انسداد الأفق السوري وخارطة الطريق الأمريكية في عالم مختل الأقطاب

انسداد الأفق السوري

وخارطة الطريق الأمريكية في عالم مختل الأقطاب

المقدمة :

إن المأساة السورية في ذروتها تتلخص في: قتل وتدمير وترويع واغتصاب و تهجير. وحكومة غائبة، وقيادة مصممة على سياسة الأرض المحروقة، واستخدام القوة المفرطة والأسلحة المحرمة دوليا لإخماد الثورة مهما كان الثمن ومهما كانت النتائج.

و في عين الوقت معارضة منقسمة على نفسها، لم تنجح في تكوين جسم سياسي متماسك يمكن التعامل معه على المستوى الدولي.

 وقوى دولية تتصارع على مصالحها في المنطقة، ومجموعات مسلحة تتسلل عبر الحدود.

تتمثل عقيدة النظام، بعدم تسليم السلطة، وعدم الاعتراف بالفشل سواء في إدارة الدولة، أو معالجة الأزمة.

 أما إستراتيجية النظام في مواجهة الموقف فهي في عناصر سبعة:

 الأول: استخدام القوة والبطش والترهيب والترويع دون تردد، ولأطول فترة زمنية متاحة، وإلى أبعد مدى ممكن.

 والثاني: الاختباء وراء الدعم الروسي الصيني وعصا الفيتو التي يشهرها كل من هاتين الدولتين في وجه أي قرار دولي فاعل.

 والثالث: التفاهم مع النظام العراقي و التحالف مع إيران وحزب الله في لبنان، والذي يعني انكسار النظام، الهزيمة العاجلة لكل منهما.

 والرابع: خلط الأوراق وتصدير الأزمة إلى الدول المجاورة و خاصة لبنان والأردن، من خلال إثارة الفتن والقلاقل والاغتيالات والتفجيرات ونقل الأسلحة و دخول المجموعات السلفية والمغامرة والباحثة عن المناطق الرخوة وسواها.

والخامس: اللعب بورقة الطائفية والمذهبية في كل مكان وعلى أي صعيد ممكن.

 و السادس:عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على التورط في أي مغامرة عسكرية.

 و السابع: عجز المجموعة العربية عن الفعل و التأثير.

و يرى واضعو هذه الإستراتيجية أن لا داعي للاستعجال، فالحرب الأهلية في لبنان، والتي كان للنظام دور بارز فيها، استمرت خمسة عشر سنة. فما المشكلة في أن تستمر بضع سنوات في سوريا ؟ خاصة وأن هناك الكثير من المشكلات الدولية الضاغطة في أوروبا وأمريكا تقلل من أولوية الحالة السورية. هذا إضافة إلى الموقف الإسرائيلي الذي يسوده عدم الرغبة بتغيير الأوضاع في سوريا نظرا للهدوء الكامل الذي شهدته الحدود السورية الإسرائيلية، وبالتالي السكوت عن ما يجري. فليس هناك أفضل لإسرائيل من أن تستنزف الأقطار العربية المحيطة بها إمكاناتها وجهودها، وتغرق في بحر من الصراع الأهلي وتمعن في خضم الفرقة والتخلف. ومن جانب آخر فإن المصالح الروسية تتمثل في القواعد البحرية في طرطوس وتصدير الأسلحة والمعدات،وفي نفس الوقت صرف النظر عما يجري في روسيا نفسها من ممارسات ضد الأقليات.

انسداد الحل السوري

أسباب الانسداد السوري

أسباب الانسداد السوري، يجعلنا في مواجهة ثلثة أسباب رئيسية :

أول هذه الأسباب هي السلطة في طبيعتها الاستبدادية والاستئثارية المغلقة، وقد قادتها طبيعتها نحو خيارات أغلقت عليها أبواب السياسة، وجعلت خياراتها في البحث عن حلول ومعالجات للأزمة محصورة في استراتيجية القوة والعنف .

أما السبب الثاني في موضوع الانسداد، فتمثله المعارضة، ورغم أننا إزاء ثلاثة مستويات من المعارضة، أولها المعارضة السياسية، والثاني هو المعارضة العسكرية، والثالثة هي الحراك الشعبي، فإن المعني الأساسي باعتباره أحد أسباب الانسداد هو المعارضة السياسية، لأنها بحكم طبيعتها ووظيفتها المسؤولة مباشرة وصاحبة دور، ينبغي القيام به للخروج من الأزمة التي تحيط بالبلاد.

