لنعترف.. أنهم اتفقوا على حسابنا ..
عقاب يحيى
منذ أزيد من عام كانت الأعذار والحجج التي يرفعونها تبريراً لعدم اتخاذ مواقف حاسمة.. فتمايلنا معها، وبظن البعض أنها حقيقة فعلا، وأنه يمكن تقديم ضمانات لهم... تؤدي إلى "تطمينهم".. عساهم يجودون ببعض عطاياهم علينا.. فكثر شحّاذ المساعدات، وعديدهم اتخذ العواصم وسفرائها مقراً.. وهدفاً، وارتكازاً,, وازداد صراخ : لله يا محسنين .. والمحسنون يميلون برؤوسهم، أو يهزونها، أو يبتسمون ويمشون ..ثم يكثرون من التصريحات القوس قزحية.. التي وُجد دوماً من يفسرها فينا لصالح أوهامه، وتركيبته . ورهاناته الاتكائية ..
ـ البداية كانت : حماية الأقليات.. ورغم اندهاش الكثير من هذه الذريعة.. وأية أقليات يُراد حمايتها، وكيف؟؟.. والشعب السوري اشتهر بالتعايش والتفاعل، وكانت الأقليات تمارس شأنها كغيرها. بل إن بعض الأقليات هي الأكثر استفادة من مجاميع الشعب، و باسمها يمركز حكم الطغمة وجوده، وباسمها يمارس حقد الفجور..؟؟....وهل يعكس هذا الشعار حرصاً فعلياً أم أنه اتجاه لتكريس التقسيم، وترسيم مقولة الأقليات والقوميات والإثنيات ؟؟...
ـ ولأن الهيئات القائمة لم تك"فاضية" لدراسة واقع المكونات ـ الأقليات ـ الكريمة وغيرها ـ كما كان يُفترض.. لتحقيق انخراطها، واختراق كتلها الصلبة.. اتجهت للأسهل، والأسهل تمّ اختصاره بالمجيء ببعض الوجوه من "أبناء الأقليات" ووضعها في الواجهة.. وكفى عملاً.. وبحثاً عن اسباب تماسك الطغمة، وعن مفاعلات التطويف والتحشيد.. بل وموقع هؤلاء .. ودورهم.. وصياغة خطاب وطني جامع يرفض المحاصصات وشرخ الوحدة الوطنية..
ـ وانبثقت القصة الثانية : الإرهاب.. هوّلوا فيه وكبّروا . نمّوا وشجعوا ثم وضعوه في وجهنا مصدّاً..وذريعة..حتى بات واقعاً..
ـ نعم.. وبإرادة وتخطيط مجموعة من الدول، وأمام فظائع الطغمة وحروبها الإبادية والفئوية، وتخاذل مواقف المجتمع الدولي..وانعكاساً لردود فعل متعاظمة.. وجد التطرف تربته الخصبة.. والتقت اجهزة مخابرات دول عديدة لتصديره، ودعمه، ووضعه في مواجهة الثورة، كحالة سرطنة تنشر المرض القاتل بأسلحة لا تقوى الثورة على مواجهتها.. فبات اسلحة بعدة وجوه..وخطراً ماحقاً على جوهر الثورة ومبادئها.. وغاياتها..
ـ وكانت ثالثة الأثافي : الكيماوي.. حين بدأت المطالبات خجولة، من تحت الطاولة.. ثم سرعات ما اصبح الكيماوي البند الأول في جميع لقاءاتهم مع وفود الإئتلاف والمعارضة.. وكأنه بيت قصيدهم الباحث عن إنشاء منظومة شعرية كاملة يعرضونها في عكاظهم، ثم يوزعون الجوائز..وأنهم لا يهدفون سوى الوصول إليه هدفاً رئيساً..
ـ واستخدم القاتل الكيماوي.. وكان ذلك تطوراً نوعياً.. في حين انه مارس جميع وسائل القتل الجماعي بكل الأسلحة التي يملك..وكأنهم كانوا ينتظرون " تورطه " باستخدام السارين كي يشحذوا اسلحة اتفاقاتهم، ويظهرونها للعلن : اتفاقاً شاملاً قد يكون يالطا جديدة.. ولمَ لا، ومن يمنعهم؟؟....بل ومتى كانوا غير ذلك في تاريخهم؟؟.. ومتى كانت حريات وقضايا الشعوب تحركهم ؟...
ـ في غمرة الحماس.. الذي وصل حدّ العرس لدى البعض بقادم الضربات/الحتمية / تاهت التخوم.. وزغرد الانفعال للقبول بتدمير السلاح الكيماوي السوري.. وكأنه انتصار للثورة السورية، وكأنه أحد مطالبها.. وكأنه ليس ملكاً للدولة السورية دفع شعبنا كلفته من معاناته ولقمته.. وكأنه لا توجد لدينا أرض محتلة وعدو تاريخي اسمه إسرائيل تحتل جزءاً من أرضنا..ومن خلفه صهيونية عالمية نافذة، ومؤثرة في صناعة القرار والرأي العام العالمي..
ـ وظهر جلياً أن الذي يهمهم : تدمير السلاح الكيماوي ووضع اليد عليه.. وليس غيره بتاتاً..فركلوا الشعب السوري وتضحياته.. وكي يغسلوا ما تبقى من حياء شكلياً راحوا يتغنون بقصة الحل السياسي وجنيف.. بشروط مبهمة، ومواقف غير واضحة من القاتل وبقائه، ومشاركته، أو معاقبته، أو إبعاده.. بل اضافوا إيران شريكاً في التهام بعض"جثة" بلدنا.. ونسوا ـ قاصدين ـ في قرارهم الأممي معاقبة المجرم الذي استخدم الكيماوي لإدخالنا متاهات التفتيش ولجانها.. والترتيبات، والمواعيد.. والقبول والرفض.. والتلويح بالبند السابع، والغزل العفيف وغيره مع الطغمة ورعاتها..في حين أن إبهامهم سيفاً جديداً يُحدث المزيد من الشرذمة في أوساط الثورة والمعارضة، ويمنع التوصل إلى توافقات فيها حول الممكن في الحل السياسي، وشروطه، وحول قواعد تعديل ميزان القوى على الأرض، وإمكانية توحيد العمل المسلح.. وقابلية إعادة الثورة لوجهها الأصيل وشعاراتها المنشأ والهدف : دولة مدنية ديمقراطية للجميع ..
ـ نعم.. هي صفقة كبيرة لا يستطيع أحد تغطيتها بأي غربال من تسول مواقف مؤيدة من قبلهم ، أو تبرير، أو تفسير شكلي.. وهي حقيقة قاسية، لكنها واقع يفرض على المخلصين لشعبهم ووطنهم. المؤمنين بالثورة وأهدافها ـ وليس أية امور أخرى ـ ان يتدارسوا هذا الواقع كي يستخلصوا الدروس والنتائج، والرؤى والمواقف السياسية المنبثقة من صميم إرادة شعبنا ومصالحه ..بما في ذلك دوافع ومحركات الدول، ونواياها، وآثار اتفاقها على واقع ومستقبل الثورة وبلدنا..
ـ إن دعوة الوطنية السورية لحمل أعباء الثورة.. وعقد مؤتمر وطني جامع لكافة قوى وفعاليات الثورة.. قد يكون مدخلاً وحيداً لمواجهة المفروضات والتحديات.. ووضع الثورة في أحضان اصحابها يتحملون هم مسؤوليتها، ويبدعون الحلول المنبثقة منهم، وليست تلك القادمة على أجنحة الخيال ..والتوسل، والأوهام .