نساء ديمستورا في مواجهة أمهات الشهداء وزوجاتهم وبناتهم

ولا بد لي بين يدي هذا المقال من ثلاث مقدمات قصيرات جدا..

فأجيب الاخوة الذين سألوني بأساليب مختلفة: أنت مع أو ضد؟! فأقول أنا وأعوذ بالله من تضخم الأنا، مع المع. ولو لم يكن في هذه الخطوة المباركة غير الإفراج عن هؤلاء المعذبين من السوريات والسوريين المعتقلات والمعتقلين لكفى…

والمقدمة الثانية هي أنني في كل ما أكتب وأحاور، ليس لي إرْب فيما يتنافس عليه المتنافسون، ولا أعيب أحدا في ذلك. ومن باب الإعذار والإبراء والإشهار، بعد أربعة عشر عاما من عمر الثورة، لا يقل لي أحد أنني شربت كأس شاي واحدة من حسابها… تشكلت بالأمس اللجنة التحضيرية لما سمي المؤتمر الوطني العام، وكل من فيها يعجبني ويمثلني ويرضيني، وما سأطرحه بعد قليل، لا يصادر هذا الإقرار… ومن حق غيري أن يكون له رأيه، ولا أحجر على الناس!!

والمقدمة الثالثة وأنا خلفيتي الإسلامية الإخوانية معلنة مشهورة، ولكنني في كل ما أطرح أو طرحت منذ 2013 أعبر عن رأيي وشخصي، ولا غرو أن أكون في كل ذلك معبرا عن سواد عام من كل السوريين أنتمي بطريقة أو بأخرى إلبه..

يعجبني أن في صداقاتي مع كل السوريين زهر متعدد الألوان…

وأعود إلى مقالي اليوم حيث ما زلت منذ أيام وتحديدا منذ إعلان الهيئة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام، والتي عبرت منذ قليل عن رضاي عنها؛ ما زلت أتلقى رسائل من سوريات غاضبات يسألن عن مكانهن في المعادلة، وهن إما أم شهيد أو زوجة شهيد، أو بنت شهيد.. يعني هن إما ثكلى أو أرملة أو يتيمة، وكل واحدة دفعت في نصرة هذه الثورة دما عزيزا غاليا، ويسألنني على أمل رجع الجواب: أستاذ زهير أين نحن من كل ما يجري…؟؟!!

وأراني سأرجع بالجواب عليهن مع الاعتذار وأتذكر في حضرتهن جميعا قول أحمد شوقي:

وما نيل المطالـــــب بالتمني

ولكن تؤخذ الدنيا غلابـــا

هذه حقيقة من حقائق الوجود الكبرى.

وكنت عندما زرت الجنوب التركي في أنطاكية والريحانية وعينتاب في 2013.. التقيت بجماهير منهن، وذكرتهن، ودعوتهن إلى تشكيل جسم نسوي وطني سوري يكون سواده من باذلات الدم وحاملات الهم.. ليثبتن وجودهن في الساحة، وقطعت معهن خطوات، وقدمت لهن برنامج، ثم اختطف مسيرتهن مختطفون، وأشغلوهن بغير شغل، ودخلوا بهن غمار قيل وقال..

ثم صدمتنا تركيبة ما سمي "نساء ديمستورا" في 2016 أتذكرون أو أتذكرن؟؟!

وعدنا معا، أطرح عليكن وأناشدكن وأزين لكن أن تتوحدن أنت رابطة الثكالى والأرامل واليتيمات تدافعن عن حق ابن وزوج وأب..

وما زلت أسمع منكن أنتن بجمعكن وعودا منمنات، ثم نعود إلى حكاية سميرة ونميرة من جديد.

منذ شهرين فقط كنت في جمع منكن وأعدت الطرح وأعدت التنويه والتذكير، محاولا بعث الهمة وشحذ العزيمة والدعوة لأن يكون لكنّ ما يكون لكل التجمعات البشرية الرائدة، من جسم وطني له حضور، وله رؤية وله رسالة، وفي صفوفه رائدات وعاملات ومضحيات، وأجمل ما في مشروعه أنه يتجاوز مشروع "البرقع وأحمر الشفاه"

مشروع نسوي وطني سورية تتركز رؤيته الأولى على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" والشقيق في كتب اللغة ما اشتق طولا، وليس ما قطع عرضا. وقوله تعالى (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) والدرجة يمكن أن تكون نهضتها ربع ذراع وليست سبعة أذرع.. درجة مؤسسة في على قاعدة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وفي إطارها…

أنا لا أحرض على تمرد، ولست حريصا عليه، وأنتن اللواتي تكتبن إلي، وعلى من طرق الباب أن يسمع الجواب…

اسمعن أخبركن كنت قرأت في الفقه المالكي كتابا جميلا عنوانه "تبصرة الحكام" لقاض فهيم زكي أريب اسمه على ما أذكر "ابن فرحون" يميز فيه في الأحكام بين ما يدعوه المرأة "المجللة والمرأة البَرِزة"

فالأولى هي المرأة التي تأبى أن تكون خراجة ولاجة تبقى حلس بيتها تؤثر جلبابها وقناعها وعقر دارها.. فيفرض لها أحكاما، ويقول ولو أرادها القاضي لأداء شهادة لوجب عليه أن يرسل إليها من يسمع منها في بيتها…

وأما الثانية فهي المرأة "البَرِزَة" التى تحرث الحقل، وتعمل في السوق تبيع وتشتري، وتأخذ وتعطي، وتخاصم في حق، وتجادل في آخر، فتلك المرأة البرزة، التي تحضر المجامع، وتشهد المشاهد، وتنافح عن الحقوق، فإن كنتن تردن فهذا سبيلكن.. وإلا فلا تعتبن…

مثل جميل تعلمته من إخواني في دير الزور في هذه الغربة الطويلة، يقولون: "فلان يريد أمه ويريد حلب… " ما يصير عيني ما يصير..

الصحابيات الكريمات اللواتي كن يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كن يداوين الجرحى ويسقين العطشى هل لديكن تصور كيف يحمل الجريح من الميدان، وكيف يقدم له الدواء، نفذن دورة تمريض محدودة أو مفتوحة…

قرار أساسي تملكنه حسب تقرير القاضي المالكي ابن فرحون: مجلله أو برزة.. تعرفن في حلب نقول عن المجللة المستنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن البرزة: أنا وامرأة سفعاء الخدين في الجنة كهاتين، ويعرض الوسطى والسبابة، ويقصد بسفعاء الخدين امرأة أكلت نضارة خديها الشمس والضح والريح، وهي في عمل وكد…

أنا لا أحرض واحدة منكن على صير أمر، ولكن أدلكن على الطريق الذي تسألنني عنه فقط ..

وأرجو الله فيما أفعل..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1116