الصفوية والصوفية
خصائص وأهداف مشتركة 1
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
بعد أن نشرنا مقالنا السابق( جدلية الوعظ الصوفي) وتحدثنا عن الإرتباط الروحي بين الصفوية والصوفية، إنبرى البعض معترضا على هذه المقارنة، وإعتبرها إجحافا وظلما بحق الصوفية ودورهم المشرف في التأريخ ونشر الإسلام! وقد إستشفيت من ردود الفعل بإن منطلقها إما طائفي أو جراء جهل بالفكرين أو عدم تفهمهما بشكل كاف. وبعض الردود كانت مثيرة حقا بحيث إن أحدهم نصحني بالإطلاع على ماكتبه الحلاج والجنيد البغدادي لمعرفة قوة إيمانهم! ويبدو إن هذا الفريق لم يطلع لا على سيرة الحجاج ولا على شعره الذي يساوي فيه نفسه الفانية بالذات الإلهية المقدسة! ولا أيضا الجنيد كما سيلاحظ القراء في الأجزاء القادمة. ولا أعرف كيف كان للمتصوفة دورا مشرفا في نشر الإسلام؟ وهذا ما سنسلط عليه الضوء في المحاور القادمة. وغرضنا الوصول إلى الحقيقة مهما كانت درجة الإختلاف بيننا.
لم يكن مقالنا سوى جزء مقتضب من دراسة طويلة حول العلاقة بين الصوفية والصفوية، فكرنا أن ننشرها في حلقات كما وعدنا القراء الأفاضل. وكان من الأجدي بمن يعارض رأينا أن يصبر قليلا حتى يقرأ المبحث كاملا وسيكون بعدها لكل حدث حدبثا. ولغرض الأمانة العلمية ومنع التشكيك والإرتياب فقد إستندنا على امهات كتب الصوفية مثل طبقات الصوفية وقوت القلوب واليواقيت والجواهر والفيوضات الربانية في المآثر والاوراد القادرية وعوارف المعارف وفصوص الحكم وديوان الحلاج ولطائف المنن ورسائل أقطاب الصوفية وغيرها. كما إعتمدنا بشكل أساسي على أمهات كتب الصفوية كالكافي للكليني وبحار الأنوار للمجلسي والغيبة للطوسي وتفاسير القمي والصافي والعياشي وغيرها. وإستعنا بقلة من المصادر الأخرى.
يذكر د. زكي مبارك بأن " إن أهل فارس هم اكثر الناس تصوفا بين الأمم الاسلامية، وهم ايضا أشد الشعوب الاسلامية تشيعا". ( كتاب الشيخ البدوي/ د.سعيد عبد الفتاح عاشور). متفقا بالرأي مع المستشرق الانكليزي أدورد براون في كتابه( التأريخ الأدبي لبلاد فارس) بأن" التشيع والتصوف هما السلاحان اللذان إستخدمهما الفرس في حربهم ضد العرب". ومن الجدير بالملاحظة ان معظم مؤسسي التصوف هم من الفرس. وهذا ليس عيبا إذا جهدوا وإجتهدوا في سبيل الإسلام وخدمته. فلا فضل لعربي على أعجمي الا بإيمانه وتقواه. لكن سنجد في متصوفة الفرس رؤية معاكسة.
منه صوفية الفرس معروف الكرخي، شقيق البلخي، السهروردي، ابراهيم بن ادهم،ابو منصور الحلاج، ابو يزيد البسطامي، وصفي الدين اسحق الاردبيلي وعبد القادر الكيلاني، جلال الدين الرومي. ويمكن القول بأنه لم يكن في القرنين الثالث والرابع متصوفا عربيا. ومعظمهم يرجع نسبه لآل البيت فإبراهيم الدسوقي يرجع نسبه الى البيت العلوي. ومحمد بن محمد بن محمدبن حسين يرجع نسبه الى بني هاشم. والشيخ أحمد الرفاعي يرجع نسبه الى الامام موسى الكاظم، وصفي الدين الاردبيلي(الملقب بخليل العجم) يرجع نسبه إلى الإمام الحسين وهكذا.
