موسم التمرد على الأنظمة الحاكمة
محمد إسحاق الريفي
الحرية في هذا العصر لا تعني إلا أن تعيش متمرداً على الحكومات والأنظمة الحاكمة في العالم العربي، لأنها فاسدة ومستبدة ومتخلفة، ولأن التمرد على الطغاة – بكل أشكاله المشروعة – هو الحصن المنيع الذي يحمي الشعب من جور النظام الحاكم، وصمام أمان وجود أمتنا العربية، وسبيل نهضتها، والوسيلة الوحيدة للتغيير الذي تقتضيه السنن الاجتماعية والكونية. والقراءة الدقيقة للواقع العربي تؤكد أن موسم التمرد على الأنظمة الحاكمة قد حان، وأن الوقت قد حان للتحرر والتغيير.
تعلمنا في الأسابيع القليلة الماضية من الثورة المصرية العظيمة، ومن الثورة التونسية، الشيء الكثير. فقد تعلمنا أن التمرد الجماعي المنظم والواعي – أو الثورة الشعبية الواعية – على النظام الحاكم يحقق أهدافه ويؤتي ثماره الطيبة بسرعة وبأقل الخسائر والتضحيات، فلا قوة تستطيع الوقوف أمام طوفان الشعب وإعصار التغيير وإرادة الشعب. وتعلمنا أيضاً أن رأس النظام الفاسد يتشبث بالحكم حتى آخر رمق بسبب خوفه على مصالحه الشخصية والعائلية، وبسبب خوفه على ثروته التي قضى العقود وهو ينهبها ويجمعها من أموال الدولة ومن أقوات الفقراء والطبقة المسحوقة، ولهذا فإن الأحداث التي عاشتها في الآونة الأخيرة كل من مصر وتونس هو في حقيقته صراع بين الثورة الشعبية وبين ثروة النظام الحاكم، وقد انتصرت الثورة على الثروة في نهاية المطاف، وسقط النظامان الطاغيان.
وفي طغيان النظام الحاكم، قال المؤرخ وعالم الاجتماع العربي ابن خلدون: "يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة." فإذا استكان الشعب للحاكم، استبد الحاكم، وتحول إلى ذئب، وتعامل مع الشعب على أنه قطيع من الخراف مستباح الحقوق والكرامة والدماء. وقد قال الفيلسوف الفرنسي "برتراند دي جوفنيل" حول هذه القضية: "مجتمع من الخراف سيحكمه إن عاجلاً أو آجلاً حكومة من الذئاب." والتمرد على النظام الحاكم الفاسد والمستبد هو الذي يحول دون تحول الشعب إلى خراف، لأن هذا النوع من النظام ليس له دين ولا ضمير، ولا يهمه سوى مصالحه وثروته كما قال الفيلسوف الفرنسي "ألبير كامو": "الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير، وأحياناً يكون لها سياسة."
والتمرد الشعبي المشروع على النظام الحاكم هو الذي يجبر الحكومات على الاستقامة إلى حد ما، ويجعلها تخشى من ثورة الشعب وإعصاره الذي لا يبقي ولا يذر، وبغير ذلك فإن الحكومات تفسد وتفسق وتستبد وتطغى. وفي هذا السياق قال الرئيس الأمريكي الثالث "توماس جفرسون": "ليس هناك من حكومة تستطيع أن تحتفظ باستقامتها إلا إذا كانت تحت سيطرة الشعب." وإذا فسدت الحكومة واستبد الحاكم فإنه يشكل له جيشاً من البلطجية والبطانة الخبيثة والمنافقين، وفي هذا قال ابن خلدون: "حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منه الشعب."
لقد تحولت الأنظمة الحاكمة العربية إلى عصابات من المفسدين واللصوص والبلطجية، مهما اختفت وراء شعارات وهمية وزائفة، ومهما تمسحت بالدين والوطنية، ومهما احتمت بالفتوى المفصلة وفق مصالحها ومآربها، ومهما تترست بالعشائرية المتخلفة. فبينما من الواجبات الأساس على هذه الأنظمة أن تقوم برعاية مصالح الشعب وأمتنا العربية، فإنها ترعى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأعداء أمتنا من اليهود والصليبيين الجدد والصهاينة، وتدير حياة الشعب وفق مصالح هؤلاء الأعداء وأجنداتهم، وكان الأجدر بهذه الأنظمة الحاكمة أن تدير العدالة، لأن "إدارة العدالة هي أمتن أركان الحكومة" كما قال الرئيس الأمريكي الأول "جورج واشنطن." وبدلاً من حماية كرامة المواطن العربي، انتهكت هذه الأنظمة الحاكمة كرامة الإنسان العربي، حتى أصبح الشعب يستجدي الكرامة من الحاكم، وفي هذا صدق الشاعر العراقي أحمد مطر عندما قال مستهزئاً: "الحاكم علمنا درساً .. أن الحرية لا تهدى .. بل تستجدى!"
إن التمرد على الأنظمة الحاكمة العربية هو مقياس للحرية التي يتمتع بها الشعب والفرد، بل إن التمرد على هذه الأنظمة هو الحرية بعينها، ولن ينعم الشعب العربي بالحرية ما لم يقيّد الحكومات التي تحكمه ويجبرها على الخضوع لإرادته، وما لم يجبرها على التحرر من الولاء للأجنبي. ولا أدري ما المبرر الذي يجعل الشعب العربي يقبل أن يحكمه نظام حكم تحميه الولايات المتحدة ويتعاطف معه العدو الصهيوني! ولقد قال الإمبراطور الفرنسي "نابليون بونابرت" في الحكومات التي يدعمها الأجنبي: "الحكومة التي يحميها أجانب لن يقبلها أبدا شعب حر." فلماذا نقبلها نحن العرب!
سننتصر عندما نغرس في الجيل الناشئ ثقافة التمرد على أنظمة الحكم.