كيف يمكن أن تنجح الثورة السلمية في إسقاط النظام
رسائل الثورة السورية المباركة (37)
الثورة السورية: المرحلة الثانية (3)
كيف يمكن أن تنجح الثورة السلمية
في إسقاط النظام؟
مجاهد مأمون ديرانية
الثورة السلمية يمكن أن تُسقط النظام -بإذن الله- إذا استمرت بالضغط ولم يتخلّ أصحابُها عنها، هذا ما خلصنا إليه في المقالة السابقة، لكن كيف؟ تعالوا نفكر معاً.
الذين يقولون إن النظام لا يمكن أن يسقط مُحقّون في حكمهم لأنهم يتخيلونه كياناً جامداً مقاوماً للضغوط، أما أنا فلا أراه كذلك. هل فكرت ذات يوم: ما هو النظام؟ النظام ليس منشآت وآلات، النظام ناس مثلي ومثلك، والناس يتعبون سواء أكانوا من الشعب أم من أعداء الشعب.
لنفكر في الناحية البدنية: الجمهور الثائر يعبّر عن ثورته بالمظاهرات، وقد وجدت بالسؤال والاستقراء أن الواحد من المتظاهرين يشارك بالمتوسط بثلاث مظاهرات أسبوعياً، يُمضي فيها كلها أقل من خمس ساعات (بالطبع هذا الرقم معدل تقريبي، ولا بد أن الناشطين الرئيسيين ينفقون من الوقت أكثر من ذلك بكثير، لكنهم قلة بالنسبة لجمهور الثورة الكبير). إذا علمنا أن الأسبوع فيه مئة وثمان وستون ساعة فسوف نرى أن هذا المشارك الفاعل في الثورة يبقى له في كل أسبوع مئةٌ وثلاثٌ وستون ساعة ليصرفها حيث يشاء، بالعمل والعبادة والنوم والراحة والرياضة والزيارات والقراءات وغير ذلك من الأنشطة الخاصة، وحتى لو أنه تعب أو مرض أو انشغل في أحد الأسابيع وأخذ إجازة من المشاركة في المظاهرات فلن يؤاخَذ ولن يعتب عليه أحد. الطرف الآخر من المعادلة هم عناصر الأمن وأفراد العصابات المسمّاة بالشبيحة. الواحد من هؤلاء يعمل سبعة أيام في الأسبوع لأنهم يعيشون بلا إجازات منذ انفجار الثورة، وهو لا يتقيد بدوام محدد يومياً كسائر موظفي الدولة والقطاع الخاص، بل يعملون أكثر ساعات اليوم، في الليل والنهار وفي يوم الجمعة وفي سائر الأيام، لأن المظاهرات لا تتقيد بدوام محدد بل تخرج بالليل والنهار وفي سائر الأوقات، وهم أقلية مقارَنةً بأعداد المتظاهرين الغفيرة (باستثناء دمشق وحلب) فيضطرون إلى العمل المستمر فيما يتناوب المتظاهرون، فيتظاهر منهم فريق ويرتاح فريق.
لنفكر في الناحية النفسية: جنود الثورة وأنصارها لا يشعرون بالقلق من المستقبل. إنهم تُضنيهم المعاناة اليومية ولكنهم لا يشكّون في انتصارهم على عدوهم مثقالَ ذرة، إن لم يكن بعد شهر فبعد شهرين أو أربعة أو عشرة، المهم أنهم هم الغالبون بإذن الله. أما النظام فبماذا يحسّ عناصره ومجرموه؟ أليسوا بشراً مثلنا ويعتريهم ما يعتري البشر من هَمّ وقلق وخوف ويأس وإحباط؟ إني لأراهم بعين الخيال لا ينامون من الليل إلا قليلاً من شدة الخوف والقلق، بل إني لأكاد أحلف أنهم لا ينامون إلا بالعقاقير المهدّئة من فرط الهم والقلق. أليسوا يفكرون كما نفكر؟ أليس كل متفكّر متأمل في أحوال سوريا يدرك أن النظام ساقط لا محالة؟ أجمع على ذلك أهل الشرق وأهل الغرب، فلماذا يكون رجال النظام استثناء؟ ألم يروا بأعينهم كيف هوى نظام الإجرام الكبير في ليبيا من قريب؟ لا بد أن هذه الخواطر تجول في أذهان مجرمي النظام في سوريا طول الوقت، بالليل والنهار، ولا شك أنهم يعيشون في رعب وقلق دائمَين. سأعيد وأكرر: لا تفكروا فيهم كأنهم كتلة اسمها النظام، بل باعتبار أنهم رجال مثلنا لهم زوجات وأولاد وعائلات، ألا يخاف الواحد منكم ويركبه الهم والقلق لو كان محل الواحد منهم؟ فقط أطلقوا لخيالكم العنان وستعرفون كيف يعيشون في هذه الأيام وكم يعانون.
