أما سوريا فلا بواكي لها
غرناطة عبد الله الطنطاوي
[email protected]
حضرت اجتماعاً ما.. في مكان ما.. مع أشخاص ما.. في زمن ما..
في زمن فُقد فيه للرجولة والإنسانية معانيهما النبيلة..
في زمن فُقد فيه الزمن والتاريخ والحب والإنسانية والأخوة والنسب وصلة الرحم..
لقد كان اجتماعاً ترفيهياً، ولكن الترفيه في زمن الدم المُراق حرام.. حرام..
فقد توقعت من الحاضرات أن ينهلن عليّ بتساؤلاتهن، عما يحدث في سوريا البلد الشقيق
الجار المجاور لهن..
لم تسألني إحداهن عما يقع من مجازر ومآسي، وكأن هذه المآسي تحدث في المريخ، وليس في
بلد شقيق قريب بحدوده الجغرافية، قريب بنسبه بحكم التزاوج بينهما..
حقاً كما قال أجدادنا في الغربة أنها تضيّع الأصول والأنساب، ولكنهم لم يقولوا أنها
تضيّع الإنسانية في زمن يتشدّق فيه العالم بحقوق الإنسان.
لقد صار حقوق الإنسان طبعته محفوظة للغرب وبالغرب فقط..
يصدعون رؤوسنا ليل نهار وهم ينادون بحقوق الإنسان..
فصرنا ننادي بها، ولكننا نسينا أنه لا يحق للشعب العربي أن يطبق حقوق الإنسان في
بلاده..
ولكنه يجب عليه أن يطبقها في الغرب فقط، فحقوق الطبع محفوظة له فقط.. فقط..
ولكن أين النخوة العربية؟؟
كم أتألم عندما أسمع هذا النداء وقد بُحّت حناجر المتظاهرين شباباً وشيّاباً.. نساء
وأطفالاً:
خذلتونا يا عرب
يا عرب خذلتونا
كلمات تهزّ النفوس الأبية، تصدح بها حناجر المتظاهرين في جميع أنحاء سوريا
الحبيبة..
فقد شعر السوريون بالغبن الشديد من جهة العالم أجمع، وبالأخص من جهة العرب
والمسلمين..
فالسوريون يقتلون بالآلاف، يذبحون كذبح النعاج، والعرب يتفرجون وينتظرون الأوامر من
ربهم الأعلى أمريكا.
المجازر تلو المجازر، كنا نعدّ الشهداء فصرنا نعدّ المجازر، ولا من تحرك دولي على
أرض الواقع، مجرد تصريحات وتنديدات هنا وهناك.
كم بكينا مذابح غزة..
كم بكينا مذابح جنين..
كم بكينا مذابح نابلس..
كم وكم..
ولكن البكاء على سوريا صار مرهوناً فقط بأهلها..
حتى السؤال عما يحدث في البلد الشقيق لا يستأهل دقيقة من عمر الزمن..
الآن أيقنت أن ثورتنا ثورة يتيمة.. يتيمة.. بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ
قاسية..
من يكفل بلدي النازف؟؟
من يكفل شعبي المشرد؟؟
من يكفل ثكالى وأيتام بلدي الحبيب؟؟
الأن تأكدت أن تحرير فلسطين بعيد بعيد، طالما أن العبودية قد عششت في نفوس العرب،
الذين سلموا لجامهم إلى من يستعبدهم، وهم في غيّهم ماضون..
الآن يحق لي أن أصيح واااامعتصماه..
وفي داخلي غليان يثور معلناً أن زمن المعتصم صار حكراً على زمن فيه الرجال الرجال..
ولكننا اليوم في زمن عزّ فيه الرجال.
فالرجولة أضحت ذكورة فقط يزينهما شاربان، يقف عليهما النسر معلناً أن زمن السلملك
قد انتهى، وجاء زمن الحرملك..
أبكيك سوريا بدموع حرّى، وقلب ينزف، وعقلي ينفجر قهراً وعجزاً.
أبكيكم أطفال سوريا.. يا من حملتم الهمّ قبل أن تحملوا اللعبة..
أبكيك نخوة المعتصم..
حقاً يا سوريا لا بواكي لك، فأنا أبكيك حتى يعجز البكاء عن البكاء..