هل صفعة الغرب للمعارضة السورية كافية
لتدفعها إلى الاعتماد على النفس؟!
زهير سالم*
يقول مثلنا الشعبي : من يشرب من كف غيره لا يرتوي . صورة مجسدة بصدق لوضع قوى المعارضة السورية . هذه القوى التي تم تبرعمها وتفتحها تحت سقف ثقافة انتظار الآخرين أن يفعلوا لها لأنهم مقتنعون مسبقا بعجزهم عن أي فعل ...!!
هذا المقال ليس للتنديد بمحاولات الاستفادة أو الاستعانة بالآخرين في ضوء واقع متشابك ، لم تترك فيها عصابات الأسد قوة من قوى البغي والعدوان في هذا العالم إلا واستعانت بها ، ولا وسيلة من وسائل العدوان إلا واستعملتها . هذا المقال هو في الدعوة – بعد التوكل على الله - إلى الثقة بالنفس وتنمية قدراتها وتطوير إمكاناتها ووضع حد لحالة ذهان الانتظار الذي يعيشه البعض .
كواحد من أبناء الحركة الإسلامية نشأ وتربى على موائدها لا أدري في أي ليل مدلهم تسرب إلى ذهنية بعض قياداتها أو أفرادها أن هناك جهة على الأرض يمكن أن تقدم لها ما يخدم مشروعها سواء في ثوبه الدعوي الأصيل ، أو في غلالاته المدنية التي تصف وتشف . وأخطر ما في الأمر أن ذهان الانتظار هذا قد قعد بالهمم ، وسوغ العجز ، واستنفد قليل الجهد الذي نملك في دوامات الاسترضاء ، التي تكاد تعصف بكياننا . أليس عجيبا أن يتخلى بعض الناس عن إخوة دربهم الذين حاربوا إلى جانبهم عقودا ، طمعا في كسب صحبة ساعة من لا يتفقون معه على مفردات قائمة طعام أو شراب ..
إن خوض معركة ( الثقة بالذات ) هو المقدمة الأولى لمعركة ( بناء الذات ) . إن الفاقدين للثقة بأنفسهم لا يمكنهم أن يتقدموا ولو على مستوى التفكير ليكونوا شيئا مذكورا ...
وإنه لفرق كبير بين أن يحلم الفرد أو الفريق أن يكون بطل تحرير سورية والانتصار على مغتصبها وبين أن يدور حلمه حول قدرة خارقة تجعله قادرا على إقناع الآخرين على فعل ذلك ... فماذا ننتظر من قادة مثل أحدهم الأعلى ( جلبي العراق ) يرجو ويأمل أن يكونه في ضربة حظ أو معجزة قدر !!!!
لايمكن أن تختلط الدعوة إلى الثقة بالذات بادعاء تضخم الذات . الثقة بالذات أن يبدأ الإنسان من الممكن المتاح مهما كان حجمه فيجعله أرضا صلبة ، ويبني عليه ويوسعه وينميه . فأين هذا البناء الذي نسأل عنه بعد ثلاثين شهرا من عمر الثورة وعظم التضحيات ، فلا نجد له أثرا ...
أين هو البناء أو المؤسسة الوطيدة العتيدة التي يمكن أن نشير إليها بعد ثلاثين شهرا من عمر الثورة ، مما يمكن الركون إليه والاعتماد عليه ؛ والسؤال مطروح في كل إطار وعلى كل صعيد ؟
أين هو مشروع الثورة العملي الذي يقود استراتيجتها على مستوى التعرية والحت المنهجية ولو على مذهب من يريد أن يحفر البئر بإبرة . واستراتيجية حفر البئر بإبرة هي أكثر معقولية وجدوى من استراتيجية الانتظار والترقب والاستثمار في ضربات النظام الوحشية أملا بمساعدة صاحب مصلحة أو صاحب ضمير ..
عشرة أيام مرت على جريمة النظام في الغوطة الدمشقية . وكانت الجريمة عميقة الأثر على عقول السوريين وقلوبهم ، وستكون بعيدة الأثر في التأسيس لحاضرهم ومستقبلهم ؛ ولكن لم يكن هناك رد حقيقي من كل قيادات المعارضة السياسية أو العسكرية . رد يكافئ الجريمة على المستويين النظري والعملي ، غير الشجب والتنديد والإدانة ، عشرة أيام وأعين السادة القادة شاخصة إلى سحابة رد الفعل الخارجي .
ولعل الدرس الذي تلقاه المتوكلون على ( الآخر ) من مجلس العموم البريطاني أولا ثم من ( هملت الدولة العظمى ) يكفي ليصحو النائم ويتنبه الغافل . احترام العالمين أجمل من شفقتهم . ولن يصنع الآخرون لك ما تعجز أن تصنعه لنفسك ..
وثورتنا لن تستمر بالسؤال : ما مدى جدية أوباما ، ولا ما هو قرار الجامعة العربية التي ستلتقي اليوم . القائد الحقيقي للثورة هو الذي يجعل الآخرين : يسألون عن أخباره ، عن أفعاله وعن أقواله ..
زعموا أن ابن اسجحق الحضرمي النحوي خطّأ الفرزدق في بعض ما يقول . فقال له الفرزدق لي أن أقول وعليك أن تخرج ..
لطمة أوباما على وجه المعارضة السورية بالأمس جوابها أن تعلن هذه المعارضة استراتيجية جديدة تقوم على الاعتماد على النفس . دون ترقب ولا انتظار ...
جميل جدا أن يشكو بشار الأسد المعارضة السورية لمجلس الأمن والأجمل منه أن يديننا هذا المجلس لأن ذلك معناه أننا بلغنا مبلغ الرجال.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية