الدولة العميقة .. وتعميق الثورة!
محمد عبد العزيز
قد يكون مصطلح "الدولة العميقة" الأكثر تداولا في هذه المرحلة، فبعد أن تأكدنا جميعا من وجود "ثورة مضادة" تفتعل العقبات في طريق الثورة، وتقوم بقطع طريق التقدم للأمام من أجل الانقضاض على أي تحول ثوري والعودة للمربع الأول في أسرع وقت، فكان لابد من وجود طرف ما يحرك هذه الثورة المضادة، ويقودها، وينظم خطوط حركتها، وهو ليس طرفا ثالثا كما يريد المجلس العسكري أن يخدعنا، بل هو الطرف الأول نفسه، أي أن المجلس العسكري هو القيادة الفعلية للثورة المضادة، وقد "استلم" قيادة حركة الدولة العميقة، بدلا من أن "يسلم" السلطة!
هذه الدولة العميقة والتي تعبر عن شبكة مصالح سياسية واقتصادية، منها المدني والعسكري، منها المصري والإقليمي والدولي، متشعبة جدا، تمتلك أدوات مادية ضخمة، وأدوات إعلامية وقوى ناعمة هائلة .. اعتقد البعض أنها وحشا لا يهزم، وحائطا لا يهدم، لكن الحقيقة ببساطة أنها هزمت مرتين في فترة وجيزة، المرة الأولى حينما فشلت هذه الدولة في الحفاظ على رأس النظام مبارك قبل التنحي، فقد كانت خطتها الأولى الحفاظ على مبارك ليكمل الستة أشهر الباقية له، ثم انتقال السلطة لنائبه وكاتم أسرار نظامه عمر سليمان، إلا أنهم وأمام العمق الثوري الهائل فشلوا في تنفيذ الخطة فشلا ذريعا، فاضطروا إلى خلع رأس النظام ومحاولة الحفاظ على النظام نفسه، وجرى ما جرى طوال الفترة "الانتقامية" المسماة انتقالية، وظهر ما أطلق عليه "الطرف الثالث"، وكما قلنا سابقا، هذا الطرف الثالث الذي صوروه على طريقة حكايات "أمنا الغولة" لم يكن إلا هذه الدولة العميقة، المعبرة عن شبكة المصالح الاقتصادية والسياسية المتشعبة لنظام مبارك، وقيادة هذه الدولة بالتأكيد كان المجلس العسكري .. أما المرة الثانية التي هـُزمت فيها الدولة العميقة كانت في فشلها إعادة تركيب رأس نظام من نفس دمه، حين هزم مرشح هذه الدولة والمعبر عن شبكة مصالحها، أحمد شفيق، ولابد أن نعي جيدا أنهم بالتأكيد وضعوا خطة بديلة، من أجل حماية شبكة المصالح الكبرى تلك.
فوز د.محمد مرسي لم يكن يوصف كإنجاز إلا لأن منافسه شفيق!، ببساطة الإنجاز الحقيقي هو هزيمة شفيق، ليس كشخص شفيق، فهو أتفه من ذلك بكثير، بل لأن هزيمة شفيق تعني أن "عمق" الثورة لا يزال أعمق من قدرات هذه الدولة العميقة!، ويجب أن يعي د. مرسي ذلك، فنجاحه في هذه المرحلة لم يكن بسبب أن أغلب المصريين اختاروا مشروعه، ولكن الاختيار كان على أساس الرفض التام لمشروع شفيق، وهو المشروع المعبر عن شبكة مصالح فاسدة يكرهها المصريون كره التحريم.
حصار هذه الدولة العميقة لا يكون إلا بتعميق الثورة نفسها، يجب نقل الثورة من ثورة ميدان إلى ثورة مجتمع، واستمرار الزخم الثوري الجماهيري هو الضامن لعرقلة خطة الالتفاف التي تنفذها شبكة مصالح نظام مبارك لتفريغ تسليم السلطة من مضمونه، كان مشهد رئيس الجمهورية وهو يقسم في ميدان التحرير، ويحي شهداء الثورة، مؤكدا أن ميدان التحرير هو مركز شرعية الحكم الجديد، مشهدا جليلا بحق، قد رد اعتبار هذا الميدان الذي حاولت الدولة العميقة طوال المرحلة الانتقالية – أو الانتقامية – تشويهه بكل الوسائل، حتى أطلق على الثوار "العيال بتوع التحرير"، وأصبح هؤلاء "العيال بتوع التحرير" مصدر إزعاج كما صورته الدولة العميقة للمواطن العادي، وشارك في ذلك الإخوان المسلميين أنفسهم عند تحالفهم مع المجلس العسكري، ويمكن مراجعة بيان "الوقيعة بين الشعب والجيش" قبل جمعة 27 مايو التي رفض الإخوان المشاركة فيها، لكن عودة الإخوان القصيرة نسبيا إلى الزخم الثوري بكل تأكيد ساهمت في إعادة تعميق الزخم الثوري مرة أخرى، ثم كانت الخطيئة حين اعترف الرئيس محمد مرسي بالإعلان المكمل وأقسم في المحكمة الدستورية العليا، ثم كلماته في الهايكستب عن تكريم المجلس العسكري، وعاد الإخوان سريعا للارتماء في أحضان المجلس العسكري، فقبل إسقاط الإعلان المكمل الذي نعتبره انقلابا عسكريا، قامت جماعة الإخوان بفض اعتصام ميدان التحرير، والعودة سريعا للمفاوضات المغلقة مع شبكة مصالح نظام مبارك، تفاوض على المستوى الاقتصادي يقوده خيرت الشاطر لتطمين رجال أعمال النظام السابق، ورجال الأعمال عموما بالحفاظ على نفس المصالح دون تغيير، وتفاوضات أخرى مع جهات دولية وإقليمية لتطمينهم أن السياسة الخارجية المصرية لن تتصادم مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، ثم تفاوضات مع جنرالات مبارك ووعود بالخروج الآمن.
قد يعتقد الإخوان والرئيس محمد مرسي أنهم في مصدر قوة لمجرد أن لديهم الرئاسة، وهذا وهم بكل تأكيد، سبق وكان لديهم أكثرية برلمانية، وحين جاء موعد الصدام، قلبت الدولة العميقة الطاولة على رؤوسهم، يجب أن يعلموا أن هزيمة شبكة المصالح تلك لا تكون إلا باستمرار الزخم الثوري، وتعميق الثورة نفسها، ولتكن معركة الإعلان المكمل الغير شرعي أول معركة جماهيرية لتعميق الفكرة الثورية، أما إذا عاد الإخوان لطريقة المفاوضات مع المجلس العسكري من تحت الطاولة، فإنهم سيخسرون كل شئ، فشبكة المصالح لن تقبل بأي تنازلات إلا شكلية، قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.