مصائب عراقية في برج الدلو
كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
ماذا لو اكتملت السدود التركية المقامة على دجلة والفرات ؟؟ وماذا لو انقلب السحر على الساحر
وانهارت تلك السدود ؟؟؟ صوَّرَ الفلكيون العرب برج الدلو
بصورة رجل يسكب الماء في فم الحوت, وشاءت الأقدار أن تتجمع مصائب العراق الطبيعية
في سواقي وجداول وسدود وبحيرات برج الدلو, بعد أن اشتركت الحيتان (الشقيقة
والصديقة) في تنفيذ سلسلة تعسفية جائرة من مشاريع التعطيش والتجفيف والتحريف, التي
قد تنقلب رأسا على عقب بلمح البصر لتجلب لنا كوارث الطوفان والفيضان والتجريف
والتغريق من فيكم سمع بدولة آسيوية فكرت في يوم
من الأيام بتجفيف منابع المياه عن جيرانها الذين يدينون بالديانة البوذية ؟, ومن
فيكم سمع بدولة من دول أمريكا اللاتينية نفذت بالجملة سلسلة من السدود والحواجز
الصناعية من أجل تعطيش جيرانها, وحرمانهم من شرب الماء ؟. لقد خص الله الفرات في
كتابه المجيد, حين قال عنه: ((وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرينِ
هذا عَذبٌ فُراتٌ وهذا مِلحٌ أُجَاجٌ بينهُما برزخاً وحِجْراً مَحجُوراً)) كان هذا النهر المقدس ينبض بالحياة,
ويجري كبطون الحيات, وينساب مع توأمه دجلة في وديان هذه الأرض الطيبة, التي حملت
شعار الميزوبوتاميا (الخصب والنماء والعطاء) منذ بزوغ فجر الحضارات الإنسانية,
فيصبان معا في شط العرب, النهر الذي فقد عذوبته, وتشوهت صورته, وصار امتدادا ملحيا
لأخوار الخليج العربي, ثم فقد اسمه, وأصبح له اسما رديفاً باللغة الفارسية. .
ترى هل كان شط العرب يتغير اسمه إلى (أروند
رود) لو كان يجري بين الأقطار الأوربية المتجاورة ؟. وهل سمعتم في يوم من الأيام
بتغير أسماء الأنهار وتبدل عناوينها ؟, هذا نهر (الدانوب) أطول انهار أوربا, يمر
ويعبر ويحاذي عشر دول أوربية: ألمانيا (23%), النمسا (10%), سلوفاكيا (6%), المجر
(11%), كرواتيا (4%), صربيا (10%), رومانيا (29%), بلغاريا (5%), مولدافيا (حوالي
الكيلومترين), وأوكرانيا (4%), ولم يتغير اسمه. وهذا نهر النيل, أطول أنهار العالم
يجري ويمر ويحاذي عشر دول افريقية, مصر, السودان, إقليم جنوب السودان, إثيوبيا,
رواندا, تنزانيا, أوغندا, بوروندي, كينيا, والكونغو الديمقراطية, ولم يتبدل أسمه,
فلماذا تتغير أسماء أنهارنا, وتتقطع شرايينها من دون أن نحتج على ما تفعله بنا دول
الجوار ؟؟.
لو كان العراق بين ألمانيا وهولندا
لما تجرأت ألمانيا مثلما تجرأت إيران المسلمة وغيرت مسارات المياه الطبيعية
المتدفقة نحو حقولنا وبساتيننا من جهة الشرق, ولما أقدمت على تجفيف نهر الوند
وهوشياري وتفرعاتهما, ولو كان العراق بجوار هولندا لما فكرت حكومة (أمستردام)
بإقامة حزمة من السدود العملاقة لتتحكم بآخر قطرة مياه قد تصل إلى جنوب العراق,
مثلما فعلت تركيا المسلمة, ولما أقدمت الشقيقة سوريا على سرقة مياه دجلة, وتحويلها
نحو صحراء الحسكة بمشروع خرافي مولته جارتنا العربية الصغيرة. . أيكون هذا حالنا لو كنا بجوار دول
الاتحاد الأوربي ؟, أم نكون بهذا الحال لو كنا بجوار المكسيك أو كوستا ريكا ؟, أو
بجوار فيتنام وأخواتها ؟؟. .
ستقيم حكومة أنقرة حزمة من السدود
الجبارة لتعلن الحرب على العراق بعد اكتمال مشروع (الغاب) في شريعة الغاب, تمهيدا
لفرض سلطتها الانكشارية المائية في التحكم بكل جزيئة (H2O) تنتجها
هضبة الأناضول, وتبعثها نحو الأراضي العراقي المهددة بالجفاف والتصحر, ها هي حكومة
السلطان أردوعان تتصرف على هواها بهذه الطريقة السافرة على الرغم من كل الاتفاقيات
والمواثيق الدولية, التي تقضي بعدم التلاعب بحصص العراق من مياه الرافدين, ما يوحي
بأننا نقف اليوم على مشارف حرب غير تقليدية ستشنها تركيا علينا في السنوات القريبة
القادمة, في الوقت الذي انشغل فيه أبطال العملية السياسية بحروبهم الحزبية
والطائفية والعقائدية والعرقية, وسوف لن تقتصر الأوضاع المستقبلية في إطار هذه
الصورة المأساوية, فالكارثة الحقيقية التي تهدد العراق وشعبه تجسدها الاحتمالات,
التي تحملها لنا السيول الجارفة, بمجرد تعرض سدود أليسو أو سدود أتاتورك للتدمير
بعبوة ناسفة, أو تعصف بها هزة أرضية فتتشقق أحجارها الصلدة لتتفجر بالماء, وإن من
الحجارة لما يتفجر منه الأنهار, وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء, عندئذ ستتفجر
المياه المحتجزة خلف جدران السدود لتنطلق نحو الجنوب في موج كالجبال, بتعجيل متسارع,
يدمر السدود كلها بقوة خارقة لا تضاهيها قوة, فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاءَ, وكان
وعد ربي حقا, فتتساقط واجهات السدود مثلما تتساقط قطع الدومينو, الواحدة تلو الأخر,
فيجرفها الطوفان, ويجرف في طريقه سد الموصل, في متوالية كارثية غير محسوبة العواقب,
فلا جبل يعصمنا منها, ولا عاصم لنا يومئذ إلا الله, عندئذ يتذكر العراقيون وأنى لهم
الذكرى, سيتذكرون فصول ملحمة الطوفان بعد أن تغمر المياه العراق كله, ولات حين مندم,
فقد رحل جلجامش, وهبطت سفينة سيدنا نوح على الجودي, وانتهت عصور المعجزات الكونية.
. سيسحق الانهيار المأساوي المحتمل
الأخضر واليابس, ويدمر المنشآت الحيوية, ويجرف الجسور والقناطر, ويغطي أسطح
المنازل, ويتسبب في تشريد الناس, فالسرعة التي تبنى فيها السدود التركية تستدعي
التقدم بشكوى إلى المنظمات الدولية, لاستنفارها في الوقوف معنا ضد المشاريع
التعسفية, التي تستهدف تعطيش العراق, وتستهدف أيضا إغراقه بالسيول الجارفة, ولابد
لنا من تنبيه المجتمع الدولي وتحذيره من النوايا الحقيقية لإقامة مثل هذه السدود,
والتأكيد على دراسة الأثر البيئي لضمان سلامة العراق وشعبه, وإجبار تركيا على
الإقرار بحقوق العراق, والاعتراف بمسؤوليتها الكاملة عن أي أضرار قد تحيق بالشعب
العراقي, والاحتكام إلى خبراء دوليين إذا لزم الأمر للتوفيق بين وجهات النظر طبقا
لمتطلبات وقواعد الأخطار والكوارث المحتملة, ولابد لنا من اللجوء إلى المحافل
الدولية للتحذير من مخاطر البناء العشوائي المتسارع للسدود التركية, التي زاد عددها
على العشرين, ولابد لنا من تحريك الدعاوى القضائية ضد الشركات العالمية المتورطة في
تنفيذ مشاريع السدود التركية. . . ولكي نعيد إلى الأذهان كوارث السدود
وانهياراتها المدمرة لابد لنا من الإشارة إلى انهيار
سد (سانت فرانسس St.