ويذكر د. كامل مصطفى الشيبي في كتابه( تأريخ الطريقة الصوفية) بأنه" سبقت الدولة الصفوية حركات على أسس التصوف المسلح بزعامة علوية"، منها حركة الصفويين العلويين نعمة الله، وفضل الله الحروفي، ومحمد بن عبد الله المكنى(نوربخش) الذي زعم نفسه المهدي. وحركة الصفوي العلوي محمد بن فلاح الذي ثار في منطقة البطائح وإدعى أيضا بأنه المهدي، وقد جمع رسائله وخطبه في كتاب سماه(كلام المهدي). ومن المعروف بأن أتباع ( نوربخش) تميزوا بلبس السواد وهم أول من لبس العمامة السوداء وصارت تقليدا لعلماء الإمامية فيما بعد. للمزيد راجع(مجالس المؤمنين للسيد نور الله التستري). كما إن الشاه إسماعيل الصفوي كان بدوره متصوفا وكتب أشعارا يرددها أصحاب الطرق الصوفية ذات النزعة الصفوية المتشددة كالشبك والبكتاشية والقلزباشية. وقد ذكر اسماعيل عن نفسه" إن ولايتي الصوفية قد صدرت من ختم النبوة وكمال الولاية" للمزيد راجع( تأريخ إسماعيل شاه). ويصف الشيبي حركة إسماعيل شاه بأنها كانت" شيعية الإطار، صوفية المذهب".
سنقدم بعض من الخصائص المتشابهة بين الصوفية والصفوية:
الولاية
يرى الصوفية بأن منصب الغوث أو القطب ليس من صنيعة الإنسان، بل هو منصب إلهي. ويقول بهذا الصدد إبن عربي" لقد منحني الله تعالى هذا المقام، هبة منه ولم أنله بعمل، وإنما هو إختصاص إلهي". اليواقيت والجواهر/ ص66. وترى الصفوية بأن الولاية منصب إلهي أيضا، يذكر محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها" إن الإمامة منصب إلهي كالنبوة" ويضيف هادي الطهراني في كتابه(ودايع النبوة) بأن الإمامة ليست منصب إلهي فحسب بل هي" أجل من النبوة، وإن أعظم ما بعث الله تعالى نبيه من الدين هو أمر الإمامة". ومن المعروف إن أول من قال بالولاية وحصرها بآل البيت هو شيطاق الطاق(يلقبه الصفويون مؤمن الطاق) وكذلك هشام بن الحكم(للمزيد راجع رجال الكشي). وتتفق الصفوية والصفوية بأن نكران الولاية والمشخة والخروج عن الإمام والقطب يعد شركا. ففي أمالي الصدوق "إن من أنكر الولاية لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صوم". ويضيف المجلسي في البحار" ولو سجد الساجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه ذلك إلا بولاية أهل البيت". و في أصول الكافي وتفسير القمي وتفسير العجاشي والبرهان وبحار الأنوار ومرآة الأنوار ورد بأن" الكفر هو نكران الولاية". وعند المتصوفة كذلك حيث ذكر ابن عربي" من لا شيخ له فإن شيخه الشيطان".
التقليد
يؤمن الصفويون والصوفيون بضرورة وجود المرجع والشيخ وأن يقلده الأتباع، وجعلوا منهم أوصياء على المسلمين يأمرون وينهون كيفما شاءوا. وأسبغوا عليهم جمهرة من الألقاب لم يحمل الرسول(ص) لقبا مثلها أو يوازيها، ففي الصفوية توجد مرتبة روح الله وآية الله وحجة الله، وعند الصوفية القطب والغوث ووضع سلم بالمراتب كالاستاذ والمريد في التصوف والمرجع والمقلد في الامامية. والمريد والمقلد يمشون بتوجيهات عمياء فإرادتهم مسلوبة لإن طاعة الشيخ هي طاعة الله وغضبه هو غضب الله. يقول السهروردي" لا بد للمريد من شيخ مرشد الى الحق يرشده، ويلقنه الذكر، ويلقي في روعه النور"،كتاب(عوارف المعارف) للسهروردي. وكذلك الأمر عند الصفوية فقد ورد في كتاب الاعتقادات لابن بابويه القمي "أن الأئمة كالرسل، قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ،ومعصيتهم معصية الله ولا ينطقون إلا عن الله وعن وحيه". وفي بحار الأنوار جاء " أن طاعة الأئمة واجبة على الكائنات الجامدة من سماوات وأراضي وكواكب". ونسبوا للإمام الرضا(ع) قوله" الناس عبيد لنا في الطاعة" الكافي للكليني.
