إسرائيل: «حماية الأقليات» وإبادة الفلسطينيين!
بعد أيام من انتصار المعارضة السورية وإسقاطها نظام بشار الأسد تركزت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على موضوع «حماية الأقليات» في سوريا، باعتبار أن السلطات الجديدة تشكل، على عكس نظام الأسد المخلوع، خطرا على هذه الأقليات، وعلى أن إسرائيل هي المدافع عن تلك الأقليات، التي اختصّوا منها الأكراد والدروز.
من ذلك حديث رئيس وزراء إسرائيل، بعد أيام قليلة من فرار الأسد، عن «الحاجة الماسة لمساعدة الأقليات في سوريا» أما وزير الخارجية جدعون ساعر فجعل هذا الأمر موضوعا لمباحثات سريعة مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، والتشيكي جان ليبافسكي، والفرنسي جان نويل بارو، ونظيره القبرصي كونستانتنوس كومبوس.
كان لافتا، في هذا السياق، تأكيد ساعر في اتصالاته تلك على أن «إسرائيل لا تتدخل في الصراع الداخلي في سوريا» وذلك في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يشن مئات الغارات التي دمّرت مجمل قدرات الجيش السوري، والتوسيع لرقعة احتلالها لأراض سورية، ومواجهتها لاحتجاجات السوريين بإطلاق الرصاص عليهم.
مثل بقية بلدان المشرق العربي، يعكس الاجتماع السوري تنوعا قوميا ودينيا يضم طائفتي الإسلام الكبيرتين، الشيعة والسنة، وطوائف تقع تحت المظلة الإسلامية مثل الدروز والعلويين والإسماعيليين، ومسيحية كالأرثوذكس والكاثوليك والموارنة، وجماعات إثنية كالأكراد والأرمن والشركس والآشوريين.
تضمنت أحاديث المسؤولين الإسرائيليين الدروز (لأسباب داخلية في إسرائيل) ولكن رغم «الحماية» التي تدّعيها إسرائيل للدروز الموجودين تحت سيطرتها فإن سياسات التخطيط والأرض الرسمية بحق الدروز هي ذاتها بحق السكان العرب، فإسرائيل تحاصر قراهم وتهددهم بالهدم ومئات البيوت في كثير من البلدات دون كهرباء وخدمات وهناك غرامات على بناء البيوت، ورغم مشاركة نواب دروز في ائتلافات حكومية فما زالوا يعانون من قضايا الأرض ومشاكل التعليم وانعدام بنية اقتصادية عصرية، وجاء قانون القومية في الكنيست لتقول لهم إنهم ليسوا جزءا من «الدولة اليهودية» وأنهم مرشحون مثل العرب الفلسطينيين لفقدان مواطنتهم، ومن احتج منهم ضد الظلم طُلب منه «الرحيل إلى سوريا».
الواقع أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تركزت عمليا على «ضمان أمن الأقلية الكردية في سوريا» وهي تصريحات تقصد، في الحقيقة، وجود حزب العمال الكردستاني التركي، الذي قام النظام السوري، مع بداية اندلاع الثورة ضده، بتسليمه مناطق كبيرة من سوريا لفصل الأكراد عن الثورة العامة ضده، ولاستخدامه كقوة تقف في وجه تركيا، التي تعتبره تنظيما إرهابيا.
تشير الرطانة الإسرائيلية الجديدة حول «الأقلية الكردية» إلى التطوّر الذي حصل في حزب العمال الكردستاني نفسه، الذي تحوّل من العداء لإسرائيل إلى العداء لتركيا، وانضاف إلى ذلك دوره المستجد في الصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو دور جعله جزءا من أدوات المنظومة العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق.
يعيد شعار «حماية الأقليات» ذكريات خطيرة لفترة الجهد الأوروبي للقضاء على الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، والذي أججت فيه الدول الأوروبية أشكال الصراع الطائفي والمجازر، فقام الكاثوليك في دمشق بمذبحة لليهود عام 1840، ثم تعرض الكاثوليك لمذبحة على يد الدروز والأكراد، وانتقلت الحرب الأهلية إلى جبال لبنان.
تفسّر هذه الوقائع سياسات دولة الاستيطان الإسرائيلية باعتبارها استمرارا خبيثا لسياسات الاستعمار القديم، ولكنّها، من جهة أخرى، تبدو مثل كوميديا سوداء حين ينظر إليها في إطار التطهير العرقي والإبادة الجماعية الجارية للفلسطينيين، الذين لا يدخلون، في حسابات العالم، كأقلية مهددة بالاستئصال ولا أحد قادرا على تأمين الحماية لها.
وسوم: العدد 1109