تلك حال أعوان المجرمين وعبيدهم من عناصر الأمن والعصابات، أما كبار المجرمين، الرئيس المخلوع وعصابته وأقرباؤه، فهؤلاء بلاؤهم أشد لأن عاقبتهم أنكى، فقد دخلوا في نفق النهاية الذي ليس له مخرج، نار الثورة تتعقبهم من وراء وأعواد المشانق تنتظرهم من أمام. كيف تتصورون حياةَ مَن هذه حالُه؟ أكاد أقسم إنهم أشد كرباً من أسْرانا الذين يتعرضون للتعذيب في أقبية السجون!
فإذا كان رجال الثورة يتعبون فإن رجال النظام يتعبون، وإذا كان رجال الثورة معرضين للقلق والإحباط فإن رجال النظام معرضون للقلق والإحباط، وإذا كان رجال الثورة معرضين لليأس فإن رجال النظام معرّضون لليأس، وإذا كان من ثمرات يأس الثائر أن يتخلى عن ثورته فإن من ثمرات يأس عنصر النظام أن يتخلى عن النظام.
لكن فكروا بموضوعية: أي الفريقين أقرب إلى اليأس؟ الجواب على هذا السؤال يمر من خلال التاريخ، فماذا يقول تاريخ الثورة في ستة أشهر؟ أرجو أن تساعدوني على الجواب.
(1) بدأت الثورة من خمس مدن في سوريا. لو أنها تناقصت إلى أربع ثم إلى ثلاث فاليأس أقرب إلى قلوبنا وأبعد عن قلوب أعدائنا، فهل تعلمون كم موضعاً بلغته الثورة في سوريا، بين قرية وبلدة وحي من أحياء المدن الكبرى؟ لقد اشتغلت بإحصائها حتى بلغت 596 موضعاً، وقد زادت من بعد ولكني تكاسلت عن المتابعة (تفصيلها هنا: http://shamquake.wordpress.com/2011/08/04/مواقع-الثورة-السورية/). هذه المعلومات قد يزهد فيها أصحابها، بل إني أرى كثيراً منهم يزهدون فيها على التحقيق، ولكن أجهزة الأمن التي ترصد الثورة تدركها وتعرفها معرفة اليقين. ألا تظنون أن معنويات الأعداء تنخفض مع كل موقع جديد تصل إليه الثورة؟
(2) بدأت الثورة بمظاهرات تضم مئات من المتظاهرين، كان يلزم أن يقل العدد إلى عشرات ثم إلى آحاد لترتفع معنويات الأعداء وتنخفض معنويات الثوار، ولكن الذي حصل كان معجزة خارقة، لقد تضاعف الثوار ألف ضعف، فصار المئات مئات ألوف وقاربوا المليون. لا تقولوا إنهم تناقصوا أخيراً بسبب ضرب المدن واجتياحها واعتقال عشرات الآلاف من الأحرار، هؤلاء متظاهرون ولو لم يخرجوا إلى الشوارع. إذا تخرّج في جامعات سوريا عشرة آلاف مهندس فاشتغل منهم ستة آلاف وقعد في البيوت أربعة آلاف لأنهم لم يجدوا وظيفة فإن الإحصاء لا يقول إن في سوريا ستة آلاف مهندس، سيقول إنهم عشرة آلاف لأن الإحصاء يهتم بصاحب الشهادة الذي يمكن أن يتحول إلى مهندس عامل في أي لحظة بمجرد تغيّر الظروف لصالحه. إنه مهندس متعطل عن العمل مؤقتاً، والمعتقلون أو المحاصَرون ثوارٌ متعطلون عن الثورة مؤقتاً، ثوار كامنون سيعودون إلى الشوارع بمجرد ارتفاع المانع بإذن الله (بل إنهم يستنزفون طاقات النظام لأنه مضطر إلى تفريغ أعداد كبيرة من عناصره لحصار المدن ومنع المظاهرات، ولاعتقال الثوار وتعذيبهم والتحقيق معهم في السجون). هذا كله يدركه عملاء النظام ورجال النظام ولو نسيتموه أنتم يا أصحاب الثورة، فهل يقربهم من اليأس أم من الأمل؟
