مشروعنا الإسلامي بين مجتمع الدعوة ... وسلطة الدولة

تأملات دعوية

مشروعنا الإسلامي

بين مجتمع الدعوة ... وسلطة الدولة

زهير سالم*

[email protected]

تقترب الحركة الإسلامية في العالم العربي من فترة الامتحان الأصعب . وحين تتساقط الرؤى العقلية والوعود الوطنية أمام إغراء صفراء السلطة أو بيضائها ؛ فإن من حق الشغوفين بالمشروع الإسلامي أن يبادروا إلى الإعلان عن قلقهم .

ليس من حق أن تنتسب الرؤية العقلية المتوازنة والمطمئنة إلى حالة الضعف أو اليأس ( حصرم حلب ) . ثم إذا لاح برق سقطت كل الضوابط  وتوارى العقل لتحكم الرغبة . إن تجربة القوى الإسلامية في مضمار الربيع العربي – مع الأسف -  لا تزال تضبح في مضمار واحد . وعلى الرغم من قوة الرسائل التي تقرع على السوريين أبوابهم من مصر ومن تونس ومن ليبية ؛ إلا أن التتابع ما يزال قريبا جدا ذراعا بذراع وشبرا بشبر . لا رغبة لدى البعض في استقبال الرسائل وفي الاستفادة من الدروس بطريقة تنعكس على طبيعة الاختيارات . كلهم يقولون : مصر ليست تونس ، ليبية ليست مصر ، سورية ليست كل أولئك . كلهم هنا لا تعني حسني ومعمر وبشار فقط بل تعني آخرين أيضا .

مغناطيس السلطة أقوى وأقدر . وشهوتها أعنف  وأعتى من كل ما تحدث عنه فرويد في عالمي الظاهر والباطن ، الحلم والتعبير ، والمتفجر المتعري والمكبوت المتخفي . وأوديب والكترا أيضا . وحين يعبر القرآن الكريم بتحذير من لون ( فاجتنبوه ... ) أو بنهي من درجة  ( ولا تقربوا ... ) فإنما يفعل ذلك حيث يكون للإثم قوة إغراء وجذب يكاد كل من قاربه ألّا ينجو منه .

ثلاثون شهرا تمر على الثورة السورية والخائضون مع الخائضين على طريقتهم  : تنافس على غير مغنم ، وتقزيم لكبير في مضامير الصغار!!  . يقول بشار بن برد ( هجوت جريرا وأنا ابن عشرين فما رد عليّ ولو رد علي ّ لكنت اليوم أشعر الناس . ) بلاغ .

في قصيدة عبد الله بن المبارك إلى الفضيل بن عياض المشهورة بمطلعها ( يا عابد الحرمين ..) شطر بيت فيه تشخيص غاية في الحكمة والدلالة  . شطر بيت يحمل تشخيصا كاملا لضياع يعيشه اليوم الضائعون المضيعون . يصف عبد الله بن المبارك رحمه الله الجهد في غير محله وإن كان عبادة بإتعاب الخيل في الباطل  :  

( من كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب )

 وإتعاب الخيل في باطل ، أو السعي في غير مسعى ، أو الاشتغال بغير شغل ، أو الضرب في الحديد البارد ، أو استرضاء من لا يرضى أو انتظار من لا يأتي كل هذا هو جل داء الناس اليوم . وفي هذا تبديد للجهد والطاقة من جهة والاندفاع في الطريق المزلة بالزاي ابتداء وربما المذلة بالذال انتهاء من جهة أخرى ..