وفي الوقت الذي يقلد فيه أتباع التصوف الشيخ الكيلاني في العراق، والسيد البدوي في مصر فإن أتباع الصفوية يقلدون المراجع العليا كالسيستاني والخامنئي والحائري. وأصبح للقطب والمرجع قدسية كبيرة عند العوام حيث تُلتمس منه البركة والمغفرة والرضا والشفاء والثواب. ولم تقتصر القدسية على الأحياء منهم فحسب بل الأموات أيضا! فالأئمة والأقطاب لهم قدسية مفرطة عند أتباعهم. فزيارة قبر الأئمة تعتبر بركة ورحمة، حتى الله جل جلاله يزور قبورهم كما يدعي الصفويون. كذلك يشد الرحال مئات الالوف من الناس لزيارة ضريح السيد البدوي والشاذلي ملتمسين البركة منهم .
ولم يقتصر الأمر على الطاعة فحسب بل إمتد الى الشرك بالله من خلال القسم بالأئمة والشيوخ، وقد نهى الرسول(ص) عن الحلف بغير الله" من كان حالفا فليحلِف بالله او ليصمت". فالصفوين يقسمون بفاطمة الزهراء والأئمة. ويذكر السيد محمد الشيرازي في كتابه( العباس والعصمة الصغرى) عن مشاهداته في كربلاء شدة الخوف من القسم بالعباس" فبعضهم يهون عليه الحلف بالله سبحانه تعالى على الحلف بالعباس". وأتباع الصوفية يحلفون بالشيخ الكيلاني والسيد البدوي والمرسي ابو العباس والعدوي. يقول الكيلاني " من استغاث بي في كربة كشفت عنه. ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بيٌ في حاجة قضيت له". (للمزيد راجع كتاب الطرق الصوفية وإنتشار البدع/ د. احمد عبد الكريم نجيب).
عدم إكمال لنبي(ص)الرسالة السماوية والإنتقاص منه
يدعي الصوفيون بأن النبي(ص) لم يكمل الرسالة السماوية لذلك فهو يأتيهم او يزورهم في المنام ليبلغهم الأخبار والاذكار والاوراد ويكمل رسالته. فابن عربي ذكر بأن كتابه المسمى( فصوص الحكم) قد دلٌه عليه النبي محمد (ص) في المنام وأمره بتبليغه للناس" فجردت القصد والنية لإبرازه كما خطه الرسول(ص) من غير زيادة ولا نقصان". ويدعي الصفويون بأن أن الإمامة استمرار للنبوة (للمزيد راجع كتاب عقائد الإمامية للشيخ المظفر) ويزعمون بوجود كتب الجفر وقرآن فاطمة وغيرها. وقد إدعى الخميني بأن الرسول(ص) لم يبلغ رسالته " من الواضح ان النبي لو كان قد بلغ بأمر الولاية طبقا لما أمره الله وبذل المساعي في هذا الأمر لما نشبت في البلدان الاسلامية كل تلك الخلافات والمشاحنات والمعارك" (كشف الأسرار). وهذه الطروحات البليدة تنسف ما جاء في من سورة المائدة/3(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)). وفي العقيدتين هناك روايات كثيرة تنتقص من النبي المصطفى. يدعي ابن سبعين" لقد كذب ابن أبي كبشة(يقصد النبي محمد) عندما قال لا نبي بعدي". ويذكر الصفويون بأنه " لما ولد النبي مكث أياما بلا لبن فألقاه ابو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه اياما" وتكرر الحدث مع النبي(ص) نفسه" كان يؤتى بالحسين الى النبي فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزيء به، ولم يرضع من أنثى" كتاب الكافي.
الكهانة والسحر والتنجيم
روجت العقيدتين الكهانة والسحر والتنجيم بين أتباعهم، فهناك العديد من الرسائل والكتب تتضمن طلاسم سحرية وارقام وألغاز لايعقلها رشيد، وبعضها يتعلق بالتنجيم كقرعة الامام الصادق وقرعة ابن عربي. وجفر الإمام علي وغيرها. من طلاسم الصوفية في أورادهم " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فإنفذوا لا لا آلا إلا آلاؤك يالله. كدكد كردد كرده كرده ده ده الله رب العزة. طهور بدعق محببه صوره محببه سقاطيم أحوق ق أدم حم هاء أمين". للمزيد راجع( الطرق الصوفية في مصر/ د. عامر النجار). ويوصي الشاذلي أتباعه بحفظ طلسم( حزب البحر) وقراءته بعد العصر مدعيا انه يتضمن إسم الله الأعظم وهو" كهيعص كهيعص كهيعص أنصرنا فإنك خير الناصرين. شاهت الوجوه شاهت الوجوه شاهت الوجوه. طس حمعسق مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لايبغيان حم حم حم حم حم حم حم حم وجاء النصر فعلينا لا ينصرون". ومن الطريف إن الصفوية تفسر البرزغين" علي وفاطمة بينهما برزخ لايبغيان، أي لايبغي (علي) على (فاطمة) ولاتبغي فاطمة على علي. ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي الحسن والحسين عليهم السلام" (بحار الأنوار للمجلسي). ويردد الصوفيون الدعوة البرهتية" بسم الله الرحمن الرحيم وصلى على سيدنا برهتيه، تبتليه طارك، مزحل، برهشب، خوطر، قلينهود، برشا كطهير، بانموا شلخ، شماهير، شمها حيرحورب النو الأعلى عبطال، فلا إله إلا هو، رب العرش العظيم". ( للمزيد راجع كتاب مجمع الاوراد الكبير/ للسيد محمد الحسن المرغيني)
ومن أورادهم التي تضمنها كتاب ( الفيوضات الربانية والاوراد القادرية) هذا الطلسم العجيب" يا الله بصعع، والباب بهبوب هبوب أو النور السام بسهسوب سهسوب ذي الفر الشامخ مطهطوب هطوب يالله يالله كهوب كهوب كهوب بي".
وعند الصفوية توجد آلاف الطلاسم السحرية. منها ما جاء ذكره في بحار الأنوار عن الإمام الصادق" إذا كانت لك حاجة الى اللّه، وضقت بها ذرعـًا، فـصلّ ركعتين، فإ ذا سلّمت كبّر اللّه ثلاثًا، وسبّح تسبيح فاطمة ثـمّ اسـجـد وقـل مـائة مـرّة: يـا مـولاتـي فـاطـمـة اغـيـثـيـنـي. ثـمّ ضـع خدّك الايمن على الأرض وقـل مـثـل ذلك ثـمّ عـد الى السـجـود وقـل ذلك مائة مرّة وعشر مرّات، واذكر حاجتك، فإ نّ اللّه يقضيها".
وعن أبي جعفر (ع) قال: من نفرت به دابة، يقول" يا عباد الله الصالحين أمسكوا علي رحمكم الله، يا نارفي ع ح ويا ه ا ه ح". فإن البر موكل به ارع ح والبحر موكل به ه و م ح". وذكر ابن طاووس في (كتاب المعادات) حرزا عجيبا ضد السهام نسبه الأفكاك إلى الإمام علي(رض) مشترطا كتابته بالمِسك والزعفران على جلد غزال وهو" آهيا أدوناي. سوماه بع مالح. هملو حيم ساهويرا. أديالو اساماي ألوهي. الشهيا سر عارام أوراب. صفواث صوصو بواره لا". فإن كان للإمام علي هكذا حرز فلماذا لم يحميه من قاتله إبن ملجم؟ وفي كتاب (ضياء الصالحين) يوجد حرزان مهمان تكتبهما وتشدهما على ساقك فلا تعجز عن المشي" يا اينكج يا كينكج يا نينكج" أو الآخر" يا طيعوا علجح الذي يعفوا عن المدبري" وهما يفيدان في مراسيم عاشوراء بالمشي على الأقدام مئات الكيلومترات لزيارة الأئمة، ربما يفيد في ما يسمى( ركضة طويريج).
أستحلفكم بالله اليس قراءة القرآن الكريم أفضل من قراءة هذه الهرطقات؟ اليس الغرض منها كما يبدو للعقلاء ابعاد المسلم عن تلاوة الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة، وإقحامه في متاهات وترهات وهرطقات لايفقه منها شيئا؟ لأنها أصلا لاشيء.
للحديث بقية بعون الله ورضاه.