أين زوجي؟؟!!
د. ماهر أحمد السوسي
أستاذ الفقه المقارن المشارك بكلية الشريعة والقانون
غزة-فلسطين
استيقظت على بكاء رضيعها فنهضت من فراشها جالسة وضمته إلى صدرها، نظرت إلى وجهه، تأملته طويلاً وهو منهمك في رضاعته ثم مسحت بإبهامها آثار دمعة بقيت على خده، ما أروع هذا الوجه الصغير، قالت وهي تنظر إلى وجهه وعلى شفتيها ابتسامة الرضا، ثم وضعت الطفلل في مهده، وما لبثت هذه الابتسامة أن توارت عندما نظرت إلى الطرف الآخر من الفراش فلم ترّ زوجها.... ركزّت نظرها في مكانه الفارغ، وتلاشت من عينيها سنة النوم وتبدلت بشيء من الأرق مصحوب بزفرة خرجت من أعماق قلبها، يا ترى أين هو الآن؟
استدارت قليلاً حيث مهد طفلها النائم، نظرت إليه ودمعة تسيل على خدها وقالت: أتذكر يوم أن عاتبته على تأخره؟ أتذكر ماذا قال؟ قال إنه زوج وفيّ، وإن الوقت الذي يقضيه في البيت أطول من الذي يقضيه في الخارج، أتذكر يوم أن قال لي ذلك، وحاول أن يبرر خروجه وسهره بأنه من أجل أن يروح عن نفسه عناء العمل... آه يا صغيري، إن الساعات الطوال التي يمكثها أبوك في البيت ساعتان منهما نوم، وساعتان مشغول بقراءة جريدته ومهاتفة الأصدقاء للتحضير لسهرة الليلة القادمة، ولمراجعة بعض شؤونه الخاصة، أرجو يا صغيري ألا تكون كأبيك...
وبينما هي تخاطب طفلها إذ سمعت طقطقة على نافذة الغرفة، فتيبست في مكانها، وتسارعت دقات قلبها وعلت حتى كأنها طبول حرب، ما هذا الصوت؟ قالت وهي ترتجف ويتصبب عرقها، ماذا أفعل؟ توقف عقلها عن التفكير، أين أنت أيها الزوج الجاحد، صرخت بينها وبين نفسها، وبينما هي كذلك بادرها صوت مواه قطة، فعادت إلى رشدها، آه أنها قطتة الجيران قد نامت على نافذتنا، هدء روعها قليلاً، لكن قلقها وحيرتها اشتدت، وهي تحاول أن تتغلب على هذا الصراع الذي بداخلها، صراع بين الشعور بالحاجة إلى ودّ الزوج وحنانه، وبين الشعور بالوحشة والحدة باستهتار زوجها بها وعدم اكتراثه بحياتهما المشتركة، وبين الشعور بالخوف من أن يكون هذا الزوج قد صاحب أخرى غيرها استنزفت كل وقته... صراع مرير ومنهك، لا تعرف كيف الخلاص منه.
وبعد.
يبدو أن هذا الزوج قد جهل معنى الشراكة في الحياة الزوجية، وجهل أن لزوجته حقوقاً عليه، أو أنه قد آثر نفسه على زوجته، واهتم بإرضاء رغباته هو على حساب حقوق زوجته، ومن ناحية أخرى يحتمل أن هذا الزوج لم يجد في بيته ما يغريه بالبقاء إلى جانب زوجته.
من أجل ذلك كله فإن على هذه الزوجة أن تتحسس الأوقات التي يمكن أن تناقش مع زوجها فيها هذا الأمر، فإذا سنحت لها الفرصة بذلك فإن عليها بلباقة ولطف أن تشعره بأنها محتاجة إلى زوج بجانبها – دون اتهامه بالتقصير – ثم تبيّن له أن أبسط حقوق الزوجة هي أن تشعر بالمودة والرحمة اللتان ذكرهما الله تعالى في قوله: } وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {.
هذا، وينبغي ملاحظة عند خطاب الزوجية وكأن الزوجة قاضٍ يحاكمه، أو بلهجة الآمر الناهي؛ حيث ذلك من الأخطاء التي تقع فيه الزوجات كثيراً وليكون له ردة فعل عكسية.
وكذلك فإن على الزوجة أن تحاول أن تشعر هذا الأب بعلاقته مع ابنه، بأن تضع ابنه بين يديه بعد أن تزينه له، حتى يشعر بالأبوة التي قد تكون حافزاً يبقيه في البيت مدة أطول.
وعلى الزوجة إشراك زوجها في العلاقات الاجتماعية، فتطلب منه أن يزورا أمه مثلاً أو أخته، أو أحد أقرباهما ما بين الفترة والأخرى حتى يتعود على مشاركتها في حياة الأسرة.
ثم إنها لا بد وأن تتحسس نفسها، فلعلها قصرت فيما يدعو زوجها إلى البقاء بجانبها، فلعلها قصرت في زينتها أو في هندامها، أو في بيتها. فتصلح ما غفلت عنه.
وإن لم تستطع هي بنفسها أن تثني زوجها عن تركها وحيدة فلها أن تلكم في هذا الأمر من تربط زوجها به علاقة حميمة، ويكن له زوجها احتراماً، فتلكمه عله يقنع الزوج بترك ماهو عليه.