فهي من جهة تبنت شعارات الشارع دون أن تكلف نفسها الذهاب إلى صياغة استراتيجية وخطط هدفها تحقيق تلك الشعارات والمطالب، وهي في الجهة الأخرى، راهنت على المواقف الإقليمية والدولية دون أن تتقدم في الداخل للقيام بما ينبغي القيام به سياسيا وتنظيميا في المستويين الذاتي والشعبي، وقد كرس نهج المعارضة الانفصال القائم بينها وبين المجتمع.

السبب الثالث هو الدور الكبير الذي يحتله العامل الخارجي والإرادة الدولية وطابع قراراتها في تقرير نتائج الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات الوطنية، مما عزز هذا الإنسداد .

الصراع على سوريا في عالم مختل الأقطاب

يرى والرشتاين كبير باحثي جامعة ييل الأميركية في ورقة نشرها مركز الجزيرة للدراسات، أن تردد إدارة أوباما في دعم الثورة السورية يعود إلى جملة من العوامل نذكر من أهمها:

- أن الشعب الأميركي وكبار ضباطه العسكريين قد سئموا الحروب، فوفقا لاستطلاعات للرأي أجريت مؤخرا، يرى الأميركيون أن حربي أفغانستان والعراق «خطأ يجب ألا يتكرر».

- توجس من «تزايد نفوذ القاعدة» بعد سقوط الأسد.

-تصاعد «الصراع بين الفصائل بما يشبه أفغانستان بعد سقوط النظام الشيوعي عام 1992». -ولعل أهم ما أورده والرشتاين مخاوف من «تراجع العلويين إلى منشأهم الجبلي ليواصلوا القتال من هناك».

- «تعرض الأقليات بمن فيهم المسيحيون للاضطهاد»، بما يتساوق مع تصريح لافروف بأن «بشار الأسد يمثل ضمانة أمن الأقليات وبضمنهم المسيحيين».

لا تتمخض الساحة الدولية اليوم عن قوى عظمى بالمعنى التقليدي الذي عرفته الحرب الباردة، ولا على شاكلة مرحلة ما بعد الحرب الباردة أيضا، إذ يبدو العالم الراهن مختل الأقطاب، وربما بطريقه إلى العودة نحو تعددية الأقطاب التي وسمت فترة ما قبل الحربين العالميتين. ليست قوة روسيا هي المعيار إنما استشعارها بتراجع – قد يكون مرحليا - لندها القديم، والحاجة إلى ترسيخ قواعد جديدة لإدارة الأزمات الدولية، في نظام دولي جديد لم تتضح ملامحه بعد، بما يعيد لها بعضا من مكانتها، عبر إدارة صراع مع خصومها، وبالتحالف مع أصدقائها، في ساحات بعيدة عن أراضيها. فالمجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى الثورة السورية كثورة ضد ديكتاتور، بل إلى صراع بين حكومة ومعارضة مع أبعاد وامتدادات طائفية، لتسهيل إدارته واستقطاب عناصره واستثمار نتائجه، دون اعتبار لعامل الزمن وانعكاسات الصراع على سوريا كساحة له.

لقد قالت روسيا كلمتها بأن «الأسد لن يرحل»، وهددت باستمرار «حمام الدم» في حال لم تؤخذ مطامحها بعين الاعتبار، وهي بذلك ترسل رسالتها إلى الرئيس الأمريكي، رسالة لبدء التفاوض بين ندين، وليست لمساوم ينتظر ثمنا من سيد كبير، لتقول أيضا إن هناك نظاما دوليا جديدا يصنع الآن، على حساب دماء شعب.

الخيار الصعب لأمريكا

إن الولايات المتحدة الأميركية، مترددة بين خيارين صعبين:

 التنازل لروسيا، والتنازل للثورة السورية، فهي لا تريد التنازل لروسيا وتحقيق بعض مطالبها في سوريا وآسيا الوسطى والدرع الصاروخي، والموافقة على اعتبارها شريكا في القرار الدولي من جهة .

ومن جهة ثانية لا تريد للثورة السورية ان تنتصر انتصارا مبينا يجعلها حرة وسيدة قرارها، لما لذلك من تداعيات وانعكاسات على الإقليم، وخاصة على إسرائيل، لا تنسجم مع المصالح الامريكية، وهذا جعل موقفها يتداخل مع الموقف الروسي ويتقاطع معه في الابقاء على النظام.

دفعت صعوبة اعلان تبني الخيار الثاني، في ظل عمليات القتل الوحشي الممنهج التي يرتكبها النظام ضد المدنيين العزل واشنطن الى لعب :

- دور معطل بوضع العصي في عجلات الثورة بذرائع جلها مصطنعة، من تشتت المعارضة الى تواجد تنظيم القاعدة مرورا بمصالح الأقليات.

