سيكولوجية العنف الجامعي والمجتمعي

عن السلوكيات العدوانية وجرائم العنف في المجتمع

صالح خريسات

 كل مجتمع يتضمن جملة من الأعراف، والقواعد، والعادات، والتقاليد، وأصول التعامل. وقد جرت العادة، أن يكون سلوك الأفراد، لائقا ومناسبا، حسب الأصول المرعية، في المجتمع المحدد.

 إن الحدود التي يضعها أي مجتمع، لما يعتبره سلوكا لائقا، تحير الناس في المجتمعات الأخرى أحيانا.

فما يعتبر إثما في مجتمع ما، قد يعتبر فضيلة في مجتمع آخر. وهناك فئة من الأفراد، في كل مجتمع، يعتبرون مجانين، بمعنى أنهم يسلكون بشكل لا يمكن التنبؤ به، وخلافا لما يتوقعه أعضاء المجتمع الآخرين. في مجتمعات معينة، يعتبر الناس قيام فرد بالسير في جوار فتاة، أو بمحاذاتها، أو ملامستها بشكل مغاير للأسلوب المتبع عندهم، جريمة تهد كل ما يمثله المجتمع. في مجتمعات أخرى، يعتبر الخطأ في أسلوب تحية الفرد للآخرين، سببا في إنزال ذلك الفرد إلى مركز متدن اجتماعيا، كما لو كان أحمق أو أبله.

 إن قواعد السلوك التي تشجع الأفراد على القيام ببعض الأعمال السلوكية، وتدفعهم إلى ذلك لا تكون نفس القواعد في المجتمعات المختلفة. فمهما كان السلوك كريها ومرفوضا في مجتمع ما، فإن ذلك السلوك نفسه في وقت آخر، أو مكان آخر، يكون مقبولا وغير متعارض مع قواعد السلوك المرعية في ذلك المجتمع. في بعض المجتمعات، يتهم الشخص الذي يمارس موهبة القراءة بالجنون، ويعامل معاملة الشاذين عقليا. وفي بعض المجتمعات، يهاجر الأفراد نتيجة تطور عقليتهم، وانفتاحهم على مجتمعات أخرى، ولكنهم إذا فعلوا عليهم أن يصبحوا أعضاء في مجتمع آخر، وبالتالي عليهم أن يخضعوا لتقاليد جديدة.

 لقد أظهر علماء الاجتماع من خلال التجارب المخبرية، أن قدوم الناس، من مناطق عالية الحرارة، يجعلهم يشعرون أكثر إثارة وغضبا، مما لو قدموا من مناطق معتدلة الحرارة. فالأفكار العدوانية تتزايد تبعا لذلك. إن الطقس الحار، عندما يتزايد مع التحريض والإثارة العصبية، يزيد من نزوع الفرد إلى إيذاء الآخرين.

 إن الظروف الإقليمية في جرائم العنف، مرتبطة ارتباطا ايجابيا بالفروق الإقليمية في معدلات ارتفاع الحرارة، وسهولة الحصول على متطلبات الحياة، والفقر، واكتظاظ السكان، والثقافات الإقليمية الداعمة للعنف. ونلاحظ أن فصل الصيف تتزايد فيه معدلات جرائم العنف والاعتداء والقتل، أكثر من بقية فصول السنة، معنى ذلك أن تأثير البيئة، والمجتمع الذي أتى منه الطالب، له تأثيره في سلوكه العدواني. ويرى علماء النفس والاجتماع، أن النتيجة السلبية للعيش في المجتمعات المغلقة، والأحياء الشعبية، وغياب عنصر المعرفة والتنوير العقلي، هي أسباب إضافية في ارتفاع نسبة جرام العنف والسلوك العدواني في الجامعات.

 وبرأيي أن معظم جرائم العنف ناجمة عن الأفكار العدائية ومشاعر الغضب. فالناس بفعل ضيقهم، وتوتر أعصابهم، يخرجون إلى ارتكاب جريمة القتل. ولكن ما هو حجم الخلافات والتحريضات، التي تنجم عن زيادة توتر الطلاب، بفعل عوامل الحرارة، والفقر، وغياب عنصر المعرفة؟. إن الجواب يجب أن نجده في البيئة العلمية، والدراسات ذات الطابع العلمي، التي ننتظرها من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية.