أخلاق العبيد!
أ.د. حلمي محمد القاعود
قرارات الرئيس المنتخب في 22/11/2012 شفت صدور المؤمنين ، وأراحت أعصاب الشعب المصري التي لعب بها الظالمون واللصوص والفاسدون صناعة النظام البائد ، فهم بالكذب والتضليل والتدليس يرفعون رايات الثورة والنضال والتقدم . ويريدون إسقاط الدولة وتخريبها ونزع الهوية الإسلامية عن وطن يعد عقل الإسلام ورمز حضارته وتاجا على رءوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .
لقد كانت القرارات الرئاسية التي سُمّيت بالإعلان الدستوري تحقيقا لمطالب رفعتها جميع الفصائل السياسية بما فيها الأقليات السياسية المستبدة التي تعارضها الآن وتُجيش المظاهرات الصاخبة ضدها ، وفي مقدمة هذه المطالب إعادة محاكمات القتلة الذين برأتهم المحاكم لقصور في الأدلة ، وتعيين نائب عام جديد أقدر على تقديم الأدلة التي تقتص للشهداء والمصابين ، وتمديد مدة الجمعية التأسيسية للدستور نزولا على رغبة القوى العلمانية الظالمة .
ولكن خصوم الإسلام والديمقراطية أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، وراحت قنوات الفلول وغسيل الأموال والقنوات الطائفية تفتح شاشاتها لصراخ الكائنات الليلية التي تسكن في مدينة الإنتاج الإعلامي تتهم الرئيس بالديكتاتورية وفرض الحكم الإلًهي ، وقال بعضهم إن الإعلان الدستوري الأخير الذي أصدره د. محمد مرسى وقرار إقالة النائب العام ستؤدى إلى نتيجتين، إما هدم الدولة المصرية أو اندلاع ثورة ثانية . كما زعموا أن قرارات الرئيس تهدف إلى تمكينه من كل شيء وليس إقالة النائب العام فقط. وطالب أحدهم كلا من الدكتور محمد البراد عي وحمدين صباحي وعمرو موسي وكل المناضلين (؟) بالتكاتف والتصدي لهذه القرارات التي تخالف في مفهومهم القواعد الدستورية، وتخالف كل الأعراف وتهدم فكرة سيادة القانون ، فقيام الرئيس بتحصين قراراته من الطعن عليها أمام القضاء الإداري والمحكمة الدستورية العليا هدم للشرعية.
وعد بعضهم قرارات الرئيس مرسي الأخيرة بمثابة انقلاب مرفوض علي السلطة القضائية ولن يقبله أي عاقل (؟) واصفا الرئيس المنتخب : مرسي ديكتاتور بصلاحيات نصف إله، وليس لديه أدني مسئولية (؟) وقراراته الأخيرة سوف تُدخلنا فى حرب أهلية ستقضي علي الأخضر واليابس". ثم طالب جميع القوي السياسية بالاصطفاف لإسقاط هذا الديكتاتور الجديد علي حد تعبيره، زاعما أن جميع قراراته التي اتخذها مؤخرا باطلة. !!
المفارقة أن الصحفي عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي فجر في حوار له علي فضائية "الحوار" مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن تقارير مخابراتية تناولها موقع "والا " الإخباري الصهيوني عن لقاء سري جمع وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة "تسيبي ليفني " مع الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية السفير عمرو موسي وأبرز زعماء المعارضة لقرارات الرئيس في توقيت زيارته المفاجئة لـ"رام الله " يوم الأحد4 نوفمبر 2012-أي قبل العدوان الصهيوني علي غزة بأسبوعين. وتناولت التقارير أن " ليفني " طالبت عمرو موسي بشكل مباشر بإرباك الرئيس المصري محمد مرسي في هذه الفترة بالمشاكل الداخلية وهو ما حدث بالفعل حيث عاد عمرو موسي من زيارته ليقود الانسحابات من الجمعية التأسيسية للدستور بدون أسباب مقنعة للرأي العام لدرجة أنه اصطنع مشادة مع رئيس الجمعية التأسيسية المستشار الغرياني شيخ قضاة مصر واعترض علي مواد بالدستور كان هو نفسه من اقترحها.
كما تناولت التقارير شغل الرأي العام وبرامج التوك شو بانسحابات التأسيسية وتصعيد موسى من هجومه علي الرئيس مرسي مع تصاعد الهجوم علي غزة.
ويضيف عبد الباري عطوان "هذه التقارير تتفق مع ما قاله "بنحاس عنباري " الخبير الصهيوني في شئون الشرق الأوسط في مقابلة مع "روسيا اليوم " من أن الرئيس المصري محمد مرسى أفشل العملية العدوانية الصهيونية في غزة قبل أن تبدأ وكنا نعول علي قوى داخلية في مصر بإشغاله بالشأن الداخلي السياسي والاقتصادي !!
قنوات الفلول وغسيل الأموال والقنوات الطائفية حاولت أن تدعي المهنية فراحت تجلب عددا من ممثلي الأقليات السياسية المدمنين للثرثرة في الفضائيات الليلية ، مع واحد أو اثنين من ممثلي التيار الإسلامي ، وينشئون حوارا غير متكافئ تقوم فيه عناصر الأقليات بصوتها العالي بالتدليس والتركيز على الهوامش دون القضايا الأساسية ، واستخدام مصطلح التوافق لفرض إرادة الأقليات على الأغلبية ، ويذهب بعضهم في تدليسه إلى حد قلب الحقائق والكذب المفضوح ، بينما ينكمش ممثل التيار الإسلامي مثل الكتكوت المبلول ، يمنعه حياؤه وتهذيبه وأدبه الجم من الرد على الأكاذيب ، بل إنه كلما حاول الرد قاطعه مذيع أو مذيعة غسيل الأموال أو خرج إلى فاصل ، أو قرأ ما يسميه خبرا عاجلا !
وهكذا تبدو الحالة الإعلامية تصب في خدمة الفلول واللصوص وخصوم الإسلام وأصحاب المصالح الخاصة , وتقدم أفكارهم وتصوراتهم وأضاليلهم وأكاذيبهم لإعادة التاريخ إلى الوراء وتهيئة بعض العقول لتقبل فكرة الانقلاب واستعادة النظام البائد وخصائصه ، وما بالك حين تسمع المتحدثين والكاتبين يرددون باستمرار نغمة إن نظام مبارك لم يجرؤ على ذلك ،وإن مبارك لم يفعل ذلك من قبل ، وإن ما نراه الآن لم نره في عهد المخلوع . إنهم يشيطنون الرئيس المنتخب الذي لم يسرق ولم ينهب ولم يظلم أحدا ، ويوحون أن عهد المخلوع لم يشهد حوادث قطارات ولا عبارات ولا سعيا لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء التي يضيعها الإخوان المسلمون كما يزعمون ، وكأن الطاغية الأرحل جمال عبد الناصر لم يسلم سيناء كلها مجانا مرتين لليهود الغزاة !
إن القصف الإعلامي المستمر على مدار الساعة للحركة الإسلامية وقيم الإسلام وإهانة الشعب المصري واتهامه بالجهل والحماقة والغباء لأنه يؤيد قرارات الرئيس الهادفة إلى بناء مؤسسات الدولة ، إنما يعبر عن خلل فظيع أصاب الأقليات السياسية ، ويكشف عن ولائها للنظام الفاسد البائد الذي رباها وغذاها ونماها على الخضوع لسياطه وجلاديه ، وأن نور الحرية وبهاء الكرامة ووميض الأمل مما لا تعرفه هذه الأقليات التي تعيش بأخلاق العبيد وعشقها الشاذ لحكم الجلاد والخضوع لإرادته ، وتواطؤ بعضهم مع العدو الصهيوني .
بم نفسر سفالتهم وبذاءتهم وسوء أدبهم وهم يتناولون الرئيس وأسرته والجماعة التي ينتمي إليها ، بل الإسلام وتشريعاته ، في مقابل انبطاحهم وركوعهم وتذللهم أمام الكنيسة وممارساتها المعادية للوحدة الوطنية وإصرارها على نزع إسلامية الدولة من الدستور والقانون والتشريعات في الوقت الذي تصر فيه على تحكيم الإنجيل وجعله فوق القانون والدستور والحكومة ؟ هل كانوا يفعلون ذلك في عهد المخلوع؟
هل هي أخلاق العبيد ؟ وهل لا بد منها ؟