وسيطرتها على ملايين الوثائق المكتوبة وربما التسجيلات الصوتية، فربما تخرج أدلة تثبت نيّات النظام بارتكاب مثل هذا النوع من الجرائم”.

الإبادة السياسية

ومع الإشكاليات التي يطرحها تطبيق اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية على ارتكابات نظام الأسد، يرى الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، ضرورة البحث في الإبادة السياسية التي حصلت في سوريا.

واستخدم الحاج صالح هذا المفهوم في كتابات سابقة له، ومن بينها مقال نشر في “القدس العربي” في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، في حين قال قبل ذلك بسنوات إن “في القول إن نظام الأسديين في سوريا دكتاتوري خطأ كبير”، وإن “دولة الأسدين قائمة على الإبادة وليس على القمع، وبهذه الصفة هي مشكلة إنسانية وليست مشكلة سورية حصراً”.

ونسأل الحاج صالح بعد سقوط نظام الأسد عن ذلك، فيشرح أن مفهوم الإبادة السياسية سبق أن أثير من جانب باحثين مثل روبرت غر وباربرا هارف في ثمانينات القرن الماضي، كاستدراك لمفهوم “الجينوسايد” للأمم المتحدة عام 1948.

فتعريف “الجينوسايد” في الأمم المتحدة يغفل مفهوم “الجماعات السياسية”، كإبادة أعضاء حزب سياسي بالكامل.

ويقول لـ”القدس العربي” إن المثال الذي استخدمه الباحثون في حالة إندونيسيا “هو الحزب الشيوعي الإندونيسي الذي قُتل نصف مليون على الأقل من أعضائه (مذابح 1965-1966)، وربما مليون”، و”تم استهداف هذه الجماعة لكونها هي من هي سياسيا”.

وهذه المذابح في إندونيسيا، تبقى اليوم غير خاضعة لاتفاقية مكافحة الإبادة، لا في المحاكم الدولية ولا في المحاكم المحلية، رغم النقاش الذي لا يزال مفتوحًا.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عقدت “محكمة الشعوب الدولية لجرائم 1965 ضد الإنسانية في إندونيسيا”، جلسات في لاهاي، وخلصت في تموز/يوليو 2016، إلى أن المجازر “كانت تهدف إلى إبادة جزء من السكان ويمكن تصنيفها كإبادة جماعية”.

وهذه الهيئة المستقلة أسّسها رسميًا في عام 2014 نشطاء حقوق الإنسان والأكاديميون والمنفيون الإندونيسيون ردًا على “غياب عملية رسمية محلّية للعدالة الانتقالية المبنية على البحث عن الحقيقة”.

ثم عاد عالِم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلنغ لاستحضار مفهوم الإبادة السياسية في حالة فلسطين، وإن يكن نسب الأمر لرئيس الوزراء السابق آرئيل شارون “ولا أرى ذلك وجيها”، يقول الحاج صالح.

ويضيف الحاج صالح لـ”القدس العربي”: “المشروع الصهيوني هو الإبادة السياسية للفلسطينيين. ونحن السوريون تعرضنا للإبادة السياسية بالمعنى الواضح للكلمة”، “حُطمنا وقتلنا سياسيا، دون أن يعني ذلك أنه قتلنا فيزيائيا”.

ويذكّر بأن المنظمات اليسارية وغيرها حُطمت وقُتلت في الثمانينيات والتسعينات، “وبخصوص الإسلاميين قُتلوا بالألوف.. 15 ألفا أو أكثر. هذا عدا عن مجزرة حماة ومجزرة تدمر في صيف 1980، ومجازر متنقلة في الثمانينيات، وهو ما تحدث عنه ميشال سورا”.

لكن الحاج صالح يعتقد كذلك، بأنه توجد وجهة لاستخدام مفهوم “الجينوسايد” نفسه في سوريا.

ويقول لـ”القدس العربي”: “ليس صحيحا أنه لم تُستهدف جماعة بالمجازر وبسوء المعاملة الخاصة وبالتدمير الجزئي أو الكلي حسب ميثاق الجينوسايد للأمم المتحدة. بلى. هذه الجماعة موجودة. وهي العرب المسلمون السنة”.

ويشرح أن “العتبة، عتبة استهداف البيئات المسلمة السّنية من قبل النظام هي أدنى من غيرهم، يعني قتلهم أسهل وما بيعمل مشاكل”.

ويضيف “طبعا هذا المفهوم غير موجود في اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية، أي مفهوم العتبة، واختلاف العتبات. ولقد تحدثت عن النية البنيوية التي لا تتخذ شكل التصريح أي (على سبيل المثال) ننوي قتل اليهود، أو المسيحيين، أو العرب، أو الأكراد، أو السنييّن.. لا. غالبا هي مقصد بنيوي بنية مصممة بطريقة تميز ضد مجموعة، (..) وكل مجازر البراميل بدون استثناء واحدة: استهدف العرب السنييين. كل مجازر الكيميائي بدون استثناء. لم تستهدف آخرين. هذه مجازر النظام”.

وبالمجمل، ينطلق باحثون في الشأن السوري في كل ما يثار، من منبّهات رئيسة، أحدها ضرورة عدم التضحية بالموضوعية والعدالة في الحكم على الأحداث بداعي الخوف من تبعات إثارة هذا “السؤال – الاتهام” على الوحدة الوطنية السورية والوئام الأهلي، وأيضًا من ضرورة أن تكون العدالة مسارًا يؤدي إلى المصالحة الوطنية، وإلى وطن أفضل في سوريا التي تفتقد حتى الآن إلى قوانين تختص بجرائم الحرب وضد الإنسانية.

ويقول رضوان زيادة “لقد تحدثنا عن تصوّر العدالة الانتقالية في سوريا، وحكينا عما يسمى المحاكم المختلطة، التي تضمّ قضاة محليين وقضاة دوليين كما حصل في كمبوديا (الإبادة التي ارتكبها الخمير الحمر). (أدين الخمير الحمر بالإبادة لأنهم، فضلا عن استهدافهم عموم مكونات الشعب، استهدفوا جماعات إثنية بذاتها كذلك)”.

ويرى الأكاديمي السوري المرموق ضرورة تعديل القوانين السورية لتشمل جرائم الحرب.

أما توماس بييريه، فيشدد على ضرورة محاكمة كبار المجرمين، “لأنه إذا لم نتمكن من محاكمتهم (…) فقد يغري هذا بعض الأشخاص في سوريا للانتقام”.

وهذا المسار المشؤوم – الانتقام – الذي يعلن القائمون اليوم على الحكومة المؤقتة بشدّة عن تصدّيهم له، قد يكون هديّة هذا البعض أو البعض الآخر للنظام السابق، وربما التطبيق الفعلي لشعار “الأسد. أو نحرق البلد”، أي الانتقام من سوريا، في وجه المصالحة الحقيقية وبناء المستقبل المشترك وتشريع الأساس القانوني لحماية الناس وللعدالة التي تبقى مساراتها طويلة، ولا تنتهي المساءلة بسقوط نظام أو قيام آخر.

وسوم: العدد 1108