رئيسة المكسيك: يهودية تنتظر تهمة العداء للسامية

قبلت رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم أوراق اعتماد السيدة نادية رشيد سفيرة لدولة فلسطين في المكسيك، ونشرت السفارة الفلسطينية في نيو مكسيكو صورة للمناسبة أظهرت شينباوم وقد ارتدت ثوباً مشابهاً للزي الشعبي والفولكلوري الفلسطيني. ورغم أنّ الرئيس المكسيكي السابق أندريس مانويل أوبرادور كان السباق إلى ترقية التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني من صفة المفوضية إلى السفارة، فإنّ مثابرة شينباوم على النهج ذاته تكتسب طابعاً خاصاً وتحمل دلالات هامة مختلفة.

ذلك لأن فوز شينباوم، في حزيران/ يونيو الماضي وبمعدل تفوّق على منافستها سوتشيل غالفيز بلغ 58 مقابل 29 ٪، سجّل سابقة كبرى هي انتخاب أوّل امرأة لرئاسة البلاد منذ استقلال المكسيك سنة 1821. كما صنع سابقة أخرى على صعيد بلدان أمريكا اللاتينية، في كون شينباوم يهودية الديانة لأجداد أبيها اللاجئين من لتوانيا في عشرينيات القرن المنصرم، وأجداد والدتها المهاجرين من بلغاريا قبيل الهولوكوست.

لكن الجاليات اليهودية في المكسيك لم تصوت لصالح شينباوم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة واختارت التصويت لمنافستها، ليس لأن انحياز الجاليات يذهب عادة إلى يمين الوسط عموماً فقط، بل كذلك لأن مواقف شينباوم انطوت على تعاطف واضح مع الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه عموماً، ومع أهل قطاع غزة خصوصاً. ويستذكر يهود المكسيك رسالة شهيرة نشرتها شينباوم سنة 2009 في صحيفة «لا خورناذا» أعربت فيها عن الفزع إزاء مشاهد القصف الإسرائيلي للقطاع، ورفضت أي مبرر لقتل المدنيين الفلسطينيين، وضمت صوتها إلى «الملايين في العالم للمطالبة بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية الفوري من الأراضي الفلسطينية».

دلالة أخرى خاصة هي أن المكسيك واحدة من أكبر البلدان المسيحية في أمريكا اللاتينية، بنحو 100 مليون من الكاثوليك و14 مليوناً من البروتستانت، ومع ذلك انتخبت رئيسة للبلاد بصرف النظر عن ديانة أسلافها اليهودية أولاً، ومع درجة قبول عالية لمواقفها المؤيدة للشعب الفلسطيني ثانياً، إذ كانت توجهات شينباوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقدمية هي الفيصل في صعودها، ابتداء من رئاسة بلدية العاصمة وحتى الفوز بالمنصب الأعلى.

وليست ضئيلة الشأن دلالة ثالثة تخص توقيت قبول أوراق اعتماد السفيرة الفلسطينية بعد أيام قليلة أعقبت استئناف دولة الاحتلال حرب الإبادة والتجويع والتهجير والعقاب الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة. ويصعب أن ينفصل مغزى الواقعة الأخيرة عن مواقف سابقة للحكومة المكسيكية، كان تتويجها الأوضح انضمام المكسيك إلى دعوى جنوب أفريقيا المرفوعة ضد دولة الاحتلال في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم الحرب والإبادة في القطاع.

وإذا كانت شينباوم قد تعرضت خلال حملات انتخابية سابقة لهجمات من خصومها اتخذت وجهة العداء للسامية والغمز من الأصول اليهودية لأجدادها، فإنها اليوم في مرمى اتهامات مماثلة على خلفية مواقفها المساندة للشعب الفلسطيني، مع فارق أنها تصدر هذه المرّة عن مجموعات ضغط يهودية مناصرة لدولة الاحتلال.

وليس هذا النهج بجديد، إذ طال مراراً ساسة ومفكرين ومؤرخين يهوداً، لأنهم اختاروا صفّ الحق والعدل وإنفاذ القانون الدولي.

وسوم: العدد 1121