التمويه القصدي بين المفهوم و المصداق في نقد المؤسسة الدينية
التمويه القصدي
بين المفهوم و المصداق في نقد المؤسسة الدينية
علي فاهم
تخضع كل مؤسسة تحتوي على مفهومي النظرية و التطبيق الى مستويين من النقد يتناول أحدهما المستوى النظري و الفكري و العقدي الذي تتبناه المؤسسة والفلسفة التي يستمد منها قيمومته الفكرية و متبنياته الايدلوجية , و أخر يسلط الضوء على التطبيق العملي لهذه المفاهيم و مدى التطابق بين الشكل و المضمون بين النظرية و التطبيق أي يحاكم الافراد في سلوكهم الجمعي و الفردي تبعاً لما يتبنونه و يؤمنون به من أفكار و عقائد ,
و في داخل الدائرة الاسلامية يوجد شبه أجماع على صحة التأصيل النصي للنظرية الاسلامية سواءاً كان قرانياً أو نصاً للمعصوم بعد خضوعه للضوابط المتبعة في تصحيح الاحاديث , و تبقى أشكالية نوع القراءة للنص و الرؤية و الفهم التابع للمعطيات الفكرية في خلفية القاريء او المفكر و لكنها لا تخرج عن الدائرة الاسلامية في العموم و في الخطوط العريضة المتفق عليها و تبقى سهام النقد موجهة للجزئيات او للقراءات المتنوعة بتنوع خلفيات من يقرأ و من ينظّر ,
أما المستوى العملي و التطبيقي فهو معرض للنقد بصورة أكبر لأنه خرج عن دائرة التنظير التي تجهد أدمغة الفلاسفة و المفكرين الى مستوى التطبيق العملي لهذه الافكار المتبناة من قبل المؤمنين بها , و هنا تكمن الخطورة فتطبيق الافكار على أرض الواقع يحتاج الى فهم هذه الافكار و هضمها جيداً من قبل القادة العمليين و أستيعاب جميع الحدود و المواقف و طبيعة المرونة التي يمكن ممارستها للوصول الى الاهداف التي نظر اليها واضعوا الفكر ,
و هنا يفرض علينا السؤال التالي هل وقوع الخلل في التطبيق يعني بالضرورة أن الخلل في النظرية و رغم ان الاجابة المنطقية هي النفي الا اننا نقع في كثير من الاحيان ضحية الاحتيال في من يريد ان يعوم الحقيقة و يشوه الصورة في الطرح الاسلامي لنظريته الالهية المتبناة من قبل المسلمين و هذا التشويه يسير في خطين متوازيين أحدهما خارجي و الاخر داخلي ,
فهناك ايادي و قوى داخلية و خارجية تحاول بكل جهدها ان تخلط الاوراق بين المتبنى و المتبني بين النظرية و التطبيق و ان كان هناك افتراق في المصلحة و في الاسلوب و لكن النتيجة واحدة و الضرر على الاسلام و الاطروحة الالهية ,
فالنظرية الاسلامية تقف بقوة و ثبات و على مدى الدهور و العصور و التحديات و التقلبات كمشروع الهي منقذ للبشرية ليوصلها الى بر الامان مواجهاً لكل الاطروحات البشرية الاخرى , حيث ماتت و اندحرت و اندثرت الكثير من الايدلوجيات و النظريات و الافكار لأنها لم تملك مقومات الديمومة أو أنها وجدت نتيجة لضروف وقتية او لمعالجة مشاكل آنية و أنتهت بأنتفاء الحاجة اليها أو لتغير موضوعي أو زمني أو مكاني أو لانقراض المؤمنين بها , فبقاء النظرية الاسلامية يثبت صلاحيتها لكل الازمنة و الامكنة و معالجتها لمختلف المشاكل , لهذا لجأت القوى الخارجية التي تواجه هذا الفكر مبدأ التعويم بين الفكر كنظرية متكاملة و بين من يتبناها شكلا لا مضموناً أي أن سلوكه الخارجي لا يمت لها بصلة لذلك سوق في الاعلام نموذج مشوه للاسلام و للمسلمين و بدء ينتقد الاسلام بصورته المشوهة من خلال النفخ الاعلامي و الدعم و التغذية للاسلام الارهابي المتشدد الذي يقتل و يفجر و يذبح و يلغي الاخر لمجرد انه مختلف في الرأي , فسحبت هذه الصورة المشوهة و الخاطئة في الفهم و التطبيق و السلوك بقصدية مفتعلة على الاسلام ككل و حوصر الفكر الاسلامي بهذا الطرح المشوه حصراً رغم أنه غير معترف به كوليد شرعي من قبل المسلمين أنفسهم فأستخدم كأداة تهديم سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي ,
أما الاستخدام الخاطيء في المزج بين الطرح الاسلامي و سلوك المسلمين فاستعمل من قبل بعض المسلمين من داخل الاسلام عندما أسقطوا القدسية التي هي للاسلام و لشخصية الرسول و اهل بيته ( عليهم السلام ) على دوائر عديدة هي خارجة عن هذه القدسية لذلك يقع من ينتقد سلوك بعض الاشخاص المنسوبين للاسلام في دائرة التشكيك أو من ينتقد بعض التصرفات و الشعارات المنسوبة للشعائر الالهية زوراً فيكفر و يخرج من الملة و ينعت بأبشع الاوصاف و يجند له من يشن عليه الحرب و التسقيط بتهمة أنه مس المقدسات حتى لو كان هو من داخل المؤسسة الدينية أو حتى لو كان يتصف بالعلم و الاجتهاد أو أنه في مقام المرجعية للامة فهو محترم ما دام لا يقترب من بعض المسميات التي أضيف لها هالة مقدسة لم ينالها حتى المقدس الذي نسبت اليه و يفترض انها أخذت هذه القدسية من انتسابها اليه فذابوا في الشكل و تركوا المضمون و تعبدوا بالمسميات دون الاهتمام بقربها أو بعدها عن القيمة الفكرية لانتساب هذا الاسم لذلك المسمى و رفضوا أي انتقاد للتطبيق و السلوك لانهم عوموا الصورة بين الاسم و المسمى و بين الفكرة و التطبيق فلا يحق لك ان تنتقد او تضع سلوك او تصرف فلان للتشريح على طاولة الاسلام فقط لانه يحمل الوصف الكذائي و لا يحق لك أن تنتقد الحالة الخاطئة لانها أكتسبت صفة الشعيرة و الشعائر مقدسة و بدأت هالات التقديس تتوالد و تتفرع و تضاف هنا و هناك كتروس و دروع و جدران محصنة و مع تقادم الازمنة تتحول هذه المقدسات الوهمية الى اساطير لا يمكن المساس بها و سلاح التكفير جاهز لإخراج من ينتقد هذه المسمياتمن الدين ليكون كمن يغرد خارج السرب .