درساً قاسياً
حامد عرب
[email protected]
رسـالـة!!!
القصة أن رئيس وزراء تركيا القائد المسلم رجب طيب أردوغان طلب
من رئيس فرنسا (نيكولا ساركوزي) الحقير زيارة رسمية لتركيا فرفض أن يزورها إلا ست
ساعات فقط وعلى أن لا يكون رسمياً كرئيس دولة فرنسا بل كرئيس لمجموعة العشرين،
علماً أنه كان رافضاً لانضمام تركيا إلى عضوية الإتحاد الأوروبي، فكانت هذه بداية
القصة.
كشفت وسائل الإعلام التركية عن أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان
قدم للرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي خلال استقباله له أمس في أنقرة هدية تذكارية
كان الغرض منها إحراجه وتذكيره بفضل تركيا على بلاده!
وقالت وسائل الإعلام أن أردوغان أراد من وراء هذه الهدية أن
يُلقن (ساركوزي) درساً في كيفية التعامل مع الأمم الكبيرة بعد أن رفض أن يقوم
بزيارة رسمية لتركيا كرئيسٍ لفرنسا، واختار أن يزورها كرئيس لمجموعة العشرين وأن
تكون مدة الزيارة قصيرة جداً ولا تتجاوز 6 ساعات، مما أثار استياء تركيا فضلاً عن
استيائها أصلاً من موقفه الرافض لانضمامها إلى عضوية الإتحاد الأوروبي.
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن هدية أردوغان كانت عبارة عن رسالة
كتبها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1526، رداً على رسالة إستغاثة كان قد
بعث بها (فرنسيس) الأول ملك فرنسا آنذاك عندما وقع أسيراً في يد الأسبان يطلب فيها
العون من الدولة العثمانية، يُطمئنه فيها بأنه سيُخلصه من الأسر، وبالفعل فقد أرسل
إليه قوة عسكرية حررته من الأسر!
ولكن من هو ومن يكون هذا الرجل وما نص رسالته!؟
هو حفيد السلطان المسلم العثماني الكبير محمد الفاتح فاتح
القسطنطينية التي لم تقم لبيزنطة قائمة بعدها أبداً
بإذن الله! وهو محارب الروافض الذي هزم وكسر دولة النفاق والانشقاق الصفوية
المقيتة، هذا السلطان محمد الفاتح المجاهد العظيم نبوءة خاتم المرسلين وأشرف الخلق
أجمعين محمد صلى الله عليه وسلّم.
حدّث عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "ستُفتح القسطنطينية، فنِعم الأمير أميرها ونِعم الجُند
جنده".
وقولة الفاتح المشهورة لقسطنطين بعد قبول الأخير بتسليم الجزية
صاغراً ورفض الفاتح قبولها قائلاً: "سـألتُ ربي أن يجعل لي في مملكتك قصراً أو
قبراً".
تلك كانت قولته وهكذا تبعتها صولته حتى اليوم. هو جدّ السلطان
المسلم العثماني المجاهد آخر خلفاء المسلمين صاحب البأس الشديد، لقبه أعداءه بـ
"السلطان الأحمر" لكثرة الدماء المسفوكة في عهده حسب زعمهم، قاتل من أجل الإسلام
كلّ العالم:عربه وعجمه، مسلمه وكافره، أحمره وأصفره وأبيضه وأسوده،
لا تقل شاء السلطان وقال وفعل ولكن قل شاء الله! إن الله
فعَّالٌ لما يريد. وبكت على الخلافة من بعد عبد الحميد حتى اليوم
إندونيسيا حتى الهند وبكت البوسنة حتى الصومال وبكت على أُفول نجم الخلافة بحار
الأبيض والأحمر والأسود، قليل في حقّ الرجل وشأنه ما كُتب وما يُكتب! رحم الله عبد
الحميد وغفر له وأثابه على جهاده.
مهما قيل في الخلافة الإسلامية العثمانية من لغط وشطط تبقى
الخلافة التي دامت ستة قرون ونيف مدافعة عن
الإسلام وأهله بإذن الله تعالى، فلا الدولة الأموية ولا العباسية ولا غيرهما استطاعوا
البقاء والاستمرار كما فعلت دولة آل عثمان. من هذه الأمة العظيمة جاءت سيرة بطلنا
وعلمنا ورمزنا إلا وهو: السلطان القائد سليمان القانوني: واحداً من العظماء القلائل
في صفحات التأريخ الإسلامي الناصعة.
لُقب بـ "القانوني" لكلمته المشهورة والدالة على عزته وعظمته
وافتخاره وشموخه بدينه وبنفسه عندما وقف مزمجراً يقول: "أنا القانون والقانون أنا."
وهذه الكلمة استعارها الكثير من الملوك أمثال (بسمارك) المانيا
و(لويس) التاسع فرنسا بقولهما "أنا الدولة والدولة أنا".
ولكن شتّان بين سُليماننا وبينهما!
من هذا القائد العظيم سوف أقرأ على مشاهدتكم رسالته الشهيرة وهي رسالة موثقة
ومحفوظة لدى الوثائق الفرنسية رداً على رسالة ملك فرنسا (فرانسوا الأول) يستنجد
بالسلطان لينصره على عدوه ملك الأسبان:
بالله عليكم إسمعوا وشاهدوا معي عظمة هذه الكلمات التي تتجلى
فيها معاني العزّة والكرامة والشجاعة وما يصنعه
الإسلام بالرجال!
أشتُهر السلطان سليمان القانوني بأنه كان يستفتح رسائله بالآية
الكريمة من كتاب الله تعالى: "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم". ثم يكتب
ما يشاء، وهذه الرسالة لا تقلّ روعة: فيها من عِبق الزمن الجميل ما لا يُصدّق
وكأنها طيف أحلام!
رسالة السلطان سليمان إلى ملك فرنسا (فرانسوا) الأول:
الله، العلي، المعطي، المغني، المعين،
من السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد، إلى
فرنسيس ملك ولاية فرنسا،
وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم
(فرانقبان)، وأعلمنا أن عدوكم قد أستولى على بلادكم، وأنكم الآن
محبوسون، وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عُرض على
أعتاب سرير سُدتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار
بتمامه معلوماً. فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول
الخاطر. فإننا فاتحون البلاد الصعبة والقلاع المحصنّة وهازمون أعدائنا، وإن خيولنا
ليلاً ونهاراً مسروجة، وسيوفنا مسلولة، فالحقّ سبحانه وتعالى يُيسر الخير بإرادته
ومشيئته. وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور، فليكن معلومكم
هذا.
تحريراً في أوائل شهر آخر الربيعين سنة 932 من الهجرة النبوية
الشريفة، 1525 من الميلاد، بمقام دار السلطنة العلية القسطنطينية المحروسة المحمية.
كلام قوي من رجل قوي في زمن قوي! فهل بعد هذا القول من مقال!؟
قرأت في كتاب تأريخ فرنسا HISTOIRE DE
FRANCE ويُدّرس لتلاميذ الصف السادس الإبتدائي في
المدارس الفرنسية ـ كنت أحد من تعلمّوا في الليسيه ـ رسالة أخرى موجهة ـ وسبحان
الله ـ من ملك الدنمارك هذه المرّة، الدنمارك الذي حلّ بنا من لدنها ما حلّ مؤخراً،
إلى السلطان سليمان وقد شدّ إنتباهي في الرسالة المخطوطة في ذلك الكتاب من تأريخ
فرنسا ما أستفتح به ملك الدنمارك رسالته قائلاً: "إلى أقوى الملوك وأعظم السلاطين
في الأرض، إلى جلالة السلطان سليمان الأعظم! هذه رسالتي تُقبّل قدميكم... إلخ".
ونكتفي بهذا القدر وإلاّ مجلدات مجلّدة لا تكفي. هذا الفاتح
الكبير سليمان القانوني يُخاطبه ملك الدنمارك بتقبيل قدميه ويستجير به ويستنجد ملك
فرنسا المغوار، فيرّد عليه سليمان بأن رسالته قد وصلت إلى أعتاب ملجأ السلطنة. هذا
هو سليمان من إذا قال أنا فعل!
هذا هو الخليفة المسلم العثماني
سليمان وقد امتدّ سلطانه من زيلع وعصب جنوباً حتى فيينا والدانوب شمالاً، ومن بحر
بربرة إلى بحر مرمرة، وفتح بيده بلاد المجر والصرب والبوسنة والهرسك وبلغاريا
وكوسوفا وألبانيا وحتى مداخل بلاد قيصر الروس شرقاً إلى أن بلغ النمسا في أقصى بلاد
الغرب.
توفي رحمه الله عن عمر يُناهز الثانية والثمانون سنة وهو راكب
على سرج حصانه في مقدمة جنوده
تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله والله أكبر" أمام أبواب أسوار فيينا في
النمسا وهو يُحاصرها.
رحمك الله يا سليمان، وعفا عنك، ورحم آباءك وأجدادك من
الفاتحين، ونسأل الله أن لا يطردنا من رحمته.
أين نحن اليوم من رسالتك لملك فرنسا ومن رسالة ملك الدنمارك
إليك!؟
اللهم قد أكرمتنا بالإسلام فأعزّنا اللهم به وانصرنا. آمين!!!
والحمد لله رب العالمين.
وحافظ على فلسطين بإذن الله وما فرَّط بها بكنوز أحفاد
قارون، وكانت فلسطين سبباً رئيساً في زوال سلطانه، ولكنه عبد الحميد العنيد ما
فرَّط بالإسلام ولا بدياره و لا بأهله.