Francis) في لوس انجلوس عام 1928, عندما اندفعت كميات
هائلة من المياه تقدر بخمسة وأربعين بليون غالون, بسرعة 36 كيلومترا بالساعة,
فتشكلت موجة مائية عاتية باتساع ثلاثة كيلومترات, جرفت معها جثث الضحايا, ورمتهم في
جوف المحيط الهادي, وفي عام 1975 انهار سد
(بانغياو bangiao) المقام على
نهر (رو) في الصين, فعلى الرغم من كونه سدا صغيرا مخصصا لاحتجاز المياه في موسم
الأمطار, إلا إن انهياره تسبب في قتل حوالي (240000) من السكان, وتراوح ارتفاع
أمواجه المندفعة باتجاه القرى بين (3 – 7) مترا, باتساع عشرة كيلومترات, وبسرعة
(50) كيلومترا بالساعة, غطت حوالي (12000) كيلومترا مربعا, ولابد لنا من التذكير
بالكارثة التي تسبب بها سد (تيتون Teton)
في الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من حزيران عام 1976, فعلى الرغم من انه
قتل (11) شخصا فقط, إلا انه تسبب في فقدان (13000) رأسا من الأبقار, وخسائر مادية
بلغت قيمتها وقتذاك مائة مليون دولار. وفي احتفال يوم (الأرض), الذي أقامته منظمة
اليونسكو في 12/2/2008, وقع الاختيار على كارثة سد (فايونت Vaiont)
باعتبارها الكارثة المائية الأسوأ في العالم, وقد تعرض هذا السد المقام في ايطاليا
شمال مدينة البندقية إلى انزلاقات أرضية عام 1963 تسببت في موت (2000) من سكان
القرى القريبة, ولا ندري لماذا تجاهلت اليونسكو كارثة سد (بانغياو) في الصين, والتي
راح ضحيتها ربع مليون نسمة. واختتمت البرازيل مسلسل كوارث السدود
هذا العام 2012, عندما أجلت سلطاتها المحلية نحو (35000) من قراها أثر انهيار سد (ميناس
جيراس). . اما على الصعيد العربي فقد كان
لانهيار سد (القنفذة) في السعودية في العام الماضي الأثر الكبير في تدمير البيئة
وتشريد الناس, وتجدر الإشارة هنا: إن بعض هذه السدود أقوى بكثير من السدود التي
أقامتها تركيا, لكنها لم تصمد أمام انزلاق التربة, ولم تصمد بوجه الهزات الأرضية,
ولن تتسامح مع الأخطاء البشرية المتوقعة, فما بالك بمجموعة السدود التركية, وما
تخبئه لنا من كوارث ومصائب وويلات ونكبات ؟؟؟. ونحن إذ نحذر من هذه المخاطر
المحتملة, ونخشى الكارثة المترتبة على انهيار السدود التركية, ننصح بالإعلان عن
(فزعة) علمية يشترك فيها جهابذة الهندسة والرياضيات في الجامعات العراقية ليحسبوا
لنا كميات المياه, التي ستجرفها التيارات العنيفة عند انهيار السدود المقامة الآن
في هضبة الأناضول, ويحسبوا لنا سرعاتها وارتفاعاتها وقوتها, وآثارها التخريبية
والتدميرية والإجرامية, والإعلان عن (فزعة) علمية أخرى يشترك فيها علماء الجغرافيا
والزراعة والري والتصريف النهري ليحسبوا لنا آثار الجفاف والتصحر, فالمؤشرات
المستقبلية والثوابت الموجودة على أرض الواقع تؤكد بما لا يقبل الشك إننا صرنا بين
حانة ومانة, بين أن نموت عطشاً, أو نموت غرقاً. ألم أقل لكم إننا سنكون بأحسن حال
لو كنا بين ألمانيا وهولندا ؟؟. . والله يستر من الجايات