عندما يتحدث البعض عن التغيير
عندما يتحدث البعض عن التغيير
أحمد النعيمي
http://ahmeed.maktoobblog.com
ينشغل العالم اجمع بمتابعة ما يجري من أحداث على الساحة
المصرية، والتي بعثت في أوصال كل الأحرار الشعور بالفخر والاعتزاز، يراودهم أمل بان
يحقق الشعب المصري حلمه ما يصبو إليه من التخلص من فرعونه، وسط حلم اكبر بان يؤول
إليه حال كل طغاة العرب إلى الحال الذي آل إليه ثور تونس الهارب، لكي يرفع المواطن
العربي عن كاهليه كل القهر والكبت والخوف اللذين يعيشهما منذ أن تحكم هؤلاء الطغاة
برقاب العباد.
لدرجة أن العالم اجمع بات يحاول أن يخصص أوقات فراغه وجزء كبير
من عمله، لمتابعة هذه الحركة الشعبية، التي نفضت الخوف من قلوبها، وخصوصا أن الأمور
تتحرك بشكل متلاحق وسريع، وكل لحظة يحدث حدث جديد، والقنوات الفضائية تنقل الحدث
وبلحظته، وتلاحق المستجدات أول بأول، رغم محاولة النظام المصري التعميم على جرائمه
التي يرتكبها بحق الشعب الثائر، ولفت انتباهي شيء غريب وهو انه في الوقت الذي تقوم
به اغلب القنوات الفضائية بنقل مجريات الأحداث بكل نزاهة ومصداقية، كان التلفزيون
المصري يسبح وعيش في واقع غير الواقع، ويناقض بعضه البعض، وتصريحات ينسف بعضها
البعض الآخر، حتى في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء المصري شفيق يتحدث انه سيحاسب
كل الذين تسببوا في جرائم الأيام الماضية بحق المتظاهرين، من امن سري وبلطجية، كان
هؤلاء يعتدون بضرب القنابل والحجارة على المتظاهرين أنفسهم، فإذا كانت الحكومة لا
تعلم بما جرى من قبل، فلماذا بقي هؤلاء يجولون الشوارع في ترويع الشعب؟! وهذا أن
أكد فإنما يؤكد أن هناك مخطط لترك هؤلاء يقومون بمهمتهم من ترويع المتظاهرين
وإخافتهم، من اجل العودة إلى منازلهم، وان هذا الخطاب لم يكن إلا للتخدير؟! وبينما
كان نائب مبارك يتحدث إلى القناة المصرية كانت إحدى سيارات الشرطة تخترق احد
الشوارع المتواجد بها عدد من المتظاهرين وتقوم بدهس العديد منهم، مما كان يعطي
انطباعا للمتابعين – وأنا واحد منهم – مدى كذب هؤلاء وعدم مصداقيتهم، هؤلاء الذين
يعرفهم الشعب المصري اشد المعرفة، والذي رمى بوعودهم خلف ظهره، واحتشد بالملايين في
ساحات مصر ومدنها جميعاً، مؤكدا انه لن يعود إلى منزله، إلا بعد سقط هؤلاء
المراوغين الكذبة.
وهذا التشويه للأحداث وطمس جرائم أمر ليس بغريب على المواطن
العربي، ولكن الغريب أن يخرج بعض الذين يدعون زورا إلى العلم، والذي كنت أكن له كل
احترام وهو محمود المصري، الذي طالما استمعنا إلى محاضراته على الرسالة وغيرها،
يخرج اليوم على القناة المصرية ليرد على دعوات العلماء الذين دعوا الشباب إلى
الصمود حتى يسقط مبارك وأذنابه، فيقول داعيا الشباب إلى ترك أماكنهم: " وجودكم في
هذا المكان سيسمح لأناس أن يندسوا ويسيئوا، والبلد تخسر المليارات، وبدل أن يقول
الشعب انه يريد إسقاط النظام ليعود إلى بيته ويلجا إلى الدعاء" ويضيف : " الناس
متعطلة ولا تجد لقمة العيش في ظل تعطل المصالح، والخراب يعود غلينا أفرادا وجماعات،
ياشباب اللي واقفين في الميدان: كل ساعة تعود على البلد بخسارة كبيرة، فلنوقف تعطل
البلد ونعود ونرى التغيير حيحصل ازاي، وبعدها إذا لم يحصل تغيير نعود للتظاهر ولا
نتراجع" وكأني بهذا الشيخ الذي كنت أكن له الاحترام، يتحدث إلى أناس غير أناسه،
ويتكلم عن واقع غير واقعه، فقد بقي هذا الشعب الشريف صامدا في مكانه، أياما ولم
يغير ثوابته، ولم يخرب بلده، إلا عندما ادخل النظام شرطته السرية وبلطجيته، واعتدوا
عليهم بالضرب، ولكنه بقي كما هو، فإذا كان كل الشعب خرج للإصلاح فلن يكون أبدا
