لص في ثوب مسئول
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
[email protected]
ذكر ياقوت الحموي في " معجم البلدان " عند التعريف بمدينة "
إربل " المعروفة اليوم بـ" أربيل " في العراق , فقال في صفة أميرها وواليها :
( وطباع هذا الأمير مختلفة متضادة فإنه كثير الظلم عسوف بالرعية راغب في أخذ
الأموال من غير وجهها , وهو مع ذلك مفضل على الفقراء كثير الصدقات على الغرباء ,
يُسير الأموال الجمة الوافرة يستفك بها الأسارى من أيدي الكفار , وفي ذلك يقول
الشاعر :
كساعية للخير من كسب فرجها = = = لكِ الويل لا تزني ولا
تتصدقي ) .
هذا الوالي من الذين قصدهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "
السياسة الشرعية " بـقوله : ( فريق غلب عليهم حب العلو في الأرض والفساد فلم
ينظروا في عاقبة المعاد ورأوا أن السلطان لا يقوم إلا بعطاء وقد لا يتأتى العطاء
إلا باستخراج أموال من غير حلها ؛ فصاروا نهابين وهابين . وهؤلاء يقولون : لا يمكن
أن يتولى على الناس إلا من يأكل ويطعم فإنه إذا تولى العفيف الذي لا يأكل ولا يطعم
سخط عليه الرؤساء وعزلوه ؛ إن لم يضروه في نفسه وماله . وهؤلاء نظروا في عاجل
دنياهم وأهملوا الآجل من دنياهم وآخرتهم فعاقبتهم عاقبة رديئة في الدنيا والآخرة إن
لم يحصل لهم ما يصلح عاقبتهم من توبة ونحوها ) .
وهذا هو خُلق الكثير من المسئولين في بعض الدول العربية , الذين
ينهبون ويسرقون الملايين والمليارات من أموال الشعوب , ثم يتصدقون – ليس كأمير إربل
السخي بمال غيره – , بل بالقليل القليل على بعض أفراد شعوبهم , فيبرزن أنفسهم على
أنهم من أهل الإحسان , والعطف على الأرامل والمساكين ! بل بعضهم يسرق ويبخل ويطمع
ولا يشبع , ولا يستحي من جرائمه أمام الناس وكأن وجهه مخلوق من حجر !.
فهناك بعض الدول العربية وخاصة في الخليج , بلغ أموال بعض أفراد
الأسر الحاكمة مليارات الدولارات , قد تكون قريبة من ميزانية سنة مالية للدولة !!.
وهذا جشع فوق الوصف والخيال , فماذا يريد هذا المسئول – قبحه
الله - المنتهب للمال العام , أن يفعل بهذه المليارات هو وزوجته وأبنائه , الذين قد
لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة ؟!.
لذا لابد من استرجاع هذه الأموال الطائل للشعب , ولا يكفي
للحكومات استرضاء الناس ببعض القرارات والمليارات القليلة , التي تُمنح من وقت إلى
وقت آخر لتحسين أوضاعهم , فهذا بنج مخدر وسيعود الألم بعد ذهاب البنج وتثور الشعوب
من جديد , ما دام اللصوص من المسئولين لم يُعيدوا الأموال إلى أهلها من المواطنين
البؤساء .