هل ستدفع روسيا ثمن خطأ خيارها في سورية
هل ستدفع روسيا ثمن خطأ خيارها في سورية؟
د. عبدالله تركماني
روسيا كغيرها من الدول تتحكم مصالحها بكل تصرفاتها، وهذا أمر مشروع في المواقف الدولية، حيث يصح القول " ليس هناك من صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة ". ولكنها في سورية اتخذت سياسة خاطئة بشكل غريب وصريح، حيث ساندت بشار الأسد رغم هول الجرائم التي استمرت قواته وشبيحته بارتكابها منذ ما يزيد عن ستة عشر شهراً، وبذلك ساندت سلطة ساقطة، لا قيمة لها إقليمياً أو دولياً أو شعبياً.
ويبدو أنّ القياسات التقليدية، التي تعتمدها القيادة الروسية، لم تساعدها على تقدير الموقف الصحيح في سورية مما يفسح في المجال لقراءة احتمالات المستقبل. فما لم يفهمه الروس أنّ الشعب السوري، بأكثريته الساحقة، يرفض سلطة الأمر الواقع القائمة، وأنّ أي تلويح باستخدام الفيتو في مجلس الأمن إنما يصب في خدمة سلطة لا تمتلك أي أفق سياسي، لا همّ لها سوى إطالة عذابات الشعب السوري وسفك مزيد من الدماء البريئة من أجل استمرار سلطتها.
مما يستوجب مجموعة أسئلة: لماذا الإصرار الروسي على دعم سلطة مرفوضة من شعبها ؟ بل لماذا الإصرار على زيادة عذابات الشعب السوري ؟ هل المطلوب إطالة الأزمة السورية إلى أقصى حد ممكن لتفكيك الكيان السوري ؟ وهل هناك تلاقٍ على ذلك بين روسيا وإسرائيل ؟ أم هل يظن قادة روسيا أنّ سورية ورقة يمكن من خلالها الحصول على مكاسب في الشرق الأوسط والعالم ؟
إنّ ما يتبين - مع مرور الوقت - أنّ الشعب السوري يزداد إصراراً على التخلص من سلطة الاستبداد والقتل والفساد، وأنّ الأوضاع على الأرض ليست في مصلحة القاتل الأسد، وبالتالي فإنّ سقوطه بشكل مفاجئ، أو انهيار الأوضاع في سورية، من شأنه أن يفقد روسيا ورقة مهمة، وحينها لن يكون بمقدورها تأمين مصالحها في سورية، كما لن تكون لكلمتها كثير قيمة.
وقد لا نكون مبالغين إذا قلنا: إنّ الموقف الروسي أضحى حاضراً في تفاصيل ومراحل تطور الثورة السورية كافة، لاسيما في بعديها المحلي والدولي. فالدعم الروسي المتنوع جعل سلطة الأمر الواقع أكثر تعنتاً في وجه مطالب التغيير، بل شجعها على الاستمرار في الحل الأمني للقضاء على المعارضة والثوار، وهذا بدوره قاد إلى تزايد وتيرة العنف والقتل والدمار.
ولا شك أنّ مجرد وقوف روسيا موقفاً إيجابياً تجاه الحالة السورية، بابتعادها عن دعم الطاغية، فإنّ من شأن ذلك أن يشكل ضغطاً على القاتل وأتباعه في الداخل. فحينها سيكون بلا غطاء دولي، وتحديداً في مجلس الأمن، مما يتيح إمكانية العودة للمجلس مرة أخرى، لتكون خطة عنان تحت الفصل السابع، كما طالبت مجموعة أصدقاء الشعب السوري في باريس، مما يعني أنّ هناك قراراً دولياً حقيقياً وفعلياً لإنهاء حقبة آل الأسد، أو لاتخاذ خطوات عملية أخرى، وهي الرسالة التي سيفهمها حلفاء الطاغية في الداخل جيداً.
ولكنّ السلوك الروسي، في سياق الأزمة السورية، تعرّض لامتحانات عدة، ولم تكن النتائج إيجابية، بحيث يظهر أنّ ما تمارسه الدبلوماسية الروسية يمثل استراتيجية وليس تكتيكات سياسية، كما بدت واضحة محاولات توظيف الأزمة السورية في سياق صراع المصالح والنفوذ الذي تخوضه مع الغرب. وتكمن الإشكالية - في هذا الإطار - في حقيقة أنّ حزمة المطالب التي ترفعها روسيا، في مواجهة منافسيها وخصومها، كبيرة تشمل مكانتها الميدانية في منطقة الشرق الأوسط ومكانتها السياسية ونفوذها في مجلس الأمن، وكذلك علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن تحقيقها عبر تنازلات غربية في خصوص " الدرع الصاروخية " التي ترى أنها تفقدها قدرة الردع النووية، وتسعى لإبرام معاهدة شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي تشمل إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنيها، وكذلك منحها تسهيلات إضافية في إطار منظمة التجارة الدولية، أو تخفيف الدعم الغربي للحركة الاحتجاجية في روسيا.
وهكذا، فإنّ روسيا لا تزال تتحرك في المربع الأول، في ما يتعلق باستعادة دورها على الساحة الدولية. فبعد أن فشلت في حماية محيطها الاستراتيجي في وسط آسيا وشرق أوروبا، تحاول تحقيق ما لم تحققه هناك على الأرض السورية. ويبدو أنها مهددة بخسارة مصالحها في سورية والمنطقة العربية لأنها لم تحسن قراءة المشهد السياسي العربي وما حدث من تغيّرات سياسية، تراجع بموجبها دور النخب السياسية التقليدية وتزايد دور النخب السياسية الجديدة، في وقت تعاظم دور الرأي العام العربي، وهذا يجعلها بحاجة إلى سياسة خارجية براغماتية تأخذ بالحسبان التفاصيل كافة في السياسة الإقليمية من دون الركون إلى أبجديات الحرب الباردة. ومن المرجح أن تخسر روسيا نفوذها في سورية المستقبل، وهذا يجعل الموقف الروسي من الأزمة السورية، وإن بدا مؤثراً، إلا أنه في النهاية لن يخرج عن الدور المعطل وليس الفاعل.
إنّ السياسة الروسية، التي تضع العراقيل أمام أي تقدم باتجاه ضغوط دولية فاعلة ضد سلطة الاستبداد، لا تهوى الأسد لشخصه ولا تحب هذه السلطة في ذاتها، بل تريد حماية مصالحها التي يضمنها وجودهما. والسؤال هو: هل يمكن مراجعة هذه السياسة إذا طُرحت صيغة للتغيير تحافظ على مصالح روسيا، وتضمن عدم تعرضها للتهديد، وتتيح لها دوراً رئيسياً في ترتيبات هذا التغيير وما يقترن به من نقل للسلطة ؟
(*) – نُشرت في صحيفة " القدس العربي " – لندن 14/7/2012.