سفن إنزال روسية إلى طرطوس
مترافقا مع وفود المعارضة السورية إلى موسكو
زهير سالم*
لا يزال اسم حزب ( الوفد ) المصري بارزا على الخارطة السياسية المصرية . يذكر المصريين بالدور الرائد الذي قام به الوفد المصري المناضل بقيادة سعد زغلول لانتزاع استقلال مصر من الانكليز .
وتحتفظ الذاكرة الوطنية السورية بأخبار وضاء عن عودة وفد الوطنيين السوريين من باريس في عشرينات القرن العشرين في نفس المسعى محاولة لانتزاع الاستقلال السوري من الفرنسيين .
يضعنا هذا التاريخ أن ثمة وفود تصنع الاستقلال وأن وفودا أخرى تجلب أو تكرس الاحتلال !!!
وعلى الرغم من أن أحدا – غير كوفي عنان - لا يعترف اليوم أن سورية ( مستعمرة روسية أو إيرانية ) . كوفي عنان وحده هو الذي يصر على كشف هذه الحقيقة للمتجاهلين . ويساعده على ذلك لفيف من المعارضين السوريين الذين فضلوا أن يحجوا إلى موسكو التماسا للبركة ، وتأكيدا على أهمية الدور الروسي المشكور في ذبح (المسلمين ) السوريين .
وعندما أقول ذبح (المسلمين ) السوريين اعلم أنها لغة غير مدنية لا ينبغي أن ننجر إليها ؛ ولكنني هنا أجاري أصدقائهم الروس الذين أعلنوا على لسان أعلى سياسييهم قلقهم من وصول المسلمين في سورية إلى السلطة ، وقلقهم المقابل على غيرهم وخصوا في أكثر من تصريح الحديث عن ( العلويين ) و ( الأرثوذكس ) . ولو كنت سوريا علويا أو ارثوذكسيا ولو بالانتماء لشعرت أنني مدين بموقف يرد الحجر من حيث جاء ، ولن أقبل أبدا الاسترسال في لعبة التفتيت الطائفي للمجتمع السوري المدني الموحد ؛ هذه اللعبة النتنة التي يلعبها بشار برعاية من روسية وإيران ...
تذهب وفود المعارضة السورية إلى موسكو اليوم متجاهلة حقيقة أن كل الشهداء السوريين قد سقطوا بالرصاص الروسي ، وأن كل المدن والبلدات السورية دمرت بالمدافع والطائرات والقذائف الروسية وأن كل الأطفال السوريين ذبحوا بغطاء من الفيتو الروسي .
ومع أننا سمعنا من العديد من أعضاء وفد المعارضة هناك كلاما لا معنى سياسيا له حول أن موسكو لا تتمسك ببشار الأسد ، وأنهم ينتظرون من موسكو دورا إيجابيا في رعاية مرحلة انتقالية !! إلا أن الثمرة التي جناها المعلمون السياسيون هو تحريك عدد من البوارج الروسية من حاملات الجنود لاحتلال سورية ، و ربما لحمايتها من القوى غير الديمقراطية ، التي يشعر الديمقراطيون على الطريقة الأسدية أنها تهددهم أكثر مما يهددهم بشار الأسد نفسه .
وحسب وكالة أنترفاكس الروسية تتحرك ثلاث سفن محملة بجنود مشاة البحرية الروسية إلى الموانئ السورية !!! تقود السفن الثلاث المدمرة ( تشابننكو ) المضادة للغواصات . وسينضم إلى هذا الأسطول سفينتان حربيتان خلال الرحلة حسب الوكالة الروسية نفسها .
وفي حين يحاول الرئيس بوتين التهوين من شأن ما تحمله السفن مكررا إن ما تحمله السفن لا يمكن أن يؤثر في مجرى الصراع في سورية . في الوقت نفسه تبدو واشنطن متأرجحة حول الغزو الروسي لسورية فترد كلينتون على بوتين ( التصريحات الروسية القائلة أن الأسلحة ليس لها علاقة بالعنف غير صحيحة بالمرة ) .
ولكن واشنطن وفي إطار صفقة كبرى يبدو من خلالها أنهم تخلوا عن الشرق العربي لروسية وإيران بقرار استراتيجي ضمن صفقة لم تتضح مفرداتها بعد ؛ تعود فتهون من انعكاسات زحف البوارج الروسية بهذه الكثافة إلى سورية فتخرج علينا ايرين بيلتون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي المعني بالسياسات الخارجية لدى الرئاسة الأمريكية بالقول ( إن لدى روسية قاعدة إمداد وصيانة في مرفأ طرطوس السوري , ولا سبب لدينا والحالة هذه يدعونا لاعتقاد أن التحرك ليس روتينا .. )
تصريح يضعنا مباشرة أمام تصريح مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني المثير للجدل الذي أكد فيه أن الولايات المتحدة تعتبر الروس عدوا استراتيجيا على المستوى الجيوسياسي .
وحين نترك ما تقوله واشنطن للأمريكيين فإن لنا أن نتفاعل مع ما يفعله فينا ولنا السوريون . أمر ما ذكرني في هذا المقام بقول إبراهيم طوقان :
أنتم ( المخلصون ) للوطنية .. أنتم ( الحاملون ) عبء القضية
في يدينا بقية من بلاد ... فاستريحوا كي لا تضيع البقية
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية