وحدة عمل المعارضة: إمكانية، وخلفيات..
عقاب يحيى
قيل الكثير في حال المعارضة : ضعفها، وتشتتها، ومسؤوليتها في الذي يجري، وحمّلها" المجتمع الدولي"، وما يزال أعباء استمرار نظام الإجرام، أو عدم اتخاذه قرارات تستجيب للحد الأدنى من مطالب الشعب السوري وثورته، وأقله : حماية المدنيين من الإبادة، والمناطق الآمنة، والعازلة ..
ـ المعارضة اتجاهات وخلفيات فكرية وسياسية، وتكوينات متعددة،وتاريخ من الإخفاق والمحاولات المتقطعة لإثبات شيء من حضور وفعالية. والمعارضة التقليدية أفنت عمرها بحثاً عن حيّز أو فضاء لها ولو على هامش نظام الفساد والاستبداد وما قدرت لأسباب تتجاوزها. وحين فاجأت الثورة الجميع ارتبكت، واهتزّت، وازدادت شقوقها، وأزماتها البنيوية واللاحقة.. فتخلف بعضها عن الركب، وركب قسم مركب الثورة ولو بشكل انتهازي وشعبوي، ونصب آخرون أنفسهم أوصياء ومعلّمين وموجهين بطريقة فوقية تبحث عن أخطاء الثورة كمبررات لدورها، بينما التحق بها كثير بإخلاص وصدق وعلى شكل فردي أو مجموعات جديدة.. في وقت تتوالد يومياً حالات وتشكيلات معارضة يصعب على أي اختصاصي في علم الحساب والجمع والإحصاء معرفتها، والتمييز بينها .
ـ وحدة المعارضة عنوان فضفاض، هلامي، وغير واقعي لأنه يستحيل توحيد الاختلاف، لكن وحدة العمل، والموقف، غاية ضرورية لخدمة الثورة، وقطع الطريق على ذرائع تقصير المجتمع الدولي ومطاطية مواقفه المعروفة أسبابها ودوافعها . تلك الوحدة لم تكن ممكنة قبل أشهر حين كان الخلاف على الأساسيات بيّناً، وحين كانت الفجوة كبيرة لا يمكن ردمها. والأساسيات تتعلق بالهدف المركزي، قبل البحث في آلياته وتكتيكاته : إسقاط النظام بكامل مكوناته ورموزه، وبناء البديل على أنقاضه، حيث كان الافتراق واضحاً بين دعاة الحلول السياسية، التدرجية، التكتيكية، وبين اطروحات الجذرية التي تطالب باشتلاع النظام بكل الوسائل، بما في ذلك دعاة التدخل العسكري،ومروحة التدخل المتفاوتة ، ناهيك عن دخول العوامل الحزبوية، والعصبوية، والذاتية، والبروزية على الخط المانع لوجود صيغة ما تكون الإطار العريض للاتفاق .
ـ لنقل : ان متغيرات كثيرة حدثت دفعت إلى التقارب، أسهم فيها إجرام النظام وإيغاله بالدم، وقطعه الطريق على أية مراهنة عليه، أو تسوية معه، وثبات وتعاظم الثورة، فلم يبق لبعض من انتظر طويلاً الرهان على النظام سوى الانتقال إلى خندق أقرب للثورة، وإلى خط المواجهة التي لا مكان فيها للمساومة والحسابات الخلبية .
إن تطور موقف أية قوة معارضة، بغض النظر عن الأسباب، وحتى الخلفيات، وعن الماضي يجب أن ينظر إليه إيجابياً، وأن يجري العمل لملاقاته وتعميقه، وهو ما يفتح الطريق للتقارب، والعمل المشترك لنصرة الهدف الرئيس : إسقاط النظام وانتصار الثورة، وقطع الطريق على المواقف الرخوة، أو الشعبوية المشبعة بالانتهازية. وهنا يمكن لشعار وحدة عمل المعارضة أن يجد مرتسماته . وهنا يصبح المطلوب من جميع القوى المعنية، خاصة المجلس الوطني العمل على توفير شروط وحدة الموقف بما يخدم الثورة،وليس أي شيء آخر، خاصة وأن المجلس الوطني معني بأن يكون الحاضنة، والخيمة للجميع، وأن يقترب بذلك من التمثيل الحقيقي للشعب والثورة .
ـ لا شك، ومناخات إيجابية تنتشر، أن البعض ما يزال يراهن على المبادرات السياسية طريقاً وحيدا، لقناعة بأنها السبيل الوحيد لتفكيك النظام وتجنيب البلاد الحرب الأهلية(التي يعتقدون أنها قائمة، او قادمة لا محالة) في حين تثبت الوقائع ضآلة فرص نجاحها، وهو الأمر الذي يقتضي وضع ضوابط حازمة،جازمة لأي محاولة تفاوضية، حدودها التي لا يمكن تجاوزها : تنحية ورحيل رأس النظام ورموزه، وتقديم المتورطين بقتل الشعب لمحاكم دولية ومحلية لينالوا العقاب الذي يستحقون..وهذا ما أكدته وثائق مؤتمر المعارضة في القاهرة في وثيقتي العهد الوطني والمرحلة الانتقالية، والتي فتحت الطريق للخيارات الأخرى بتوافق الجميع عليها .
ـ الجميع يدرك أن حكاية المفاوضات عبثية بالنظر إلى طبيعة نظام الإجرام ومدى حقده، ومستوى تحالفاته، وجوهر المواقف الدولية الرجراجة التي لا يكترث عديدها بالدماء السورية، بل لعل عين الحقيقة تقول أن مزيد الدمار والقتل والخراب .مزيد الشروخ الاجتماعية تمثل خطاً صهيونياً رائجاً لا بدّ وانه يلقى قبول دوائر دولية عديدة،خصوصاً وأن الموقف الأمريكي سيبقى مائعاً على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية .
ـ إن توصل المعارضة لشكل من التوافق، ونبذ الخلافات، والمهاترات، والابتعاد عن الحزبوية، والذاتية النرجسية، والتوحد حول الهدف المشترك سيكون له تأثيره الكبير في الساحة السورية، وسينعكس إيجاباً على قوة وفعل الثورة، وتصاعد زخمها، وعملياتها : الرهان الأساس. ومنهنا فإن اللقاء الإيجابي بين المكتب التنفيذي للمجلس الوطني وهيئة التنسيق في القاهرة لا بدّ وأن يترك آثاره المفيدة على الحراك الثوري ومستقبل مسيرة المجابهة المفتوحة مع نظام الطغمة القاتل، حتى وإن أرادت بعض أطراف الهيئة(باسم شبابها في الداخل والخارج، أو تحت أية عناوين ورموز) التنصل من التوافقات التي حصلت وترجماتها في الوثائق التي صدرت عن مؤتمر المعارضة .