(3) أنتم تقرؤون وتتابعون الأخبار وتعلمون أن النظام يزداد عزلةً باطّراد مع تخلي دول العالم عنه وتحركها لإسقاطه. ربما يُحبطكم بطء العالم في التحرك، ولكنكم تلاحظون الاتجاه، وماذا عن أعدائكم: ألا يسمعون ما تسمعون ويقرؤون ما تقرؤون؟ ألم يروا كيف انهار النظام المجرم في ليبيا بعدما بذل في الإجرام الغاية، فضرب المدن بالصواريخ والقنابل وفتك بالمتظاهرين برشاشات الطائرات؟ لقد قتل عشرات الآلاف من المدنيين ولكن الثورة استمرت حتى سقط، وعندما سقط النظام الليبي فر المجرمون الكبار -الرئيس المخلوع وأبناؤه- كالفئران وتركوا المجرمين الصغار ليلاقوا وحدهم سوء المصير! هل تظنون أن مجرمي النظام السوري لم يفكروا في ذلك كله؟ وإذا فكروا فيه فهل يقتربون من الأمل أم يقتربون من اليأس؟
النتيجة التي سننتهي إليها بعد استعراض العوامل السابقة كلها هي أن البشر الذين يتكون منهم النظام يتعرضون لضغط أشد وأكبر مما يتعرض له جمهور الثورة، وأن أملهم بكسب المعركة أقل من أمل رجال الثورة، وأنهم بالجملة أقرب منّا إلى اليأس. لذلك أنصحكم: لا تفكروا: إلى متى نستطيع الاحتمال؟ ولكن فكروا: إلى متى يستطيعون الاحتمال؟ لا تنشروا عبارات اليأس في أوساط الثورة، بل أظهروا التماسك والصلابة والثبات لتزيدوا عدوكم قلقاً ولتدفعوه شوطاً أبعد باتجاه اليأس والإحباط.
لا، ليس عدو الثورة الأكبر هو النظام؛ إن عدو الثورة الأكبر هو اليأس. النظام يضغط منذ ستة أشهر ويقتل ويعتقل ويقصف ويحاصر ليصل إلى نتيجة واحدة: انسحاب الناس من الشوارع وعودتهم إلى البيوت. هذا الهدف الذي استعصى على النظام في تلك الشهور الطوال يحققه اليأس من أهون الطرق.
فيا أيها الأحرار الذين تخرج من أفواههم عبارات تدفع إلى اليأس: إن الكلمة من هذه الكلمات تخرج من أفواهكم لَهي أشدّ قتلاً للثورة من الرصاصة تخرج من بندقية القنّاص. يا أيها اليائس: إن لم تبلغ بك الثقة بالثورة واليقين بنصر الله أن تنشر الرجاء وتذيع الأمل في الناس فلا أقل من أن تعيرنا صمتك وأن تقيَ الثورةَ من شرّك. لا تزعجك حدة كلماتي يا أيها اليائس المُخَذّل، فإن كلماتك أشدّ حدة وأكثر فتكاً في ثورتنا، فاتقّ الله فينا.
* * *
ولأن الضغط لا بد أن يُؤتي ثمارَه مع الوقت فقد بدأ النظام يتصدع. إنه يتصدع الآن من أطرافه الأضعف: الطبقات الأدنى في الجيش والحزب، ولكن لا يهم، فما دام التصدع قد بدأ فعلاً، وما دام يزداد انتشاراً يوماً بعد يوم، فلا بد أن يبلغ درجة الانهيار التام ذات يوم قريب أو بعيد بإذن الله. إنه مثل الشق الذي نراه في زجاج السيارة الأمامي إذا أصابته ضربة قوية بحجر صلب، إنه يبدأ صغيراً بطول العقلة، لكنه يستمر في الامتداد مع الأيام حتى يفلق الواجهة الزجاجية كلها نصفين. المهم أن يبدأ الشرخ، وقد بدأ بحمد الله.
فأما الحزب فقد انفضّ عنه وانشق المئات من أعضائه، ولكن كوادر الحزب أجبن من أن يتحملوا تبعات الانشقاق لذلك لن نعوّل عليهم كثيراً، فهم بالجملة من حثالة الأمة التي رضيت أن تتحول إلى ممسحة تنظف العصابةُ الحاكمة عليها أقدامَها مقابل بعض الامتيازات والمكاسب التي لا تتناسب مع خسارة الشرف والضمير. لا أنكر أن فيهم شرفاء ولكنهم قليلون، وهؤلاء أزعجوا النظام وأربكوه ببعض الاستقالات والانشقاقات، وما يزال عددهم يتكاثر.
الجيش أهم بكثير، وبما أنه بالجملة أشرف من الحزب وأبعد عن التلوث (باستثناء قياداته العليا) فإن احتمال تصدعه أكبر وأسرع، وهذا ما نشاهده بالفعل. ربما لا تصلكم أخبار الانشقاقات كلها ولكنها كثيرة بالتأكيد، وقد تجاوز عدد المنشقّين والهاربين من القطعات العسكرية إلى اليوم عشرةَ آلاف عسكري، منهم عدد يتراوح بين ألف وألفين يعملون مع الجيش الحر المنشق والباقون تفرقوا في البلاد، حتى إن الشرطة العسكرية تحمل بطاقات بحث عن نحو سبعة آلاف عسكري في محافظة ريف دمشق وحدها كما قرأت في أحد التقارير من وقت قريب. لقد بدأت الانشقاقات بحالات تمرد فردية في الأيام الأولى لاجتياح درعا، ولكنها استمرت بالازدياد حتى صارت حالات عامة تتكرر بمعدل شبه يومي في كثير من المناطق، ولا سيما في محافظة حمص وجبل الزاوية ومنطقة دير الزور، وفي حالات عديدة كان التمرد على مستوى سرية أو كتيبة. هل لاحظتم المرّات التي استُعملت فيها الطائرات العمودية في العمليات العسكرية؟ يمكنكم اعتبارها قاعدة عامة: كلما شاركت الطائرات مع حملة عسكرية كبيرة يكون الهدف هو القضاء على تمرد بحجم سرية أو كتيبة، هذا ما وصلت إليه بالاستقراء وبتتبع كل الحالات التي سُجّل فيها طيران مروحيات.
بعد الحزب والجيش: هل يوجد أي ضمان لعدم تصدع مؤسسة الحكم نفسها وانشقاق كبار قادة النظام؟ لا شك أنهم لن يكونوا سواء في مقدار يأسهم واستعدادهم للتخلي عن النظام والقفز من مركبه الغارق، فلنركز على الحلقات الأضعف ولنفكر في احتمال خيانتهم وتخليهم عن النظام. ماذا لو امتدت إليهم في هذه الظروف العصيبة يدٌ تعرض عليهم المساعدة مقابل موقف ما؟ ماذا لو تضمّن العرضُ إغراءً بالمال أو بالمأوى الآمن للرجل وأسرته؟ هل يستحيل العثور على عشرات من الرؤوس الكبيرة القابلة للمساومة والبيع والشراء؟ الفاسدون لا يحيط بهم إلا فاسدون، وهؤلاء كلهم نموذج قياسي موحد: لا دين ولا أخلاق ولا ضمير، وهكذا فلا غرابة أن يبيع أصحاب الأسد الأسدَ كما باع أصحاب صدّام من قبلهم صدام وكما باع أصحاب عرفات عرفات، والقائمة -لو أردنا الاستقصاء- تطول.
أنا أظن أن هذا الاحتمال وارد جداً وأنه سوف يتسبب في سقوط مفاجئ ومدوّ للنظام في وقت غير بعيد، ولا أستبعد أن تكون هذه هي الخطة التي تنفذها القوى الدولية لإسقاط النظام بقيادة أميركية ومشاركة تركية وعربية. في ليبيا تحركت على الأرض مجموعات خاصة ونفذت عمليات نوعية واستخباراتية كان لها دورها في حسم المعركة، ولا أجد ما يمنع من تحرك مجموعات مشابهة على الأرض السورية في هذه الظروف. قد تكون الحركة أصعبَ ولكنها ليست مستحيلة، فهذا العمل له أهله المختصّون به كأي عمل آخر. الأخبار التي جمعتها في هذا السياق قليلة ومتناثرة ولكن ترتيبها معاً يقدم صورة لا بأس بها من حيث القوة والوضوح، وقد تقاطع -في الحالتين الليبية والسورية- ذكر قوات خاصة غربية (أميركية أو فرنسية) وعربية (أردنية)، مما يوحي بأن الذين اشتغلوا في ليبيا بالأمس لإسقاط النظام الليبي المجرم يشتغلون في سوريا اليوم لإسقاط النظام السوري الأكثر إجراماً، وسوف تتكشف الأيام القادمة عن كثير من المفاجآت.
هذا السيناريو يبدو مرجَّحاً بدرجة لا بأس بها، ولا أستبعد أن يكون عدد كبير من رؤوس النظام قد باعوا رئيسهم ونظامهم منذ اليوم وينتظرون ساعة الصفر لكشف مواقفهم، فإن ترتيباً كهذا لا يمكن أن ينجح إلا بتكتم كبير وتنسيق كامل حتى يتحول إلى انفجار عظيم يهدّ النظام، وبغير ذلك سوف يتحول إلى طلقات منفردة أو انفجارات صغيرة محدودة يضيع أثرها. ولعل لإقالة وزير الدفاع السابق وما أُشيع عن اغتياله علاقةً بترتيبات من هذا النوع.
إذن فإن هذا المصير ليس بعيداً عن النظام السوري المجرم، وهو واحد من المسارات (السيناريوهات) المتوقعة لسقوطه المخزي بإذن الله. السيناريو الآخر يعتمد على المعطيات نفسها ولكن طريقه طويل: استمرار الضغط الجماهيري الشديد على النظام سوف يرهق أفراد النظام فيتساقطون بالتدريج واحداً بعد واحد، كل بحسب احتماله، فإما أن يتراجع تأييده ويضعف أداؤه في خدمة النظام (واجتماع ضعف أداء أفراد النظام سوف يتسبب بالضرورة في ضعف أداء النظام كله)، وإما أن يتخلى عن النظام وينضم إلى الثورة، وهؤلاء يتفاوتون في تأثيرهم السلبي على النظام بتفاوت مواقعه ووظائفهم، فأعضاء غير قياديين في حزب البعث يمكن أن يزعجوا النظام بتخليهم عنه وعن الحزب وانضمامهم العلني للثورة، لكن ضررهم وإزعاجهم لن يكون بحجم انشقاق المحامي العام في حماة الذي أثار جنون قيادات النظام بشكل واضح، فهو من الطبقة العالية وله وظيفة حساسة ويعرف الكثير من المعلومات، فانشقاقه ليس ضربة معنوية فقط بل إنه قد يكون عنصراً حاسماً في إثراء الملف الجنائي المقدَّم إلى المحكمة الدولية.
* * *
الخلاصة: إن الثورة التي تعيشها سوريا اليوم هي مواجهة بين مجموعتين كبيرتين من البشر، والبشر يتعبون سواء أكانوا مع هذه الجهة أو تلك، لذلك تأكدوا أن النظام يعاني بمقدار ما يعاني جمهور الثورة أو أكثر، وأن المعركةَ معركةُ صبر، أيُّما الفريقين كان أشدَّ صبراً فهو الفريق الفائز بالضرورة. هل تابعتم مباراة في الملاكمة ذات يوم؟ إما أن يفوز أحد الطرفين بالضربة القاضية أو تنتهي بفوز أحدهما بالنقاط. فأما النقاط فيفوز بها الطرف الأطول صبراً، فاصبروا ولا تهنوا يا أيها الأحرار فإن الميزان في صالحكم إلى اليوم، وأما الضربة القاضية فأقول لكم، وإني لصادق إن شاء الله: إن شعباً كاملاً لا يمكن أن يسقط بالضربة القاضية، أما النظام فيمكن أن يسقط. دعكم من فلسفاتي وانظروا في سجلات التاريخ: كم شعباً واجه نظامه فسقط؟ لن تعثروا على أي شعب. حسناً، كم نظاماً واجه شعبه فسقط؟ سوف تتعبون بالعدّ والإحصاء.