-ولما استهلكت هذه الذرائع لجأت الى تأجيل قرارها عبر طرح مبادرات تتعلق بإعادة صياغة المعارضة والثورة في مستوييها المدني والعسكري، على خلفية دفع الاطراف لقبول حل وسط يبقي جزءاً من النظام ويحقق للثورة جزءاً من مطالبها، وخاصة تنحي بشار الأسد.

مشروع كلينتون واختطاف الثورة

هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها أميركا الرسمية عن "خطف ثورة" عربية. الحديث جاء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والثورة السورية كانت المقصودة. كانت المسؤولة الأميركية تؤكد على أمرين اثنين :

- ضرورة الوقوف ضد الجهود التي يبذلها المتطرفون لاختطاف الثورة في سوريا. وتطلب من المعارضة أن تقاوم هذه المحاولات وتشير إلى معلومات تثير القلق حول متطرفون يتوجهون إلى سوريا ويعملون علي تحويل مسار الثورة لصالحهم.

- عن ضرورة تجاوز دور المجلس الوطني السوري وجلب أولئك الذين يقاتلون في الخطوط الامامية ليكونوا هم مقدمة المعارضة التي يجب أن تشمل الجميع .

هذا الموقف الأميركي كان معروفاً من مدة، ولكن الإعلان عنه بهذه الطريقة الحاسمة وتوقيت هذا الإعلان هو الجديد. لقد كان واضحاً أن تزايد وجود الجماعات الإسلامية والخشية من سيطرتها على الوضع في سوريا أدى إلى تراجع الحماس الأميركي لإنهاء الوضع هناك، ومعه تراجع اطراف إقليمية أخرى. وأصبح الرهان هو على استمرار معارك الاستنزاف لفترة طويلة دون حسم، انتظاراً لتسوية سياسية مع روسيا والصين، وهي تسوية لن تتم إلا بضمان عدم وقوع سوريا في يد التطرف.

السيدة كلينتون تريد ان يقوم الجيش السوري الحر، والفصائل العسكرية الاخرى المنشقة عن الجيش النظامي بالدخول في حرب لتصفية الجماعات الجهادية بأسرع وقت ممكن، و'تطهير' الاماكن 'المحررة' منها كشرط لتزويد هذه الفصائل بأسلحة حديثة ومتطورة مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للدروع والدبابات، لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لعدم وقوع هذه الصواريخ في ايدي الفصائل الاسلامية المتشددة، وبما يؤدي الى استخدامها ضد اسرائيل في مراحل لاحقة في حال اسقاط النظام.

السيد رياض سيف المرشح لرئاسة حكومة المنفى السورية التي ستكون البديل للنظام وحكومته، تحدث بطريقة ذكية عن هذا المخطط عندما قال ان واشنطن تريد تزويد المعارضة بأسلحة حديثة متطورة اذا ما توحّدت المعارضة واقامت جسما تمثيليا تنضوي فيه معظم او كل فصائل المعارضة.

الخاتمة : إن خارطة الطريق الأمريكية بالنسبة للمعارضة تتلخص بالمراحل التالية :

1 – المرحلة الأولى : تعطيل مسيرة دعم الثورة :

   بذرائع جلها مصطنعة، من تشتت المعارضة الى تواجد تنظيم القاعدة مرورا بمصالح الأقليات.

2 – المرحلة الثانية : طرح مبادرات فاشلة مسبقاً تتعلق بإعادة صياغة المعارضة والثورة في مستوييها المدني والعسكري، على خلفية دفع الاطراف لقبول حل وسط يبقي جزءاً من النظام ويحقق للثورة جزءاً من مطالبها، وخاصة تنحي بشار الأسد.

3 – المرحلة الثالثة : تجاوز المجلس الوطني ودعم الجيش الحر لضرب المجموعات الإرهابية في نظرها ( الجهاديين ) .

4 – المرحلة الرابعة : دعم ماتبقى من المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية للقضاء على النظام .

النتيجة : إن امريكا تريد تغيير المعارضة قبل تغيير النظام .

المراجع :

ألغام على طريق الثورة –علي العبدالله() -المستقبل

أسباب الانسداد السوري - فايز سارة - الشرق الاوسط

     حين تتحدث أميركا عن اختطاف الثورة - جلال عارف - البيان

     سوريا كما تريدها أميركا! - طارق الحميد - الشرق الاوسط

     الأزمة السورية ... إلى متى..؟ والى أين ..؟ * د. ابراهيم بدران -الدستور

     الأزمة السورية رهينة الحسابات الأميركية -الدكتور خطار أبو دياب -جريدة الجمهورية

     مشروع كلينتون للحسم في سورية -عبد الباري عطوان

     المعارضة السورية و انتقادات الخارج – أكرم البني – الشرق الأوسط .