تفجيرات الريحانية : الرسالة وجوابها

موقفنا :

زهير سالم*

[email protected]

كانت دامية صاخبة متوحشة التفجيرات التي وقعت في الريحانية بالأمس ، وراح ضحيتها العشرات من الشهداء المدنيين الأبرياء مع أكثر من مائة جريح كثير منهم إصابته خطيرة ..

 يعلم الذين خططوا للتفجيرات والذين نفوذها أن أمرهم سيكون مكشوفا بعد أي تحقيق أولي بسيط . ولكنهم حين أقدموا على تنفيذ الجريمة بوعي وتصميم كانوا لا يبالون أن يكتشف أمرهم ، بل لعل جزء من رسالتهم أنهم كانوا يريدون أن يعرفوا أنهم هم ، وأنهم ما زالوا حاضرين ومازالوا قادرين ؛ وأن على الذين يفكرون بالتصدي لعربدتهم أو غرورهم أو مظالمهم أن يكونوا مستعدين لدفع الثمن ..

كانت ( التفجيرات المتوحشة ) أقرب إلى طريقة انتقام عصابات المافيا ، التي تتصرف على هواها ، دون حساب للعواقب أو تخوف من المسئوليات . إن الإعفاء من المسئولية التي نعمت به هذه المافيا على  أكثر من عامين وهي تستبيح القانون الدولي على مرأى ومسمع من العالم ضد شعب وفي دولة مؤسسة للأمم المتحدة لا بد أنه أغرى هذه المافيا أنه لا سقف يمكن أن يحد تجاوزاتها ، ولا خطوط حمرا حقيقية تحول بينها وبين ما تشتهي ..

إن المسئولية الأولى في قراءة الرسالة المافوية تتعلق بتحديد مرسلها الحقيقي . ومرسل الرسالة في حقيقته ليس الذين نفذوا وليس الذين خططوا فقط ، بل هو هذه المجموعة من الدول والعصابات التي استمرأت تحدي القانون الدولي منطلقة  في موسكو وطهران والضاحية الجنوبية والعراق كما في دمشق . هذه العصابات الإرهابية حقا التي تقتحم سورية على شعبها وتعمل في أعناق الأطفال ذبحا وفي أجسام الأبرياء تقطيعا .

إن ما يفصل الأرض التركية عن الأرض السورية ليس سوى خط وهمي في أذهان هؤلاء . وتطور الحدث على الأرض السورية يصور اليوم لهم وهم يتابعون أن ( التخوف ) و ( الإحجام ) و( التذرع بالحكمة ) أو الانشغال في ( تدقيق الحسابات ) هي سيدة الموقف الدولي والإقليمي ؛ أن الإغراق في المزيد من سياسات التخويف والانتقام  سوف يشكل مخرجا لهم مما هم فيه . ولقد آن – حسب تصورهم -  لرسائل التهديد بإحراق المنطقة ، التي دأب على إرسالها الولي الفقيه وطاقمه وحسن نصر الله وبشار الأسد  أن تترجم عمليا على الأرض .  مع يقيننا أنه لم يكن ما جرى في الريحانية بالأمس هو الترجمة العملية الأولى ، وأنها لن تكون الأخيرة  ما لم يكن جواب الرسالة في مثل حجمها من العزم والحزم والتصميم ..

قال رامي مخلوف منذ الأيام الأولى للإسرائيليين ( أمن بأمن ) . ولكن مرسلي الرسالة بالأمس وجدوا الحائط التركي أوطأ وركوبه أسهل . فبدؤوا به ولا أحد يعلم أين سينتهون . ولكنهم بكل تاكيد لن يقتربوا من حائط إسرائيل .

من الريحانية المدينة الطيبة بأهلها الطيبين سوف يمتد مشروع مافيا القتل والتدمير عمقا وشرقا وغربا . وسيتعدى مشروع القسوة والتوحش الأرض ليفتك في بنية المجتمع التركي ولاسيما بعد أن أنجز الشعب التركي حلمه باتفاق وحدته الوليد .

 وعلى محاور أخرى ستتناثر الرسائل الدموية على دول المنطقة والعالم القريب منها والبعيد . وسوف يعجب العالم لتنوع الأدوات ولتعدد الوجوه والرايات . ولكن الذي يجب أن يدركه الجميع أن روح الشر المتأصلة في المافيا التاريخية التي اشتُق الفعل ( ASSASSINER )  من اسمها سوف يعود ليخيم على الإنسان والحضارة والثقافة من جديد .

احتفظ اسم ( التركي ) بمرتسمين في المخيال العالمي فعلى المستوى الثقافي حتى كان يشار به إلى ( المسلم ) شأنه شأن العربي حتى عهد قريب . وأشيربالاسم  على المستوى الأنثربولوجي إلى ( المقاتل الشجاع الصلب العنيد ) ، فهل سيحتفظ طيب رجب أردوغان بحق الرد في انتظار الضربة القادمة التي لا يمكن لأحد أن يقدر عدد ضحاياها من الآباء أو الأبناء الآمنين أم سيحافظ على وصف بطولة اكتسبه الأجداد بكثير من الإنجازات والتضحيات ظ!

لقد أمن المجرم العقوبة ، واستخف  بالعالم كل العالم الذي تحاماه تواطأ لا خوفا وبقي على المتضررين الحقيقين أن يتحملوا مسئولية الدفع عن أنفسهم وعن أعناق أطفالهم ..

في الريحانية بالأمس استعاد الدم التركي والدم السوري وحدة تاريخية طالما جمعتهما في ميادين الدفاع عن قيم الحق والعدل في هذا العالم . وإذا كان الكثيرون يستخفون اليوم بمقولة الرئيس أوباما ( الكيماوي خط أحمر ) فإنهم أيضا وقد حاولوا أن ينسوا قول طيب رجب أردوغان حماة خط أحمر عادوا يتساءلون : هل ستكون الريحانية وما بعد الريحانية خط عنفوان تركي تعود ألا ينام على ضيم ..؟! هل سيندم الذين ارتكبوا الجريمة على سوء فعلهم ، ويتأكدوا أنهم أساؤوا التقدير ؟!

نترحم على شهداء الريحانية ، وندعو للمصابين من أهلها بالشفاء العاجل ، ونتوجه لأنفسنا ولذوي الضحايا بأحر مشاعر العزاء ..

ونشجب الشجب ونستنكر الاستنكار وندين الإدانة فبعض الفعل لا يدينه إلا فعل يضع حدا لطغيان أصحابه وغرورهم ..

لندن : 2 / رجب / 1434 – 12 / 5 / 2013

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية