الإخوان ونظام الممانعة
الإخوان ونظام الممانعة
إبراهيم العسعس
إذا كان الاخوان المسلمون يُصدقون بأنَّ النظام السوري نظام مقاومة وممانعة فهذه مأساة …
وإذا كان الاخوان المسلمون يعتقدون أنَّ النظام السوري يمكن أن يكون في يوم من الأيام طريقاً للتحرير فهذا جهل …
وإذا كان الاخوان المسلمون يؤمنون بأنَّ نظاماً قمعياً سحق وجوع وألغى شعبه ولا زال كالنظام السوري ، يصلح أن يقود شعبه على طريق العزِّ والخلاص بمثل هذه العلاقة فهذه جريمة ….
أما إذا كان الاخوان لا يصدقون ولا يعتقدون ولكنهم يمارسون السياسة – كما يزعمون – فهذا دليل على أنهم لا زالوا في عالم الساسية يتخبطون …
ومع ذلك فكل هذا لا شيء !! لكن الداهية الدهياء أن يكون الاخوان هــم رواد العمل الإسلامي ، وأصحاب القاعدة التنظيمية العريضة ، والمتحدثين باسم الإسلام في نظر الناس .. أما هذه فهي المأساة والجهل والجريمة والتخبط … لأنها ببساطة تـدل على أنَّ وعي الأمة في الحضيض !!!
وقد تظنني أتناقض إذا قلت : إنهم مع ذلك ضرورة ولا بدَّ من وجودهم فإن لهم دوراً ، إذ هذا هو منطق الإنصاف ، ومقتضى الواقع ، وكل ما في الأمر أنَّ :
الاخوان فـــــقــــدوا حـــقَّ الــــريادة ولــم يفـقدوا حق الوجود .
يدرك كل متابع أنَّ مناسبة هذا الحديث بيانُ الاخوان في الأردن حول أحداث سوريا ؛ البيان الذي فاجأ المسلمين ، وصعق كثيراً من الشباب .. حتى الذين اعتادوا على غرائب الاخوان لمعرفتهم ببنية العقل الاخواني – ككاتب هذه السطور- لم يسلموا من المفاجأة .
إن حق القيادة والريادة قائمة على ساقين ؛ ساق التوقيت ، وساق الرهان ، فالنخبة القائدة في المجتمع هي القادرة على أخذ المبادرة إن إقداماً وإن إحجاماً في التوقيت المناسب ، وهي التي تسبق الجماهير في التوقيت كي تستحق شرف الريادة فتتبعها الجماهير …
ثم هي نخبة قادرة على استشراف المستـــقبل فتراهن على الجواد الرابح … هذه النخبة أو القيادة بسبب امتلاكها لموهبة التوقيت والرهان على الجواد الرابح لديها قدرة على قراءة الواقع بكل مكوناته قراءة واعية عميقة تسبق قراءة الآخرين ، ولديها ذاكرة غير مثــــقوبة قادرة على استحضار أيام الله لربطها بالواقع ، وإدارة حركة الإخراج من الظلمات إلى النور ، وهي نخبة تمثل الأمة ، وتتحرك بثوابتها وليس فوقها أي أنها لا تتحرك داخل جسم الأمة بمنطق الطائفة التي تقدم مصالحها على حساب مصلحة الأمة فتساهم بتزوير وعيها !!
ولا مجال هنا لتحليل هذه النقاط ، ولكن إطلالة سريعة على البيان تدل على أن الاخوان لا يمتلكون هذه المواصفات … ففي الوقت الذي يهب الشعب السوري للخلاص من الحكم المستبد يعتبر الاخوان بأنه نظام ممانعة ! في حين أنهم وقفوا ضده عندما كان الشعب مستسلماً له في ثمانينيات القرن الماضي !! والاخوان يراهنون على النظام السوري كخط مقاومة ضد العدو الصهيوني !! ولست أدري ، ولست إخال أن أحداً يدري ، كيف يصح هذا وهم يعلمون أن هذا النظام هو الذي سلم الجولان دون أن يطلق رصاصة واحدة ، وأن حافظ الأسد أعلن سقوط الجولان قبل ساعات من سقوطه الفعلي ، وأنه منح السلطة لذلك مكافأة له … هذا ما علمنا إياه الاخوان .
والاخوان يعلمون _ أظن _ أنه لم يكن مسموحاً للمقاومة الفلسطينية أن تطلق رصاصة واحدة تجاه العدو الصهيوني من الحدود السورية ، وقد كان المقاومون يتسللون من سوريا إلى الأردن للقيام بعملياتهم ضد العدو !
والاخوان نسوا _ كما يبدو _ مذبحة تل الزعتر التي اقترفها نظام الممانعة عام 76 من القرن المنصرم ، المذبحة التي قال فيها أحد الشعراء : أيها النسيان إنك تليق بكل الأسماء لكنك لن تكون تل الزعتر ! إلى هذه الدرجة كانت الجريمة ، ومع ذلك يقف الاخوان مع نظام المقاومة !
( للجيل الذي لا يعرف ما تل الزعتر .. هو مخيم فلسطيني في لبنان ، حاصره جيش نظام الممانعة والمقاومة ، ومنع عنه الطعام والشراب حتى أكل أهله جثث الموتى ! ثم اقتحمه واقترف المذبحة التي لا يليق بها النسيان !! ) .
والعجب أن الاخوان يثنون على النظام الذي حارب الإسلام كأعنف ما تكون الحرب ، وهو الذي قتل وشرد إخوانهم من اخوان سوريا !! على كل حال : فإن تدمر الحمراء تسلم عليكم !! لعلكم تتـــذكرونها !!! والاخوان هم الذين علمونا بأن التنكيل بالاخوان كان يسبق كل هزيمة لنا مع العدو الصهيوني ! وأن إبادتهم كانت من شروط بقاء هذا النظام !
والاخوان يعرفون المادة 49التي تنص على أن الانتساب إلى الاخوان جريمة يعاقب عليها القانون بالإعدام .
كل هذا وغيره يعرفه الاخوان لكنهم يتجاوزونه ! لماذا؟ لأن سوريا تحتضن حركة حماس ، والاخوان _ أيها الجاهل بالسياسة _ ( يتكتكون ) ، ويرقصون على الحبال في حين أنك أيها الغر بالكاد تستطيع المشي على الأرض !!
هذا وقد اطلعت وأنا أكتب هذا المقال على رسالة حزب جبهة العمل الإسلامي الموجهة إلى بشار الأسد ، وهي وإن كانت متقــدمة على بيان الاخوان من حيث الوضوح في طلباتها من الأسد ، وانحيازها إلى ثورة الشعب ، إلا أنها تؤكد كذلك على نفس الغباء أو التغابي من أنَّ النظام السوري نظام ممانعة ومقاومة ، وأنَّ حزب الجبهة حريص على أن تظل سوريا في صف الممانعة ! وأنَّ الحزب يخاف على النظام السوري من التهديدات والتحديات الصهيونية الأمريكية وأشهد ألا إله إلا الله ، فهذا الكلام يحتاج مجرد ذكره لتجديد الإيمان ! فهل فعلاً يعاني النظام السوري من مثل هذ التهديدات والتحديات ؟ لا أدري إذا كان ذلك الثعلب الذي قال للضبع بأن الورق مكتوب عليه الكلام لكن الناس لا يقرأون .. لا أدري إذا كان حياً أم لا كي يتأكد من حكمته !! ثم ذكرت الرسالة _ وهذه معلومة لم أكن أعرفها _ بأن حزب جبهة العمل وقع من منطلق الحرص على أن تبقى العربية السورية في خندق الممانعة مع “حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بروتوكول تعاون لما فيه خير أمتنا العربية ” . أية عقول هذه التي تأخذ القرارات في حزب الجبهة ، وأي منهج هذا الذي يقود الاخوان ؟
إن هذا التخبط في التوقيت وفي الرهان على الجواد الخاسر يوقع الاخوان في حرج كبير ، ويفقدهم المصداقية عند من بقي يثق بهم من الحياء … وعلى الاخوان أن يقوموا بالمراجعة الحقيقية لمسار عملهم ، ولرؤيتهم ومنهجهم . وأعتقد أن ما ينطبق على الأنظمة من ضرورة الإصلاح أو السقوط ينطبق على كل من يعمل في مؤسسات النهضة والتغيير ..
وليس بعيداً ذلك الوقت الذي سنسمع فيه من يهتف في وجه الاخوان : أصلحوا أو ارحلوا …