مخربا!! وهذا ما شاهدناه من حمايته للمتحف وتشكيل لجان شعبية لحماية نفسه وحماية
الناس، وأما عن زعمه بان حريص على الخسائر التي يتعرض لها البلد، وعن تعطل الناس،
فماذا اخرج هؤلاء إلا جوعهم وتعطلهم، وكأني به قد تناسى أن أن هذه الأموال إنما
تذهب إلى جيوب هؤلاء وأذنابهم، ورجال أعمالهم، الذين يحتكرون الأموال بينهم، فهذه
الخسائر التي يتحدث عنها هذا الشخص، ماذا ستضر هذا الشعب الجائع؟! والتي لن تؤثر
إلا على جيوب المتحكمين بالرقاب، وليسال زوجة ثور تونس الهارب عن الطن والنصف من
الذهب الذي خرجت به، بعد أن سرقت من كد شعبها وتعبه، واختطفته من مقدرات الفقراء
والمساكين، وليعلم أن نصف طن من هذا الذهب كقبل بان يعيد إلى الشعب هدوئه ورفاهيته،
فأي معنى عن ضرر اقتصادي يتباكى عليه صاحبنا؟! وكيف لهذا الشاب الواعي أن يصدق وعود
هؤلاء المراوغين، وهو أدرى الناس بهم، فكيف لمنحرف وفاسد أن يصبح شريفا، ففاقد
الشيء لا يعطيه، بل كيف لمؤمن أن يلدغ من حجر واحد مرتين، أم انه ينتظر منهم أن
يعودوا إلى بيوتهم ليتم القبض عليهم وزجهم بالسجون، وعودة الحكم إلى التوريث.
ثم يتابع لنا هذا الفاضل بضرب الأمثلة عن رسول الله وتسامحه مع
أهل مكة، وعفوه عنهم، فيقول: " عفوكم لما حدث في الثلاثين السنة الماضية، لأننا لا
نريد أن نقول أن الشعب المصري قد عمل بحكامه كذا.. وان الرئيس بقي له عدة أشهر،
فليغير ويترك لكم ذكرى طيبة قبل أن يمشي" ولكن قياس صاحبنا في غير محله أبداً،
فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد عفا بعد أن تمكن من كفار قريش، وبعد أن اسقط
كل هذا النظام المشرك من أساسه وأرسى قواعد الأمن في مكة، فماذا فعل الشعب المصري
الذي لم يحقق مطالبه بعد برحيل مبارك، حتى يعفو؟! وعن ماذا يعفو، فالعفو يأتي عند
القدرة!! فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – عفا، بعد أن خلص مكة من رجس المشركين،
ومن ثم حكم الجزيرة العربية كلها بالعدل والإسلام، وهذا ما يسعى إليه شعب مصر
العظيم، وبعدها ليكن العفو كما فعل رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
ثم يتحدث وهو الأمر الأخطر في كلامه، فيقول: " إحنا مش سياسيين،
إحنا نعرف الناس بدينهم، السياسة لها ناس، والدين له ناس" وهذا تثيبت لما تريده
الأنظمة العلمانية التي تقول بفصل الدين عن السياسة، فأي فرق بينه وبين تلك
الأنظمة؟! بينما نسي أن يقول أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – النبي الذي يعلم
الناس دينهم، هو صاحب السياسة والمجاهد في سبيل الله، والذي ساس الأمة وفق ما شرعه
الله له ومن بعده خلفائه، ومبادئ عمر الفاروق – رضي الله عنه – تطبق في الغرب بعد
أن درست في جامعاتهم لسنوات طويلة.
هذا ما يريده الفراعنة من أمثال هؤلاء الذين يدعون العلم، وهم
اجهل الناس به، ليلبسوا على الناس دينهم، ويثبتوا هذه الأنظمة العلمانية فينا، ولكن
الحق أن السياسة التي يجب أن ينتهجها كل من يدعي الإسلام يجب أن تكون منبثقة من
العقيدة، وان أي أمر يخالف هذه العقيدة يرمى به عرض الحائط، فالعلماء هم الذين
قادوا الأمة الإسلامية وساسوها وفق شرع الله، فنصرهم الله ومكن لهم في الأرض. وأما
درس عدم تصديق المجرب، وتصديق الكاذب، فهو درسه يعلمه الصغير قبل الكبير، وهو ما
فهمه الشعب المصري الأبي، الذي أبى أن يثق بوعود الكذبة والدجالين، وأبى أن يتراجع
حتى يسقط هذا النظام وأذنابه، وبهذا يكون التغيير قد حصل بشكل سليم، فحذاري أن
يستلم مكان هذا الفرعون الآيل إلى السقوط فرعون جديد، وتضيع هذا التضحيات سدى!!