هل من يشرح لنا ماذا يتوقع المتوقعون من حصاد للمسار الذي يخوضون فيه . وهل سينتظرنا على الطرف الآخر من المخاضة الموحلة ما هو أفضل مما انتظر إخواننا في مصر ، أو ما يعيشه إخواننا في تونس . إن ما جرى في مصر وما يجري في تونس رغم خصوصيته الداخلية له أبعاده المجتمعية والإقليمية والدولية التي لا يمكن لأي فارس حالم أن يقفز عليها . هذا إن بقي للفارس فرس . والذهاب في تصور توقعات المستقبل أو مخرجات السياق الذي يمارس فيه الممارسون هو بعض الرؤية الاستشرافية التي تفرض على العقلاء بكل معطياتها  أن يأخذوا قرارا بالتوقف عن الاندفاع على مدرجة الغرور ..

اليوم لم تعد القضية قضية ( إتعاب الخيل في الباطل ) كما ما زلنا نقول منذ الاندفاعة الأولى للثورة  فقط ؛ بل تعدى الخطر  ذلك إلى تضييع الأهم سعيا وراء ما يظنه البعض المهم ، وهو بكل تأكيد ليس كذلك . هي للتمثيل صورة الأب الذي يترك أسرته في مصر أو الشام رغبة في عقد عمل مغر يعود عليه بوفرة أكثر  ، يظن الأب  أنه يضحي من أجل أسرته ، ويرجع ليرى الشاب قد ضاع والبنت قد فسدت ، ليس من الفقر الذي خافه عليهم  بل من البذخ الذي وفره لهم . من صفحات دروسنا الأولى : ما الفقر أخشى عليكم ...

إن الإنشغال في مضمار الباطل الذي استنفد – حتى الآن – الكثير من الجهد والوقت والمال قد غيّب العاملين أو كاد عن السعي الجاد في مضامير الحق والعمل المثمر الجاد . الحراثة في التربة الخصبة أجدى من الحراثة في البحر . والعمل على العقول والقلوب الندية أولى من نحت الصخر . أو استرضاء من عندنا علم اليقين أنه ( لن يرضى ... ) .

تنبع هذه الكلمات من معين قلق ممض مما يجري على أرض سورية ؟! وما ينتظر الناس هناك . في لحظات سابقة كان السؤال عن البديل للنظام القاتل المجرم يوصف بأنه سؤال المثبطين والمترددين والممشككين والمخادعين ، اليوم السؤال يفرض نفسه بشدة على كل العقلاء . يفرضه بطريقة أقوى حملة المشروع الإسلامي أنفسهم على حملة هذا المشروع من أصحاب القرار فيهم ولك أن تتساءل : ( عم يتساءلون ..)  . يقول بعض هؤلاء نرى ونسمع ونعايش ما لا نريد أن نحدثكم عنه .

 إن مشروعية السؤال لا تعني بأي معنى من المعاني أن نقنع أنفسنا أو من حولنا بمشروعية ما لعصابة القتل والجريمة والفساد والإفساد ، بل تعني قرع الجرس بقوة منبهة على طريق المزلة التي اختار البعض ، والمبادرة إلى سد الخلل الذي أحدثه الغياب الكبير عن الميدان الحقيقي الذي يجب أن يكون أصحاب المشروع الإسلامي قائمين عليه وفيه .

إن غياب الرأس الجامع ، والقلب الواسع ، والمعلم الناصح ، واليد الحازمة قد انعكس على الأرض  في سورية بأفانين من الخلل ليس من الحكمة التوسع في ذكر ألوانها . وإذا كان التطرف هو أكثر ما يهم البعض التخويف منه وهو مخيف بحق فإن فوق التطرف وتحته ما هو أشد خطرا وتخويفا منه ..

جماعة الدعوة التي انتمينا إليها يوما لم تكن حزبا سياسيا . ونرفض أن يقزمها البعض في حزب سياسي . ومشروعنا لم يكن مشروع كرسي في شراكة لا نملك من أمرها وردا ولا صدرا . مشروع دعوتنا قام على حقيقة أن  الإيمان بضع وسبعون شعبة وأن أعلاها لا إله إلا الله .

خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح ونحافظ على مشروعنا الأساسي مشروع الأمة التي انتدبنا ربنا إليه ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ...)

فهل من يعين عليها.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية