في سوريا: الجديد هو التهديد
في سوريا: الجديد هو التهديد
د. ضرغام الدباغ
قرأت أمس، أن الرئيس السوري أبلغ المبعوث الدولي كوفي عنان، أنه يمهل الثوار 24 ساعة لإلقاء سلاحهم والاستسلام، وإلا فالحسم العسكري وشلال الدم، وكأنه يأتي بشئ جديد وليس تواصل دموي لسياسته الاصلاحية إما القتل أو القتل.
الرئيس صرح في بداية الثورات العربية تصريحاً ذو فحوى فلسفي / اجتماعي بقوله أن الأوضاع في سوريا لا تشابه مثيلاتها في تونس ومصر وليبيا، دون أن يستطرد، مع أن الاستطراد هنا مهم ومطلوب بإلحاح، لأن الناس تريد أن تعرف ما الفرق بين شعب عربي وآخر على لسان أمين عام حزب قومي إن صح هذا الاسم على المسمى.
وعندما اندلعت الثورة السورية صرحت الرئاسة بعدها بأيام، أن المشكلة صارت خلفنا، ثم أسموها ارهاب ومؤامرة، ثم تدخل أجنبي، وأسموها عصيان وتمرد وكل ما في قاموس وزارة الداخلية من مصطلحات القمع. وكل هذا يدور مع إقرار جميع القوى والهيئات والمؤسسات أن الوضع فاسد بدرجة تحوم الشكوك حول قدرة ذات النظام الفاسد والقمعي بإصلاحه، والنظام نفسه يعترف مرغماً بأن هناك ضرورة للإصلاح ولكنه يصر على تسمية المطالبين بالإصلاح بالمخربين والإرهابيين .
ولشهور عديدة واصل النظام ادعاءه أن المؤامرة صارت خلفنا، والإصلاحات العتيدة التي وعد بها لم تكن سوى مسلسل هزلي تعافه الأنفس قبل العقول. ثم قال رأس النظام أن لا علاقة له بما تفعله القوات المسلحة والأجهزة القمعية الأمنية من جرائم وهي بالعشرات يومياً، بلغت الآلاف، واليوم تحديداً أعلنت الحكومة التركية أن عدد اللاجئين على أراضيها بلغ نحو 30 ألف لاجئ، كما أعلنت منظمة إنسانية دولية أن أعداد النازحين بلغت مليون وربع وآلاف الشهداء.
وبعد أكثر من عام على الثورة، أكتشف رئيس النظام أخيراً أن المشكلة أمامه، فتنفس العقلاء الصعداء وقالوا لعل النطاسي أهتدى للعلة وربما للدواء، ولكن وصفة العلاج لم تكن سوى مزيد من الرصاص والدماء، كأن لا حل هناك غير تسليط الرعاع والقتلة على الشعب الأعزل. وقلنا يومها مخلصين، أن ما يفعله النظام سيرغم المتظاهرين المسالمين أن لا يكونوا كذلك، سيرغمهم على حمل السلاح للدفاع عن حياتهم وكرامتهم، ويشجعون من ينادي بتسليح الثورة، النظام هو من يريد حل المسألة بعملية جراحية معقدة، وهو من يدفع للتدويل والتدخلات الخارجية.
وعبر إيماءات بل مؤشرات واضحة حتى لمن له نصف عين أو ربع عقل أن النظام يدفع باتجاهات التحريض الطائفي، ونبهنا وغيرنا لخطورة ما يفعله النظام، والواقع أن طائفية النظام ليست وليدة أحداث الثورة، فصور الرئيس السوري مع المرجع الإيراني خامنئى وقائد الميليشيات حسن نصر الله كانت معلقة في شوارع وساحات دمشق، وانخراط سورية تابعاً كفقرة في المعسكر الذي تقوده إيران في المنطقة سعياً وراء إمبراطورية فارسية صفوية بمسوح دينية طائفية، وبدل من أن يخفف النظام من تلك التبعية، ضاعفها، فزاد عليها بزجه لسوريا في معترك الألعاب والتوازنات الدولية.
الدول عادة تفعل أي شيئ يحافظ على وحدة البلاد والسكان، وتنأى بالبلاد عن عواصف المصالح الدولية، ولكن هذا النظام يفعل كل شيئ ليبقى في الحكم وليواصل الفساد. في هذا الاستعراض السريع، نكتشف ببساطة شديدة أن النظام لا يمتلك أية رؤية سياسية للموقف البالغ التأزم، لا يمتلك أية فكرة لما ينبغي أن يكون عليه الحال، يفتقد للمرونة التي تؤهله إجراء أية مناورة للحفاظ على الاثمن وهي سوريا البلاد ووحدة أرضها وشعبها، النظام يقامر بكل شيئ، إما كل شيئ أو لا شيئ، كالمقامر المفلس الذي يلعب بأوراق مكشوفة.
النظام يخطأ كثيراً بتحليل عناصر المسألة، ويخطأ بتقدير قوى الشعب، ويبالغ بقوة واستطاعة مدرعاته، وميليشياته المأجورة، وسيكون حصيلة كل ذلك خطأ جديد متراكم حتى يبلغ درجة لا يعود فيها أن يخيف طفلاً في الشارع. سيبلغ به خطأه نقطة لا ينفع معها تراجع أو تصحيح للأخطاء.
سيدفع الشعب بضعة ألاف جديدة من الضحايا من أجل شيئ يستحق التضحية، ولكن من أجل ماذا يعادي النظام شعبه ؟ ألا يكفي حكم 42 عاماً لشعب يقول لكم كفى ؟
الرئيس السوري اليوم يريد أن يخيف الموتى بالموت، يواصل غلق أي مخرج كريم أو شبه كريم، ولكنه سيدرك قريباً قيمة نصائح وقف شلال الدم والوقوف الموقف بحاجة إلى حكمة، وليس إلى لواء مدرع، أو طائرات مروحية هجومية أو شبيح بائس مرتزق يمتهن قتل شعبه .
لقد كشفت الأحداث كل شيئ ولم تبق الستائر على ما المخجل والمعيب ولست أدري ماذا تنتظر.
البحر عميق ... أعمق مما تستطيع أن تتعلم السباحة فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع أحدى الفضائيات العربية بتاريخ 16/ حزيران : 2012