الذين أساءوا للإسلام
كاظم فنجان الحمامي
لا يقتصر وجود الذين أساءوا للدين على زمن محدد, ولا على طائفة بعينها, فهم مثل الأحراش الطفيلية الضارة, تظهر من وقت لآخر في الحقول والبساتين, لتشوه نضارة الحدائق الجميلة, وتغير بعض معالمها الخارجية, لكنها سرعان ما تختفي وتزول, لتعود إلى الظهور في مواسم الجدب والجفاف. .
من المفارقات العجيبة إن معظم الإساءات التي شاهدناها أو سمعنا بها أتت من الذين يفترض بهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في تطبيق تعاليم الدين الحنيف, فكانت مواقف الغلو والتطرف والتعصب والإفراط في المظاهر الخداعة هي النوافذ, التي تسربت منها خفافيش التحريض والعنف والقتل والترهيب والتضليل والكراهية..
فالإسلام دين السلام والمحبة والتسامح, وقد بعث الله خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وأله) لسعادة البشرية كافة, فحمل رسالة سماوية سامية تدعو المسلمين للتحرر والانعتاق من الظلم والعبودية, وتدعوهم لإعلاء ناصية العلم والتعلم, فكان العلم فريضة على كل مسلمة ومسلمة, وتدعوهم إلى التواد والتلاحم والوئام, فحري بنا أن نراقب أنفسنا لنرى إلى أي حد اتخذناه قدوة لنا, وإلى أي حد تمسكنا بقواعد التعايش السلمي مع الناس, بيد ان المؤسف له إننا سمعنا في الألفية الثالثة بمن أفتى بقتل الأجنة وهم في بطون أمهاتهم لا لشيء إلا لأن بذورهم نبتت في أرحام أخرى.
فالذين يسيئون للإسلام هم الذين يذبحون الناس ويقتلونهم على الهوية, وهم الذين يفجرون المساجد ودور العبادة, وينسفون الكنائس, ويقتلون الأبرياء في الأسواق والمطارات والمنافذ الحدودية والجامعات والمدارس, ويفعلون الأفاعيل المخزية باسم الجهاد. .
والذين يسيئون للإسلام هم الذين يعلمون صغارهم مبادئ الحقد والكراهية, ويغرسونها في قلوبهم, ويغذونها بالخرافات البالية المنبعثة من أوكار الجهل والتخلف. .
والذين يسيئون للإسلام هم الذين جمدوا الدين في صور الاستعراضات الخارجية بالثياب والأزياء, وحددوه بخرائط اللحية والشوارب, ثم أضافوا له إكسسوارات الخواتم والمسابح والجباه المكوية. .
والذين أساءوا للإسلام هم الذين أفتوا بجواز الاختلاء بالموتى ومضاجعتهم قبل الدفن على طريقة المندس عبد الباري الزمزمي, وهم الذين أجازوا استعمال (الونّاس), وسمحوا بمشاهدة الأفلام الخليعة, ثم أجازوا رضاعة الكبار والصغار في أماكن العمل بذريعة الورع والتقوى. .
والذين أساءوا للإسلام هم الحكام الذين خذلونا وتآمروا علينا, وباعوا أنفسهم للشيطان, وتحالفوا مع قوى الشر والظلام, وأعلنوا الخضوع والخنوع لأعداء الحق, وتنكروا لكل القيم والأعراف والمواثيق. .
والذين أساءوا للإسلام هم الذين يتشدقون بالخطب الرنانة, التي تتظاهر بمنع ازدراء الأديان, ويتحذلقون بدعوة الناس للتعايش السلمي, لكنهم يحثون أتباعهم في الخفاء نحو التنافر والتباعد والازدراء. فكان التكفير عنوانا بارزا للمسالك التي انتهجوها في تعاملهم اليومي مع الناس. .
والذين أساءوا للإسلام هم الذين لا يحسنون التحاور مع الناس إلا بالمسدسات الكاتمة والعبوات اللاصقة والأحزمة الناسفة, ولا يحسنون الاحتجاج والاعتراض إلا بالعنف ونصب الكمائن لخصومهم, ولا يترددون من التمثيل بجثث قتلاهم. .
والذي أساءوا للإسلام هم الذين أرسلوا هذا الذي وقف بين الفقراء زاعما انه من المقاولين, وانه جاء ليوفر فرص العمل للعاطلين منهم, فلما تجمعوا حوله, فجر نفسه بعبوة ناسفة, وقتلهم جميعا (تقربا إلى الله). .
والذي أساءوا للإسلام هم الذين فجروا مساجد السنة, ونسفوا حسينيات الشيعة, ودمروا كنائس النصارى, ودخلوا مآتم العزاء (مجالس الفاتحة) ليفجروا أنفسهم وسط المعزين. .
لقد كانت التعددية المذهبية في الفكر الإسلامي سمة واضحة من السمات, التي اتسم بها المسلمون في عصور الألفة والتسامح, لكننا لا نجد شيئا من تلك التعددية في ضوء الأفكار التكفيرية التحريضية المتقاطعة مع المبادئ الإسلامية الرفيعة, والتي تبثها الفضائيات الطائفية, المتخصصة في بث الفرقة, وتأجيج النعرات, وإشاعة الفوضى. .
ان هذه النماذج السيئة لا تمثل الإسلام, ولا علاقة لها بالعرب والمسلمين, فليست أخلاق هؤلاء أخلاق العرب, ولا سجاياهم سجايا الذين آمنوا بالله الواحد الأحد الفرد الصمد, فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه, وخير الناس من نفع الناس, والكلمة الطيبة صدقة, ورأس الحكمة مخافة الله, والله أرحم الراحمين. .