قرار مجلس العموم البريطاني تأييد لقتل السوريين أم استقالة من القرار الدولي؟!
قرار مجلس العموم البريطاني
تأييد لقتل السوريين أم استقالة من القرار الدولي؟!
زهير سالم*
ولأننا شعوب ( تاريخانية ) كما يكتب عنا دائما برنارد لويس وهو يساعد الغربيين على فهمنا ، فقد قفز بي تصويت البرلمان البريطاني في 30 / 8 / 2013 ضد محاولة لجم بشار الأسد عن الاسترسال في قتل السوريين بالكيماوي ؛ إلى ريتشارد الأول ملك بريطانيا ( ريتشارد قلب الأسد ) في غزوته التاريخية لبلاد الشام استجابة لنداء الصليب وانتقاما ممن ( دنس قبر المسيح ) . ومع أن المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي أسروه ، ولقنوه دروسا في الحضارة والسماحة والعفو ؛ إلا أن بقية من العطش إلى دم أبناء الأرض المقدسة ما تزال تضطرم في الشرايين . كان بعضنا يتابع هذا العطش في عيني ميليباند وهو يعرض مهاراته الكلامية أمام خصمه كاميرون . يقال هنا إن دماء الأطفال السوريين والفلسطينيين ( من أبناء الأرض المقدسة ) هي أكثر إشاعة للفرح والري في بعض القلوب المنتكسة .
تاريخيا أيضا وحين يتوقف الأشقاء الفلسطينيون عند مسئولية بريطانيا العظمى عما آل إليه وضعهم من خلال وعد بلفور ؛ فإن السوريين الذين كانوا قادة ( الحلم العربي ) منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين يتذكرون أيضا مع كل يوم يمر على معاناتهم أنهم ك كانوا أول من ابتلع الطعم البريطاني المسموم في اتفاقات الحسين – مكماهون وأنهم كانوا يومها ضحايا النصر الذي كانوا شركاء في إنجازه ، وقدموا التضحيات في سبيله ليحصد ثماره ( سايكس – بيكو ) فيما بعد ويدفعوا هم ثمنه مضاعفا من قبل ومن بعد من دماء أطفالهم ..
وحين يسترسل المرء مع شريط الذاكرة التاريخي سيجد مادة ثرة تساعده على التفسير والفهم وإعادة قراءة الحاضر على ضوء الماضي وإن لم يكن بحرفيته وبحروفه ولكن بكثير من ترسباته التي ما تزال في عقول البعض وقلوبهم ..
نعلم أن البعض سيقفز في وجوهنا ليحدثنا حديثا آخر ، وليورد علينا شواهد وحكايات أخرى من حكايات الأعمام التي مللناها ، ومن تجربة العراق التي اندفع فيها البريطانيون ظلما ودفعوا فيها كما يقولون الكثير !!!
بل إننا نزعم أن البريطانيين هؤلاء ومتعصبيهم بشكل خاص لو سئلوا اليوم فتنة مثل فتنة العراق ( لآتوها وما تلبثوا خلافها إلا قليلا ) . فهل هناك أرضى وأجمل وأطيب على قلوب هؤلاء المتعصبين من أن ينتزعوا قرار شعب العراق من يده ليضعوه في يد إيران ، أو أن يكون قرار شعب سورية في يد عصابة من الفاسدين والمستبدين ، الذين وكلوهم أن يسوموا أبناء الأرض المقدسة ( سوء العذاب ) استكمالا لمشروع بطرس الناسك وريتشارد قلب الأسد ومكماهون وبلفور ومن إليهم ..
أليس مثيرا للريبة وللتساؤل أن يقف زعيم حزب (متحضر) ليناضل حتى يعرق جبينه تأييدا لقتل أطفال الأرض المقدسة على الشواطئ الشرقية للمتوسط بكل سلاح بما فيه غاز السارين المحرم استخدامه ضد القطط والكلاب !!!!!!
أليس مثيرا للريبة وللتساؤل كيف يجتمع على حماية حق بشار الأسد في قتل المزيد من الأطفال السوريين : يمين اليمين ويسار اليسار ومن بينهما من أصحاب العاهات النفسية والتاريخية ...
أليس من الحق أن نتساءل عن البديل الذي قدمه أعضاء مجلس العموم الذين تمسكوا بحقهم في النأي بالنفس عن الدور المنتظر من دولة ( عضو دائم في مجلس الأمن ) ؟! ما هو البديل الذي اقترحوه أو قدموه لحماية المدنيين الذين يقتلون في سورية منذ ثلاثين شهرا إن كانوا معنيين أصلا بأمر هؤلاء المدنيين .
يدافع أعضاء مجلس العموم هؤلاء عن القاتل الفاشي إدراكا منهم أنه أحد أدواتهم ، وأنهم قد بذلوا جهدا غير قليل لإقامة المعادلة السياسية في سورية على هذا الحجم من الجور ومن الظلم ومن التمييز والاضطهاد ، ولم يكونوا ليبلغ بهم الغباء أن يخربوا بأيديهم ما سبق أن بناه جدودهم ..
وقد يقول قائل : إن البريطانيين في هذا الظرف وبعد تجارب مريرة خاضوها وهم يسيرون في ركب الولايات المتحدة ، يوم أطلق العالم على السيد بلير ما أطلق من ألقاب ، قد قرروا أن يستقلوا بقرارهم ، وأن ينشغلوا بأنفسهم بطعامهم وشرابهم ومتعهم . وهذا هو أحسن الظن الذي يمكن أن يقال في السياق .
وإذا كان من واجبنا أن نحترم حق الشعب البريطاني وحق ممثليه في قرارهم . وفي تفضيلهم الانغماس أكثر في معادلة ( طعامهم وشرابهم ومتعهم ) فإن من حقنا في الوقت نفسه لنستوفي شروط حسن الظن بهم ، أن ننتظر منهم استقالة شجاعة من السياسة الدولية ، حيث ينص ميثاق الأمم المتحدة أن واجب مجلس الأمن الدولي والدول الدائمة العضوية فيه بشكل خاص أنت تحمي الأمن والسلم الدوليين وليس أن تحمي القتلة والمجرمين والمستبدين
ولم يكن تصويتهم الأخير فيما نقدر إلا رصاصة الرحمة على مكانة بريطانية الدولية . شكسيبر العرب أبو الطيب المتنبي يقول للبريطانيين :
لولا المشقة ساد الناس كلهمُ .. الجود يفقر والإقدام قتال.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية