يضحكون علينا أو نضحك على أنفسنا

زهير سالم*

[email protected]

في مداخلات المتحدثين في مؤتمر أصدقاء سورية قال رئيس وزراء دولة موقر للحضور بأننا نترك بشار الأسد يضحك علينا . كانت لهجة الرجل تمزج بين الصدق والألم .. ولكن كون بشار الأسد أو روسيا أو الصين تنجح في الضحك على الآخرين فإن ذلك بسبب رغبة الآخرين في البحث عمن يضحك عليهم .

إن أي طفل في المدرسة الابتدائية يمكنه أن يخبرك عن عبثية مبادرة السيد كوفي عنان في ظروفها وشكلها ومضمونها . ومع ذلك قبل بها محترمون كبار ، وتماهوا معها ، وأنفقوا عليها ، وحركوا رجالا لأجلها ، واستكتبوا تقارير عنها ، وأصغوا لتقويمها ؛ وكلهم يعلمون أنهم إنما ينفقون على فيلم هوليودي كلفته بعض الملايين من الدولارات التي يأسفون عليها ، والكثير من دماء أبناء سورية ويناتها وأطفالها التي لا يبالي بها أحد . أليس الممثلون على المسرح يعلمون أنهم يقدمون عملا تمثيليا تمويهيا لا يعني للحق شيئا ؟!  أتذكر الآن فتاوى بعض قدماء المشايخ بحرمة فن الراوية لأنه يلحقه أصلا بضرب من ضروب الكذب !!!!

أصغي الآن إلى بعض المعارضين المتحمسين للسفر إلى موسكو متطلعين إلى تغيير الموقف الروسي بخطبة عصماء . يقولون : سنضع الروس أمام مسئولياتهم ، وسنشرح للروس الحقيقة . وكأن الروس لا يتحملون مسئولياتهم أمام مصالحهم . وكأن الروس لا يعرفون عن الحقيقة في سورية أكثر مما نعلم !!!

وحين أتطلع إلى هؤلاء المتحمسين لتغيير الموقف الروسي بخطبة عصماء وأذكر إيمانهم بالمادية العلمية والدياليتيك الماركسي ؛ أعلم أنهم يستشعرون حكة / مازوشية / ملحة تجعلهم يبحثون عمن يضحك عليهم . هم واثقون أنهم لن يستطيعوا أن يضحكوا على الروس ، ولكنهم بحاجة إلى من يضحك عليهم وبالتالي ليجعلوا من ذلك جسرا للضحك علينا وعلى شعبنا وعلى ثورتنا براوية قلنا لهم وقالوا لنا ...

في عام 2005 تقريبا أعلنا في مركز الشرق العربي عن حملة للتعاطف مع عشرين ألف مفقود وعائلاتهم في السجون السورية . كنت يومها أتواصل مع شخصيات سورية وعربية وإسلامية للحصول على توقيعات مؤيدة للحملة . دخلت على المفكر والزعيم الإسلامي ... شرحت له الحال طلبت منه بلطف توقيعه الكريم كنوع من النصرة والتعاضد ..قال لي يومها بصوت خافت إن لديهم بعض الطلبة ... يدرسون في الجامعات السورية ، وأنه يخاف إن وقّع أن ... قلت له فهمت . طويت أوراقي وخرجت ....

ثم بدل الله الأحوال فأعز وأذل ورفع ووضع ؛ وما زلت أرقب وضع الرجل حيث هو فلا يصلنا منه وفريقه .. إلا ما يريب . أرصد المواقف لأصحاب الرأي فيقول لي البعض كما يقول لنا العلمانيون سنرسل إليهم وفدا يذكرهم ويشرح ويوضح لهم . فأدرك أن القوم يبحثون عمن يضحك عليهم !!! فمن يبيع موقف نصرة لعشرين ألف مسلم مظلوم  ببضعة مقاعد جامعية ، لن يتردد في بيع أشياء كثيرة بمائة مليون يورو يدفعها هذا الفريق أو ذاك . كل القرق بين الصفقة القديمة والصفقة الجديدة هو التسعيرة . يزعمون أن التسعيرة مهما ارتفعت لا تغني من الحق شيئا ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية