استأذنوا الكنيسة أولا !
أ.د. حلمي محمد القاعود
لو أن الرئيس المنتخب استأذن الكنيسة فيما يقول ويفعل لاختلف الأمر تماما . ولَسَلِم من ألسنة الكتاب والمذيعين والمتحدثين الذين يسمون أنفسهم بالقوى المدنية والوطنية ، وضمن أن كلاب الحراسة الأمنية لن تصفه بالديكتاتور والطاغية وهتلر وفرعون ، فضلا عن المبتذل من الأوصاف التي لا يسمح لي خلقي بذكرها . لو استأذن الرئيسُ الكنيسة لتمّ قبول الدستور ومن قبله الجمعية التأسيسية والإعلانات الدستورية ، وأيضا ما جرى حل مجلس الشعب والتهديد بحل مجلس الشورى .. الاستئذان واجب ومطلوب من دولة الكنيسة التي صارت فوق الدولة المصرية منذ تولاها شنودة الثالث حتى شنودة الرابع الذي أعلن بكل صراحة ووضوح أنه لا يريد أن يتضمن الدستور شيئا يشير إلى إسلامية الدولة أو دينية الدولة وفقا لتعبيره الدقيق ، حيث رأي أن المادة 220 التي صارت 219 في الترتيب الدستوري مادة كارثية !
الكنيسة لا تريد أي أثر للإسلام في مصر المسلمة ، ورئيسها استقبل رموز التيار العلماني جميعا ، وعندما أرد مرشد الإخوان أن يذهب لتهنئته ، رفض الزيارة التي تحدد موعدها من قبل ، وفقا لمنهجه في المحبة !
بعد أن زار رموز التيار العلماني الكنيسة وتلقوا بركاتها انسحبوا من الجمعية التأسيسية ، ومعهم ممثلو الكنائس الثلاث : الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية .وكانت هناك ضغوط لسحب ممثلي الأزهر ، ولكن الله سلّم .
ومع متابعة الجمعية التأسيسية لعملها في إنجاز الدستور قام العلمانيون ومعهم لأول مرة أعداد هائلة من النصارى بالمظاهرات والاعتصام في ميدان التحرير ومحاصرة قصر الاتحادية وإهانة الرئيس بفاحش القول وساقطه ، لدرجة أنه أُخرج من الباب الخلفي ذات ليلة بعد تحطيم سيارته !
كان هدف المظاهرات في بعض المراحل اقتحام قصر الرئاسة بعد محاصرته ، وإعلان مجلس رئاسي يقوده رموز العلمانية ، وصياغة دستور علماني يشطب الإسلام من الوجود المصري تماما ويُرضي الكنيسة وحاكمها الجديد الذي أصر أن يواصل نهج سلفه في التمرد ، والتعامل بمنطق رئيس الدولة الذي يجب أن يخضع له رئيس الدولة الأم حتى لو بدا ذلك مخالفا لطبيعة الأشياء . ومع أن كثيرا من أبناء الطائفة طالبوه أن يترك السياسة فإنه مصرّ عليها ، وإن كانت بعض أذرعه وأبواقه تنفي أنه يلعب سياسة ، وتعلن أنه يصلي من أجل مصر ! ويا لها من صلاة تقود إلى النار والدمار !
معسكر الكنيسة وأتباعه من العلمانيين تصور أن بمقدوره إيهام العالم بمظاهراته أن الشعب يرفض مسودة الدستور ، ولكن جموع المصريين خرجت في مظاهرات رابعة العدوية وآل رشدان بأعداد ضخمة لتبدد الخرافة الكنسية العلمانية ولتقول إنه لا يجوز لأحد أن يتكلم باسم الشعب أو يفرض وصايته على الجماهير المسلمة .
بعد أن تمت الدعوة للاستفتاء على الدستور صدرت الأوامر الكنسية بتوجيه النصارى في كل مكان للخروج إلى الاستفتاء والتصويت بلا ، اعتقادا من الكنيسة أنها بتحالفها مع العلمانيين ستسقط الدستور ، وستحقق حلمها الشرير بشطب الإسلام من حياة المصريين .
لوحظ أن القرى والأحياء النصرانية صوتت بالكامل ضد الدستور . مثلا إحدى القرى النصرانية بالصعيد صوتت كلها بلا، ثمانمائة وألف صوت :لا ، وستة عشر صوتا :نعم .! ومعروف أن أصوات نعم كانت لمسلمين . اليوتيوب أظهر الأسقف روفائيل أحد مرشحي القرعة الهيكلية وهو يوجه النصارى أن يقولوا :لا . إعلام اللصوص الكبار بما فيه الإعلام الطائفي ادعى كذبا أن المنابر تحرض المسلمين على التصويت بنعم ولم تقدم دليلا واحدا يثبت صحة كذبها المزمن !
كما لوحظ أن بعض السيدات النصرانيات في لجان القاهرة والإسكندرية تحرشن بالقضاة لإثبات شخصيتهم ، وافتعلن مشاجرات لتعطيل بعض اللجان ، وللأمانة فقد شاركهن في ذلك بعض العلمانيين الموالين للكنيسة !
جاءت نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات مؤيدة للدستور بنسبة 57% ولكن جبهة الكنيسة والعلمانيين لم ترضها النتيجة ولم تقنع بها وخرجت منظمات التمويل الأجنبي تشكك في الاستفتاء وتختلق مشكلات وهواجس لا وجود لها على أرض الواقع مثلما اختلقوا كلاما زائفا ومزورا عن مكونات الدستور ، وإن كان بعض قادة الكنيسة قد أعلن أنه يقبل النتيجة إذا كانت عملية الاستفتاء نزيهة !! ولكن القوم يصرون على إشغال الناس بأكاذيبهم وترهاتهم ومظاهراتهم التي أعلنوا عن قيامها لإدخال مصر من جديد في نفق الفوضى عقب عدة أيام من الهدوء النسبي مما يعد دليلا على ما يبدو أنه هزيمة لهم في الاستفتاء كما قالت الواشنطن بوست .
ثم فاجأنا الملياردير الطائفي المتعصب ببيان عنيف يحمل تهديدا واضحا ضد الإسلاميين والرئيس والدستور على هيئة خطاب مفتوح بعث به إلى الرئيس مرسى وما سماه السلطة الحاكمة، طالب فيه بوقف حملات تشويه رموز المعارضة والوطنية فى وسائل الإعلام، من خلال ما سماه بـ "البلاغات العبثية" كما سماها ، وحملة التشويه الممنهجة التي يتبناها بعض المنتفعين الذين يسعون لنيل رضا الجماعة الحاكمة . ثم يهدد متوعدا : " لن ترهبونا، ولن تكمموا أفواهنا، ولن نتراجع ". ويضيف : " لا تراهنوا على رصيدكم الشعبي، فقد أوشك رصيدكم على النفاذ. لن يحكم مصر إلا فصيل وطني يندمج فى شعبها ويتخلى عن طموحاته الأممية ".
ويتناسى أن من يهددهم لا يملكون إعلاما مثل إعلامه وإعلام طائفته ، كما أنه يتجاهل أن الرئيس منتخب ، وأنه ليس الجهة المخولة بالحكم على وطنية أحد ، والوطني الحقيقي لا يخاف من البلاغات العبثية كما يسميها ولكنه يواجه القضاء بكل جرأة ليقول إنني بريء ، وصرت الملياردير رقم 4 على مستوى العالم العربي هذا العام في وطن تتهمه الكنيسة باضطهاد النصارى والتمييز بينهم ، وليته اختار كاتبا أفضل لخطابه التهديدي .
وإذا أضفنا إلى ما سبق دعوة اليهودي الصهيوني توماس فريدمان إلى تعيين رئيس أركان الجيش المصري من النصارى للبرهنة على ديمقراطية النظام ( الشرق الأوسط – لندن17/12/2012) ، أدركنا أن استئذان الكنيسة مسألة ضرورية لتهدأ البلاد ويستقر العباد ، وتتمكن الأقلية من إسكات الأغلبية إلى الأبد !