بشار الجعفري يثني على تقرير مود
ماذا يقول السوريون ؟!
زهير سالم*
حسم السيد مود أمره . حين علق عمل أعضاء بعثته خوفا على سلامتهم . وأعلن أنه باق على صدر الشعب السوري لأسباب وصفها بأنها أخلاقية !!! ثم قدم تقريره الذي كسب به رضى البشارين الأسد والجعفري معا ، غير مبال بأشلاء الأطفال المبعثرة في الحولة والقبير أو الرءوس المقطعة في حمورية بريف دمشق ، ودون أن توحي له هوية الضحايا بأي دلالة .
منذ أول يوم تقدم به السيد كوفي عنان بمبادرته أدرك المعنيون بها من المواطنين السوريين حجم الثغرات العملية الكبيرة فيها . كان الخلل كبيرا وكافيا في تقدير الكثيرين لشل عمل القائمين على المبادرة ، وإفراغها من بعض الإيجابي في مضمونها . وكان في رأس تلك الثغرات غياب الآليات الملزمة ، والمعينة على الحضور المفيد في الزمان والمكان المناسبين . قال عنان يومها سنستعين بأسطول من المروحيات الأممية ثم نسي !!!
ثم جاءت طريقة السيد عنان والسيد مود في التعاطي العملي لتنفيذ بنود المبادرة في الواقع فزاد الخرق اتساعا . لقد نزل السيدان مود وعنان على شروط الجزار في كل ما اشترط فانحازوا ابتداء إليه على رضا أو على كره إذ لا فرق . لقد أعطى السيد مود بل لعل ذلك كان من السيد عنان نفسه الفريق المتسلط الحق في إخضاع كل بنود المبادرة لأجندته . وتأطير حركة المراقبين بإرادته .
يكفي لنوضح حقيقة خضوع السيد عنان وفريقه لإرادة واشتراطات النظام السوري أن السيد عنان كُلف بمهمته بوصفه مندوبا دوليا وعربيا ؛ ولكن النظام السوري ظل وعلى لسان مسئوليه الكبار يؤكد أنه يرفض استقبال عنان بهذا الوصف ، وابتلعها الدبلوماسي الدولي الدمث جدا الذي يقال في مثله : رق حتى انخرق ، وانخرقت معه المبادرة التي يقوم عليها .
وكان السيد عنان قد كلف نائبه السيد ناصر القدوة بزيارة سورية للمشاركة في أداء دور في مهمته هناك ؛ ولكن الطرف المدلل في المعادلة السورية رفض استقبال السيد القدوة كما رفض استقبال كل المراقبين المحايدين من قبل فنزل السيد كوفي عنان والسيد مود على مشيئته .
وكلما أمعنا في الدخول في التفاصيل الواقعية الأدق سنجد أن بعثة المراقبين لم تكن إلا مسننات تتحرك وفق آلية يتحكم فيها من جاء المراقبون ليراقبوه !! كان النظام يتحكم دائما في رؤية البعثة فلا يريها إلا ما يريد أن ترى ، ولا يسمح لها بسماع إلا ما يسمح بسماعه . ساعة استُدعي المراقبون إلى مجزرة الحولة باستغاثة حية ساخنة من الضحايا اعتذر المراقبون أن الجزار لا يسمح لهم بالحركة في الليل . وعندما أريد منهم أن يوثقوا ما حصل في القبير لم يسمح لهم المجرمون بالوصول إلى مسرح الجريمة إلا بعد أن تم إعادة تأهيله وبعد ثمانية وأربعين ساعة على وقوع الحدث .
هل يمكن أن نجري التقويم لأداء السيد مود وننسى أنه نسي أن مبادرة السيد عنان تتكون من ست نقاط وأنه أصر على عمد عالقا في البند الأول متأرجحا على الحديث عن طلقات مدافع وقذائف طائرات وهدير دبابات وأصوات أسلحة فردية مجللة بنداء الله أكبر .
نسي السيد مود بنودا مهمة مثل إغاثة المدنيين والجرحى ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وفتح أقطار سورية أمام الشهود العدول من العالم الحر ليكرر حديثه الممل عن طرفين يحتربان في جدلية العنق والسكين . ليسجل دائما احتجاجه على أعناق الأطفال السوريين أنهم تحت السكين يختلجون !!
أي تقرير موضوعي يمكن للسيد مود أن يقدمه من خلال كل ما سبق ومن خلال ظروف الأسر المقيد التي كان يتحرك فيها؟! ولماذا تقبل المعارضة السورية بشهود منحازين إن لم يكن في أنفسهم ففي الظروف التي فرض عليهم أن يعملوا فيها ، وفي قيامهم بحق ما يقتضيه كتاب تكليفهم الأولي ؟؟؟؟؟
يغفل البعض أن على من تساهل في قبول المقدمات أن يقبل بالنتائج أيضا ، وهذا الذي ما زلنا ننبه عليه ونحذر منه ، منذ أن تماهى الكثيرون لامبالاة منهم مع مبادرة عنان .
لقد فُرضت مبادرة السيد كوفي عنان – التي هي مبادرة روسية في جوهرها – على الشعب السوري على كره منه . ولم تجد الهيئات والمنظمات المعبرة عن المعارضة السورية الثقة بالنفس المعينة على إعلان الرفض لهذه المبادرة . الثقة بالنفس وبقدرات الذات شرط أولي في شخوص القادة ليكونوا قادرين على قول نعم .. وقول لا ، كل في موضعها . من يجرؤ اليوم ونحن يقتل شبابنا ، وتنتهك أعراضنا ، ويذبح أطفالنا أن يقول ( لا ) صريحة وكبيرة للكوميديا السوداء يعبث بها مود وعنان ومجلس الأمن والروس والأمريكان ..؟! لا أظنها ( لا ) بلا كلفة . ولكن كلفتها أكرم إن لم تكن أيسر من كلفة التماهي مع الخديعة المرعبة التي يمارسها مود وعنان وبان ...
أعلم أن الكثيرين سيزخرفون الكثير من الكلام في الرد على هذه الدعوة ، وسيجدون البلاغة التي تعينهم على الاختباء وراء ادعاءات الحكمة ومقتضيات السياسة وضرورة التمتع ببعد النظر في تسويغ تخاذلهم رغبة في الاصطفاف وراء قوي يمنع ويمنح ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية